تكون عالقاَ في زحمة السّير، لا تدري متى تبلغ مقصدك. وفجأة "تَزعق" أبواق "المستعجلين"، وتلمع أنوار سيّاراتهم السوداء "العدائيّة".
موكبٌ لرجل "مهمّ" ما يريد الوصول بأقصى سرعة... هو مشهد روتيني على طرقنا، حتى بات مِن خبزنا اليومي.

"موكب الشبّيحة يمرّ من هنا... أَفسحي يا منال"!
للوهلة الاولى، تَخال نفسك في فيلم سينمائي بوليسيّ هوليووديّ، إلا ان الحفر التي تملأ طريقك، "تُدغدغ" دماغك لتعيده الى أرض الواقع، أي الى طريق من طرق لبناننا الحديث.

ما سترويه المواطنة اللّبنانية منال أيّوب، حادثة قديمة جديدة، حصلت آلاف المرّات قبلاً وتحصل يوميّا، وبالتأكيد ستحصل غداً وبعده... حادثة مزعجة، تجعلنا ننتفض ونصرخ، نحن الذين نأبى أن تُسحق كرامتنا لمصلحة "كرامة فلان أو علان".

"كانت الساعة تقارب السادسة والنصف من مساء الخميس 19 تشرين الثاني، الزحمة لم تكن عاديّة فقد كان السيرّ شبه متوقّف. كنت منهكة القوى بعد نهار شاقّ في العمل، وأتشاور مع شقيقتي ماجدا التي كانت تجلس الى جانبي في السيارة، عمّا سنأكله فور وصولنا الى المنزل، إذ كلتانا تتضور جوعاً. وفجأة، انهالت "الزمامير" علينا من كل حدب وصوب، احترت بأمري، حرّكت المقود يميناً ويساراً لشدّة ارتباكي، لكن لا حول ولا قوّة فالسير شبه متوقف، وأعجز عن التقدّم إلا لامتار قليلة. غير ان تلك الزّمامير كانت أشبه بالصواعق، تنخر الآذان، وتُربك الابدان، وما "زاد الطينة بلّة" وجود عناصر القوى الامنية فجأة على الاوتوستراد لتوسيع الممرّ.. وبصوت لا يقلّ إزعاجه عن أبواق الزمامير، كانوا يردّدون كلمتهم المفتاح "أفسحوا"!


تقدّمت لأمتار قليلة علّني أفسح في المجال ولو قليلا، حتى كدت ألتصق بالسيارة أمامي... وبسرعة لافتة، فُتحت الطريق أمام "وابل" من السيارات السوداء الضخمة... التي تواكب "شخصيّة" ما تمرّ من هنا...
في تلك اللحظات بالذات، انتابني خليط من الاحاسيس، فيه الكثير من القرف والاشمئزاز، ما قطع شهيتي للأكل... فذلك الاحساس زاد ارهاقي إرهاقاً، وارتباكي ارتباكاً، ويأسي يأساً، وراودني سؤال واحد يدور في رأس كل مواطن يرفض هذا الواقع: هل من "رادار" ينقضّ على تلك الفئة من الشعب ، على تلك "الشخصيات" التي تعتبر نفسها أعلى شأناً ممّن يجب ان تكون هي من تخدمهم وتتفانى لأجل كرامتهم؟".


الكبرياء يطغى عليهم، فالتواضع ليس من شيمهم لا بل هو بعيد كلّ البعد عن طباعهم الطامعة بالنفوذ والسلطة والمال والمناصب والجاه... حتى باتت بطونهم "متخمة" وجيوبهم أكثر من ممتلئة، وقد نسوا أو تناسوا انهم من الشعب والى صناديق الاقتراع هم راجعون... لكنهم يعرفون، انه بسبب "غباوة" من يقترع لهم هم بالطبع باقون، وعلى طرقاتنا متربّعون... بارك الله بسياسيينا، وبشعبنا... والحقّ يقال "كما أنتم يولّى عليكم"... أفسحوا لهم وارضخوا لأبواق سياراتهم.