تحاول داعش كل يوم التواصل مع الاف الاطفال والشباب لتجنيدهم ودفعهم الى التهلكة والتطرف والارهاب في كل انحاء العالم... حيث تبحث عنهم في بيئة فقيرة معدمة كباب التبانة وغيرها من المناطق الفقيرة التي تأكلها البطالة والجهل والتسرب المدرسي والمخدرات والاقتظاظ السكاني...

باب التبانة المتهمة زوراً هي إحدى تلك المناطق المهملة ببنيتها التحتية ومجاريرها ونفاياتها التي لا تنتهي وجرذانها وحشاراتها المتآلفة مع قاطنيها، دون اي مجهود يذكر من اية جهة رسمية مهما اختلفت اسماءها وإنتماءاتها السياسية والحزبية والدينية والمذهبية... منطقة تعرضت لمذابح ودمار على يد النظام السوري وأتباعه أبان الحرب الاهلية اللبنانية، وانتهت بمجزرة بقيت في ذاكرة من تبقى من الاحياء من أبنائها، واستمرت مؤخراً بثلاث سنوات من جولات المعارك العبثية التي إنتهت بجريمة تفجير مسجد التقوى من جهة واضحة الصفة والمعالم...

 باب التبانة بيئة بإطفالها تركتها الدولة لمصيرها تحت القصف لسنوات وسنوات... تركتها تذبح بصمت بعيدا عن الإنماء والحماية الإجتماعية والصحية والتربوية، تطبب جراحها بنفسها بالتي هي احسن، دون مخرج او بريق أمل فعلي يبنى عليه... حيث تعبث بهم كل الموبقات وتدور حولهم كل الذئاب الخبيثة من أهل السياسة وغيرهم، بوعودهم الذهبية الرنانة الطنانة معتمدة على مظلوميات مجذرة وحالة مزرية وواقع مؤلم، لتنجح بتجنيد عدداً ضئيلاً منهم، يستعملهم البعض كشماعة لضربها ومحاصرتها، ووقوداً لحرق كل من رفض التعاون، تحت مسمى تهمة وصبغة الارهاب والتطرف... واخرها التواصل مع داعش او غيرها من المنظمات الارهابية الاخرى...

 

 لنسلم جدلاً بما ورد في بيان عن قيادة الجيش التي نجل ونحترم... حيث قيل فيه ان الطفل عثمان إسماعيل حاولت داعش التواصل معه عبر غروب على الواتساب... فهل هذا يعني انه متورط ؟ ومن قال انها لم تتواصل مع الالاف الاطفال غيره ؟

فهل علينا إعتقالهم جميعهم ووضعهم في السجون فقط لان طرفاً إرهابياً تواصل معهم ؟ وهل محاولة داعش او غيرها التواصل مع اي طفل وتجنيده تجعل منه مجرماً ام ضحية ؟

هل علينا ايقاف من يحاول تجنيدهم ام الضحايا ؟ وهل اذا اوقفنا كل من حاولت التواصل معه سيمنعها من التواصل مع غيره من الاطفال والقاصرين العُزل ؟

هل حماية القاصرين تتم عبر سجنهم في سجون مليئة بالمتطرفين والارهابيين والقتلة والمجرمين ام بالسعي الى اعتقال من يحاول تجنيدهم إابعاده عن بيئتهم الحاضنة التي يجب تحصينها بحلول جذرية إنمائية لمعضلاتها المتراكمة من فقر وعوز وجهل وبطالة... 

 

هل يعقل ان يحتجز أي قاصر دون ان يكون الى جانبه محام يدافع عنه او اي فرد من عائلته يطمأنه ويمنع عنه الانزلاق في مشكلات نفسية سيكلوجية تجعل منه لاحقاً، سلعة سهلة للتطرف والاجرام ؟  وكيف لنا ان نتثبت ان الاقوال التي ينصها هذا البيان ليست بإعترافات اخذت تحت الضغط دون وجود محامي دفاع خلال استجوابه او شاهداً على إعترافاته ؟

وهل هذا الاتهام يعفي أصحابه من مسؤولية إستدعاء طفل بتهمة الكتابة على صفحته الخاصة لشبكات التواصل الاجتماعي ومن ثم اتهامه بغيرها ؟ هل يعقل ان يوقف كقاصر مدني ويحاكم من قبل محكمة عسكرية في بلد يتغنى بالديمقراطية ؟  هل الاتهامات الموجهة الى القاصر تمنع القول ان الاجراءات باحتجاز الطفل في مكان مجهول دون علم اهله لاكثر من خمسة ايام هي حقيقة لاقانونية حصلت، وتتناقض مع المقاربات التي تسمح بها كل معاهدات حماية الطفل وحقوقه المعترف بها دولياً، والموقع عليها من قبل الدولة اللبنانية ؟

دعونا نفكر بطريقة مختلفة... دعونا نسعى لتحصين أنفسنا بمقاربات مختلفة تعتمد منطق القانون والمؤسسات، وتنتج حلول جذرية لا تعتمد الحلول العسكرية كملاذ اول واخير، ولنستبدلها بمقاربات انمائية تحصن مدننا وقرانا واحيائنا المظلومة، وتخرجها من كونها بيئة قابلة للاختراق بفقرها وعوزها وبطالتها طالما بقيت على حالها... دعونا نحصن هذه الثقة بالدولة وبمؤسساتها المدنية والعسكرية، برؤية ومقاربات وخطط تكون نتائجها تعاون فعلي بين المواطن والدولة، لتشكيل فريق واحد متواجد على ذات الضفة وليس بضفتين متناقضتين متخاصمتين... 

دعونا نفكر معاً كبلد محترم ومواطنين لديهم حقوق وواجبات بدل الدفاع المطلق عن مقاربات تتعارض مع القانون والدستور وحقوق الانسان والطفل... ولنفهم ان أي مقاربات تعسفية متناقضة هي من ستؤدي الى تشويه صورة الدولة ومؤسساتها، وليس من يسعى بنقده البناء للحفاظ عليها بتصحيح مقارباتها وتصويبها ومنع البعض من اقتراف الموبقات بإسمها والحاق الضرر بها ...!!!

نريد دولة قانون وحقوق وواجبات، دولة مواطنة، وليس دولة عشوائية تفرط بأطفالها وأهلها، ولنتفضل جميعنا للتعاون  لتصحيح المقاربات التي إستعملت وقوننتها وتوضيحها ومعالجة الخلل إن وجد فيها، بتحديد آلياتها وأطرها ونظمها القانونية والعملية... لعلنا نستطيع حماية المؤسسات وترسيخ الثقة المطلوبة بها، لنصل يوماً ما الى الدولة التي نطمح اليها جميعناً، بدل كم الافواه وطمس الحقائق التي ستولّد مظلوميات لا تنتهي... والا فتعالوا لنعتقل كل أطفال البلد فتنتهي داعش ومثيلاتها، وكل مشاكلنا معها...


(الدكتور : فوزي فري)