مع اقتراب عيد الإستقلال يتعامل اللبناني وكأنه في وطن حر ، سيد ، مستقل ، وكأن الأمر اللبناني بيد الدولة المفككة الأجزاء والمهشمة القرار ، هو استقلال فارغ في وطن الفراغ ، بكرسي بعبدا المهجور الذي أغرقته أغبرة الطامعين ، وبحكومة معطلة يحمل أقطابها ورقة المقاطعة والإستقالة ، وبمجلس نيابي ممدد لا يشرّع وليس بشرعي .

لبنان المحتل من كل حدب وصوب ، ومن كل الجيران من (س - س) لتوابعهما في الغرب ، والخاضع لسلطة الأحزاب الإلهية ولمخاطر دواعش الحدود والجماعات الإرهابية ، يريد احتفالاً بإستقلاله عن فرنسا .

هو وطن الأزمات والملفات العالقة ، من النفايات التي أغرقت أنفاسنا ، لدموع أهالي المخطوفين من الجيش والتي لا تجف ولا من سياسي يسأل ، هذا البلد المحكوم من تيارات متناحرة تبحث عن حصص حكومية وعن مناصب وحقائب وتسويات تمرر من تحت الطاولات ولقاءات تجري خلسة ثم يتم نفيها .

فأين الإستقلال من كل هذا ؟

 

صحيح أننا لم نعد خاضعين لإنتداب فرنسي ، غير أننا اليوم دولة منتدبة لكل الأفرقاء ، ولكل القرارات العربية والدولية ، دولة تنتظر اتفاق إيراني - سعودي حتى تنتخب رئيسها ، وتنتظر ردة الفعل الدولية ضد نظام الأسد لكي توثق قرارتها .

هذه الدولة العاجزة عن إجراء انتخابات نيابية والتي نخوض معها كل شهر ملف الإعتمادات المالية لموظفي القطاع العام ، ستقف في اليوم الثاني والعشرين من تشرين الثاني حاملة العلم اللبناني مرددة "كلنا الوطن" ، ومتبجحة بعدة خطابات طنّانة تحاكي روحية الإستقلال .

 

لساني حالي بهذا اليوم يقول " يا ليت ما زالت فرنسا تحكمنا" فمع كل الفوضى التي عاثت بنا فساداً وفلتاناً أمنياً ، أثبتت من خلاله الأطياف السياسية عجزها المفجع في إدارة الوطن ، وقدرتها الهائلة في إخضاعه للحسابات الخارجية ، وللملفات التي لا طائل للبنان منها ، ليس بوسعنا سوى أن نقول : " محتل واحد أرحم من عشرة " ...

وعوضاً أن نتغنى بإستقلال ضيعناه ذات تبعية لأجل مصالح طائفة أو حزب ، أحق بنا كلبنانيين من أحزاب وتيارات وشعب أن نبحث عن استقلال جديد يعيد للبنان سيادته الحقيقية وقراره .