وأخيراً، تمت إزالة المبنى الواقع على مدخل سوق الخضار الجديد بعد سنوات من أخد ورد، وتدخلات سياسية وتدخلات مضادة، أدت إلى تعطيل إنجاز السوق لسنوات، مما طرح تساؤلات عدة حول ما حدث؟ ولمَ الآن؟ وهل من ظالم ومظلوم في هذه القضية؟ وهل سينجز السوق قريباً أم هناك عقبات أخرى؟
عدّلنا المبنى بالتنسيق مع المجلس ولكن..
يقول الحاج محمود عيد مالك العقار لـ"البيان": "نحن حريصون على ألا تتعطل أي من مشاريع المدينة، وعند اطلاعنا على الخرائط تبين لنا بأن الجزء الخلفي للعقار المحتوي على مستودع كان يعيق المشروع فعلاً فسلمناه لمجلس الإنماء والإعمار في وقت سابق، ولكن الجزء الأمامي المقام عليه البناء لا يعيقه، لذا قام المجلس بتعديل خرائطه على أن يتم قص جزء يسير من المبنى من الجهة الخلفية بعد تدعيمه حتى لا تتأثر متانة البناء، كونه مكوناً من طابقين علويين وآخرين تحت الأرض مجهزين كبراد لخدمة السوق، وكل ذلك كان بإشراف المهندس الإستشاري من قبل المجلس الذي تابع التعديلات أسبوعياً".

الضغوطات السياسية فعلت فعلها
ويكمل عيد: "ولكن بعد أن قمنا بالتدعيم وتكلفنا قرابة الثلاثين ألف دولار، فوجئنا بالقوى الأمنية وفرق من مكافحة الشغب تطوق المبنى بهدف إخلائه، وبعد تواصلنا مع المحافظ اضطررنا للتوقيع على تعهد بالإخلاء والهدم، وهذا ما حدث".
ويضيف: "كل ما أرجوه الآن أن ينصفني القضاء. إلى الآن لم نستلم مبلغ التعويض الذي أودعه المجلس في البنك، بانتظار أن يصدر عن محكمة الإستئناف حكمها النهائي، حيث أن المجلس قيَّمَ متر الأرض بـ66$ وهي تساوي 1000$، كونها لا تبعد عن المرفأ أكثر من 100 متر، وقيّم العقار بمبلغ 350 ألف دولار وهو على الطريق العام ويساوي حوالي الثلاثة ملايين، علماً أنه غير مخالف ولدي رخصة بناء منذ عام 2003 وإذن بمباشرة بالعمل عام 2005، وكان ذلك قبل مباشرة مجلس الإنماء والإعمار بأعمال البناء، ولم أكن أظن بأن السوق سيتم إنشاؤه فعلاً، نظراً لأن كافة مشاريع المدينة معطلة ولم يكن تمويل المشروع متوافراً حينها، وإلا لما كنت تكلفت على بنائه وألبسته الحجر، كما أن لدينا أمثلة كثيرة على مشاريع تعيقها الاستملاكات ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، مثل المبنى الذي يعترض استكمال مشروع الأوتوستراد منذ سنوات، ولكن الضغوطات سياسية فعلت فعلها، علماً أني لم أوفر أيضاً الوساطة السياسية لرفع الغبن عني والحصول على حقي".
هذا وقد وجه المحامي عبد الرحمن عيد ابن صاحب العقار خطاباً شديد اللهجة إلى مجلس الإنماء والإعمار عبر موقع التحري تحت عنوان "فضيحة عصر الإنماء والإعمار في طرابلس"، مشيراً فيه إلى أن رئيس المجلس طلب منه تقديم طلب استرداد البناء الأمامي وقد تم تسجيله في قلم المجلس!

لا حق شرعياً له
وعلى جانب آخر، نقيب تجار الخضار والفاكهة في طرابلس منيب معرباني يرد بالقول: "لا حق شرعياً له، فالعقار مستملك بمرسوم جمهوري منذ عام 2005 ولا يلغي المرسوم الجمهوري إلا مرسوم آخر، والحديث عن الغبن ليس في مكانه لأن الدولة استملكت متر الأرض بـ60 دولاراً حين كان سعره 30، وأنا نفسي اشتريت في تلك الفترة بسعر 30 و33، كما كان يتواجد عقار ملاصق لعقاره تم هدمه منذ 5 سنوات والتعويض عليه بمبلغ 325 ألف $،أما هذا العقار فكان قرار هدمه موجوداً في فصيلة باب التبانة منذ سنوات ولكنه كان يحتاج إلى آلية تنفيذ والواسطات كانت تحول دون ذلك".

التعويض مجزٍ ولكن..
وبسؤال الحاج محمد الحلاق- تاجر خضار وأحد المتابعين لملف العقار- يقول: "بداية هو من ظلم نفسه لأن التعويض كان مجزياً وجميع المُلاك حينها أخذوا التعويضات واستثمروها، ولكنه رفض استلام التعويض فبقي في البنك إلى أن ارتفعت أسعار العقارات وانخفضت قيمة الأموال، وفي محاولة منا لحل الإشكالية طرحنا عدم هدم البناء واستخدامه كمبنى إداري للنقابة على أن نجمع مبلغ 500 ألف دولار من التجار للتعويض عليه، ولكن في أحد لقاءات الوساطة بحضور رئيس غرفة التجارة توفيق دبوسي، طلب عيد 3 مليون دولار، مما دفعنا إلى اللجوء للسياسيبن، وعندما أدركوا الغبن الواقع علينا رفعوا أيديهم عن الملف".

الخطأ مشترك
ويؤكد مصدر من الشركة المتعهدة للمشروع بأن "الخطأ مشترك بين كلا الطرفين، فبالإضافة إلى أن المالك لم يلتزم بالتسليم كبقية المالكين، أخطأ مجلس الإنماء والإعمار حين رضخ للضغوطات السياسية ووافق على التعديلات وغض الطرف عنه، مما أتاح له فرصة الإستفادة من المبنى لسنوات على حساب تعطيل المشروع، وما يشاع عن أنه تكلف مبلغ 30 أو 40 ألف دولار على التعديلات غير دقيق لأن ما تم تعديله يعد بسيطاً ولا يكلف كل تلك المبالغ".

لا وعد بالتسليم
ومن جهة أخرى، وبعد أن أصبحت المشكلة بين عيد والقضاء وتحرر السوق من المعوق الأساسي لاستكماله كما كان يؤكد الجميع، هل سيتم إنجازه قريباً؟
يجيب معرباني: "لا وعد ولا موعد للتسليم حتى الآن، ولا زالت المرحلة الأولى لم تنته بعد، كما أننا نطالب ببعض التعديلات الجوهرية مثل بناء متختات للمكاتب ونقل الحمامات إلى أعلى، حيث أنها حالياً في وسط المحلات وهذا أمر غير مقبول، وكان قد وعدنا رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر بآخر لقاء معه بإنجازها في المرحلة الثانية من المشروع، إضافة إلى تزفيت الأرض، ولكن إلى الآن لم ينجز شيء، لذا كلفنا الشركة المتعهدة بعمل دراسة على حسابنا الخاص، وهي قيد الإنجاز ولا زلنا لا نعرف التكلفة فعلياً، فإن وجدناها معقولة، جمعنا المبلغ من التجار استعجالاً للأمور حتى نتمكن من الانتقال إلى المحلات لأن الوضع لم يعد يُحتمل في هذا السوق نتيجه لضيقه وعدم انتظامه، كما أنه لم يسترد عافيته بعد أحداث الجبل والتبانة، ولا يوجد تاجر إلا وخسر 50- 60 مليون ليرة جراءها، ونتوقع أن يساهم الموقع الجديد بانتعاش السوق".

مطلوب استملاك أو إيجار رمزي
ويؤكد على ذلك الحلاق حيث يقول "مازال بعض التجار "مكسورين" إلى الآن نتيجة لتلك الأحداث، والهيئة العليا للإغاثة لم تعوض علينا بشيء، إضافة إلى الركود بسبب إنشاء سوق الخضار بعكار، فالتاجر الذي كان يبيع 22 بيك آب في اليوم أصبح يبيع واحداً فقط، كان عندنا بعد العصر غلة ثانية لأن أبناء عكار وباقي المناطق كانوا يتسوقون من طرابلس، أما الآن فالوضع اختلف، الحركة بحاجة "لإجر غريبة"، ونتوقع أن يستقطب السوق الجديد كافة الفئات، ولكن بالوقت نفسه لدينا تحفظ، ونحن جميعاً كتجار متفقون على ألا ننتقل إلا بعد تحرير عقد بإيجار رمزي بحدود 1000- 1500$ في السنة أو تمليكنا محلات المشروع بمبلغ لا يتجاوز الـ50 ألف دولار، لأننا لا نريد أن يحدث معنا مثلما حدث مع تجار عكار حيث أنهم أعطوهم في البداية 6 أشهر مجاناً ثم حاسبوهم بسعر 4 آلاف للمحل، ومن ثم زادوا حتى أصبح سعر المحل بـ7 آلاف $ فهل سنعمل لنعطيهم مردودنا كله؟!".
هذا وستُسلّم إدارة السوق للبلدية بعد انتهائه، ويشير البعض إلى أن مفاوضات أُجريت بالفعل من أجل استملاك المحلات ولكن قانون البلديات لا يسمح بذلك.

التنفيذ رهن بتوفر الأموال
وبالعودة للمكاتب المطلوب إنجازها كشرط أساسي (آخر) لانتقال التجار إلى السوق يقول مصدر الشركة المتعهدة "نعمل على دراسة لتنفيذ المكاتب كمتختات من الحديد لصالح التجار، وعليهم بعد انتهائها الذهاب بها إلى مجلس الإنماء والإعمار والسياسيين للموافقة عليها، علماً أن المجلس لا علم لديه بها حتى الآن".
ويضيف "أمور عدة يرتبط تنفيذها بتوفر الأموال اللازمة ومنها أبواب المحلات، السقيفة منعاً للأمطار، المبنى الإداري وتزفيت الطريق، وهي جميعها ضمن المرحلة الثانية بانتظار تأمين تمويل، أما في هذه المرحلة فسيتم بناء الأربعة محلات المتأخرة وغرفة الناطور، إضافة إلى أن موسم الشتاء يعيق عملية 

البناء طبيعياً".

السوق بالأرقام

23 سنة مضت منذ أن بدأت المطالبة بالسوق الجديد عام 1992، وفي عام 2005 أي بعد ثلاثة عشر عاماً تم الحصول على مرسوم جمهوري بإنشائه، وفي عام 2008 تم تأمين هبة من السعودية بمبلغ مليون دولار وأكمل مجلس الإنماء والإعمار المبلغ بمليون ومئتين، ليصبح المبلغ الإجمالي 9.200 مليون دولار.
تكلفت عملية الاستملاك مبلغ 6.400 مليون دولار لمساحة 104 آلاف متر، وبني السوق على مساحة 70 ألف متر منها، بواقع 184 محلاً بمساحة 60 متراً لكل محل،46 مواقفاً للسيارات و61 موقف بيك آب على أن تنفذ مواقف مستقبلية بسعة 204 سيارة و19 شاحنة وحدائق.
ومن المفترض (مستقبلياً أيضاً) بناء مبنيين للخدمات، يضم الأول مكاتب النقابة الإدارية والحمامات العامة، والثاني بنك وصالة متعددة الأغراض.
هذا ولم يلحظ السوق الحاجة لمبانٍ لاستخدامها كبرادات، وعلى ما يبدو تنبَّه بعض التجار للأمر فاشتروا أراضي بالجوار لإنشائها لحسابهم الخاص.
يقع السوق في سقي طرابلس الشمالي بجوار محطة تكرير الصرف الصحي وجبل النفايات الذي يأمل التجار إيجاد حل له قريباً حتى لا يكون الوضع كارثياً مع الروائح والغازات المنبعثة منه، كي لا يكونوا انتقلوا "من تحت الدلف إلى تحت المزراب"، كما يقول أحدهم. ناهيك عن التلوث الذي قد يصيب الخضار والفاكهة. فهل ستسير الأمور كما يتمنى التجار؟ وهل سينجز في طرابلس مشروع كما يجب أم أن هناك ما ليس بالحسبان؟ ومتى؟.
هذا وقد تعذر الحصول على إجابات خاصة بالمشروع من مجلس الإنماء والإعمار لحين نشر هذا المقال.

 

 

تحقيق: ناريمان الشمعة
جريدة البيان