غريبة هي الأوضاع في بلدات الجنوب ، فغالبية المنازل مرتدية رداء الحزن والشوارع مكسوة بصور لشبان لم يعرفوا عن الحياة سوى ثقافة واحدة ألا وهي ثقافة الموت. وباعتباري من قرية جنوبية ، كان يوم السبت يوم إجازتي فقررت زيارة عائلتي وعند وصولي إلى إحدى البلدات تفاجأت بأنّ الطريق مقطوع ، فهناك تشييع لأحد الشبان الذي كانت قد أصابته سابقاً رصاصة موت في سوريا ليتحوّل من جريح إلى "شهيد" بعد عذاب دام ثلاثة أشهر مخلفاً وراءه أمّا وزوجة ثكالى برحيله وطفلة وطفلاً لا يعرفان أنهما لن يريا والدهما من جديد .

دفعني فضولي إلى حضور هذا التشييع واسترقت السمع إلى إحدى السيدات التي بدأت بالبكاء بمجرد رؤية ولده على نعشه فكانت تقول "والله حرام كل هالشباب هيك عم يروحوا ، هالولد بيقطع القلب ". وكأنّ بهذه العادة التي بدأنا نشهدها في أكثر من تشييع هي محاولة للتعاطف مع القضية التي قتل من أجلها هذا "الشهيد".

لكن السؤال الذي أريد ان أطرحه هنا :"إن كان هذا الشاب قد قتل من أجل قضية يؤمن بها بغض النظر عن صوابيتها من عدمها فهل كل شباب الجنوب يدخلون في سياسة الحزب بسبب قناعاتهم"؟

بالطبع لا ، فأنا كإبنة الجنوب أرى في المال سبباً واضحا لجذب الشبان وبكثافة خصوصاً أننا في بلد منهار إقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وإنني أتحدث عن هذا الأمر ليس من باب حب الإنتقاد إنما رغبة مني في الموضوعية وفي محاولة جعل "حزب الله"يستفيق من غيبوبة "الدفاع عن المقدسات" إذ أنّ شبان الجنوب بغالبيتهم لا يهتمون بهذه الأفكار إنما يهتمون بتحسين أوضاعهم المعيشية فخلال حضوري التشييع إذ بشاب يقف وأعلم تماماً أنه من "زينة شباب الحركة" لكن صدمتي أنّه كان مرتدياً الزي العسكري لحزب الله ، فبعد السلام معه سألته عن سبب هذا التغيير المفاجىء وإذ بجوابه الصاعق "بدنا نشتغل شو منجوع ولادنا".

ففي ظل سيطرة اليد العاملة الأجنبية وفي ظل فرص العمل شبه المعدومة بات اللجوء إلى هذا الحزب الذي يشتري روح الإنسان مقابل 500 دولار أو 600 دولار منفذاً سهلاً لهؤلاء الشباب الذين كانوا غارقين في مستنقع الحرمان والفقر . وبدلاً من السرقة والإنخراط في الأعمال غير الشرعية ضمهم الحزب إلى صفوفه مستفيداً بذلك منهم رغم ما يكلفونه من أموال جراء محاولة غسل دماغهم

 والقضية كلها تكمن هنا فإن استطاع الحزب غسل دماغ الشاب فإنه سيستطيع تحريكه كرجل آلي ولما لا فإنه يكفي زيادة عدد عناصره من دون اقتناعهم . فهل حتى الآن سيبقى "حزب الله" يقنعنا بأنه "الإيمان كله" وإلى متى ستبقى هذه المتاجرة بأرواح الشباب وإني أتوجه بالقول إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله "إستثمر هذه الأموال في مشاريع إنمائية بدل المتاجرة بنا " .