شكّ أنّ التدخل العسكري الروسي في سوريا وضع الأطراف المشاركة في الحرب أمام خيارات جديدة خصوصاً بعدما أضحت روسيا هي الطرف صاحب القرار الإستراتيجي على المستويين السياسي والعسكري.

 فحزب الله الذي انخرط في الوحول السورية منذ أكثر من ثلاث سنوات كان دائماً يبحث عن التبريرات المقنعة لجمهوره عن دوافعه للمشاركة في هذه الحرب إلى جانب النظام وآخرها الحديث عن حرب استباقية يخوضها ضد الجماعات الإرهابية والتكفيرية للحؤول دون تمكنها من اختراق الحدود ومنعها من ممارسة نشاطها الإجرامي على الساحة اللبنانية.

الأمر الذي فشل فيه فشلا ذريعا مع كل التدابير الاحترازية والإجراءات الوقائية التي تولت الأجهزة الأمنية القيام بها حيث استطاعت عناصر إرهابية من اختراق المنظومة الأمنية التابعة لحزب الله وللدولة اللبنانية واقدمت على ارتكاب سلسلة تفجيرات في أماكن متعددة على الساحة اللبنانية أودت بحياة العشرات من الأبرياء وجرح المئات ، ما يعني أن حزب الله لم يتمكن من خلال حروبه الاستباقية أن يمنع الإرهابيين من ارتكاب جرائم التفجير لبنان وخاصة في المناطق التي تشكل حاضنة لحزب الله.

وكذلك فإن الحزب بالرغم من الكلفة العالية في الأرواح والعتاد التي دفعها ثمناً لفاتورة تورطه في الحرب السورية فإنه لم يستطع أن يفي بوعود النصر لدرجة غابت معها مقولة (كما وعدتكم بالنصر دائما اعدكم بالنصر مجددا) من خطابات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله واختفت من البروباغندا الإعلامية لحزب الله في ظل شعور عام بأن فرص إنتصار الحزب في أي موقع من مواقع تواجده على الأراضي السورية أصبحت معدومة مع منسوب كبير من الاستنزاف البشري واللوجستي.

وحتى مع الدعم الإيراني الهائل فإن حزب الله بدا عاجزا عن حماية الرئيس السوري بشار الأسد وعن المنطقة التي من المفترض أنها تشكل حاضنة له. بحيث أن مدافع وصواريخ المعارضة طالت مدينة اللاذقية الساحلية. وهو ما استوجب الإسراع في الطلب من روسيا التدخل العسكري لأعادة قلب الموازين العسكرية.

يضاف إلى ذلك العامل الذي كان حاضرا في المشهد السوري من خلال التنسيق الروسي الإسرائيلي الذي أتاح لأسرائيل توجيه ضربتين في الاسابيع القليلة الماضية. واحدة قرب العاصمة دمشق والأخرى في منطقة القلمون المحاذية للبنان مستهدفة أسلحة وعتاد عسكري لحزب الله. ولم يصدر أي رد فعل من الحزب على هاتين الغارتين.

فهذه النتائج السلبية التي حصدها حزب الله بسبب غرقه في الوحول السورية كانت خارج توقعاته ولم تدخل في حساباته. وهو الذي كان يعد جمهوره بأن معركة الحسم في سوريا لن تستغرق لأكثر من بضعة أشهر.إذ أنه لم يحقق انتصارا ضد المعارضة ولم يمنع الإرهابيين من التمدد إلى لبنان.

هذه التطورات الميدانية في سوريا قد تضع حزب الله امام خيار العودة إلى الداخل اللبناني. وهذا ما يمكن تلمسه من الخطاب الأخير للسيد حسن نصرالله الذي بدا هادئا في مقاربته للأزمة الداخلية اللبنانية وأظهر اهتماما جديا في إيجاد تسوية داخلية تعيد الاعتبار للمؤسسات الدستورية متلافيا توجيه أي اتهام بشكل مباشر أو غير مباشر لأي جهة إقليمية وخصوصا إلى المملكة العربية السعودية. وهو ما لم يتعوده اللبنانيون من خطابات السيد نصرالله.

فما قاله السيد حسن عن ان أي تسوية داخلية لا تتم إلا تحت سقف النظام وتتطلب تنازلات من الجميع ربما تؤشر إلى استعداد حزب الله للانسحاب من سوريا مع الحرص على تأمين شروط العودة إلى الساحة اللبنانية