فرض الهاجس الأمني الذي أضيف بنداً جديداً، نفسه على طاولة الحوار اللبناني بفعل التطورات الأمنية الأخيرة التي شهدتها الساحة اللبنانية عموماً والتفجير الانتحاري المزدوج الذي ضرب منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية خصوصاً، كما كان للرسائل الإيجابية التي أطلقها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بالدعوة إلى تسوية وطنية شاملة وسلة متكاملة، وملاقاة زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري إياه بقوله إن «أي تسوية يجب أن تبدأ ببت الاستحقاق الرئاسي»، وما صاحب هذه الإشارات الإيجابية من تضامن وطني، صدى إيجابي داخل الجلسة. وأكدت قوى 14 آذار التي نسقت موقفها في «بيت الوسط» مساء أول من أمس، انفتاحها على أي حل شرط أن يكون مدخله الانتخابات الرئاسية.

وبمقاطعة حزب «القوات اللبنانية» منذ انطلاقته، وعزوف حزب «الكتائب» عن المشاركة قبل حل أزمة النفايات، حط الحوار الوطني بكامل أقطابه من الصف الأول جولته العاشرة هذه المرة في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة بدلاً من ساحة النجمة، «حرصاً من راعي الحوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري (وفق مصادر المجتمعين) على تنشيط الوضع الاقتصادي وعمل المؤسسات في الوسط التجاري وتخفيف الضغط والإجراءات الأمنية الكبيرة التي كانت تترافق مع كل جلسة، إضافة إلى الهاجس الأمني بعد تفجيري الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي كان له دور كبير في نقل طاولة الحوار إلى منطقة عين التينة، حيث الإجراءات متخذة منذ أمد بعيد ولا تشكل عائقاً أمام حركة الناس والنشاط التجاري».

الجلسة التي انعقدت الثانية عشرة ظهراً استهلت بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء التفجيرين، وتحدث بري بعدها بكلمة مقتضبة تناول خلالها الوضع الأمني، ودعا إلى الاستفادة من المناخات الإيجابية التي تلت التفجيرين، للوصول إلى نتائج مرضية، خصوصاً بعد التهديدات الأمنية والإرهاب الذي يضرب لبنان والتضامن الوطني في مواجهته. وشدد على ضرورة الاستثمار في القوى الأمنية والجيش، ودعم المؤسسات الأمنية للحفاظ على الأمن الذي من شأنه أن يؤمن الاستقرار لكل قطاعات الدولة ومؤسساتها، والوقوف صفاً واحداً وترسيخ الوحدة الوطنية وتحصين الساحة الداخلية لدفع هذا الخطر عن البلد. وأعقبت كلمة بري مداخلات من غالبية المشاركين في الحوار، أجمعت على الإشادة بعمل الأجهزة الأمنية في كشف الشبكات الإرهابية، ودعت إلى ضرورة إعطاء هذه الأجهزة مزيداً من الدعم وإطلاق يدها للعمل أكثر في مواجهة التهديدات، كما دعت إلى تفعيل مجلسي النواب والوزراء. ولم يغب قانون الانتخاب عن المداولات، بخاصة أنه يأتي من ضمن السلة التي تتطلب التسوية الاتفاق عليها. وأكد رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» العماد ميشال عون أن «العدالة وتصحيح خلل التمثيل بلا مواربة من الصفات التي يجب أن تتوافر فيه». وسيرأس بري اليوم جلسة لهيئة مكتب المجلس للبحث في تشكيل اللجنة النيابية التي ستدرس التفاصيل التقنية لقانون الانتخاب.

وبعد انتهاء الجلسة وتزامناً مع انتقال أقطاب الحوار إلى مأدبة غداء أقامها بري على شرفهم، صدر بيان عن المجتمعين جددوا فيه «استنكارهم للجريمة الإرهابية التي وقعت في برج البراجنة، والتقدير للالتفاف الوطني الجامع على إدانتها والتضامن الذي عبر عنه مختلف القوى السياسية في مواجهة الإرهاب». وقدروا عالياً «جهود الأجهزة الأمنية التي استطاعت بسرعة قياسية كشف كل تفاصيل هذه الجريمة وتوقيف المجرمين»، وشددوا على أهمية «استمرار التنسيق في ما بينها للحفاظ على الاستقرار وضبط أي محاولات إرهابية».

وكان إجماع بعد النقاش على «ضرورة تفعيل عمل المؤسسات، وفي مقدمها عمل مجلس الوزراء لمعالجة القضايا الملحة».

وتقرر عقد الجلسة المقبلة الأربعاء في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري.

وكان أكثر من مشارك في الحوار أكد لـ «الحياة»، أن الموجودين إلى الطاولة أشادوا بأجواء التضامن اللبناني إزاء جريمة برج البراجنة، وتحدثوا عن أهمية المبادرة التي أعلن عنها نصرالله، وتناولوا بإيجابية مبادرة الحريري التي أدت إلى عقد الجلسة التشريعية، ثم تعليقه الإيجابي على كلام نصرالله.

وأوضح مصدر في هيئة الحوار أن بري شدد على وجوب الحفاظ على الأجواء الإيجابية والإفادة منها، داعياً إلى تفعيل عمل الحكومة.

 

السنيورة وكلام نصر الله

واستنكر رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة «الجريمة الإرهابية التي أصابتنا كلبنانيين جميعنا كما أصابت أهلنا في منطقة برج البراجنة». وأكد أن «انضمامنا إلى جلسات الحوار هو لأن هذه الطريقة الصحيحة والوحيدة للتوصل إلى تفاهمات».

وقال: «نحن من المؤمنين باتفاق الطائف وأهمية العيش المشترك، ولذلك كنا وسنبقى حريصين على استمرار الحوار وكذلك مع حزب الله».

وأضاف السنيورة: «النتائج التي توصلنا إليها في الحوار منذ عام 2006 لم تسفر عن تطبيق ما اتفق عليه وجرى التملص منها، وفي هذا الحوار لم نتقدم على صعيد انتخاب رئيس الجمهورية، كما أنه لم يساهم في تخفيف الاحتقان الطائفي والمذهبي ووقف الممارسات المؤدية إلى التطرف».

وقال: «استمعنا بكثير من الاهتمام إلى التصريحات الأخيرة للسيد حسن نصر الله التي جاءت بأسلوب ومضمون جديدين على ما يبدو، ولذلك كان موقفنا أنّ هذا أمرٌ جيدٌ ويشكل خطوة في الاتجاه الصحيح وربما يعبر عن رغبة مستجدة للتوصل إلى تسوية. وهذا يحتاج إلى مناقشةٍ وبلورةٍ وخطوات عملية على الأرض تساهم في خفض التوتر ومعالجة استمرار الشحن الطائفي والمذهبي الذي تساهم فيه تصرفات البعض وإيحاءات كلامهم والتي كان آخرها ما جرى في صيدا، والذي تصدى له الرئيس بري».

ولفت إلى أن «الحوار يتخذ ثلاثة مسارات. الأول هو هذا المنبر الذي نحن فيه والثاني هو التواصل بين تيار المستقبل وحزب الله. والثالث من خلال اللجنة البرلمانية المخصصة لبحث قانون الانتخاب».

وزاد:» بدأنا الحوار عبر المسار الأول من خلال التوافق على أولوية الاتفاق على رئيسٍ توافقي ينهي الشغور الرئاسي، علماً أن هذا المسار يتضمن أيضاً مجموعة من المسائل الأخرى تتعلق بتفعيل عمل مجلس النواب ومجلس الوزراء وقانون الانتخاب وقانون استعادة الجنسية واللامركزية الإدارية وتعزيز الجيش والقوى الأمنية. ومع انه جرى التقدم عملياً على أكثر من مسار في جلسة مجلس النواب الأخيرة، إلاّ أننا نعتقد بأن التوصل إلى حل كامل لعدد من هذه المسائل يصبح سهلاً جداً مع إنجار الموضوع الأساس وهو إنهاء الشغور الرئاسي».

كما أمل، من الحوار بين تيار «المستقبل» و «حزب الله»، بالتوصل إلى اتفاق بشأن إنهاء الشغور الرئاسي وخفض التوتر والشحن الطائفي والمذهبي من خلال تنفيذ الخطط الأمنية ورفع الغطاء عن الملاحقين من القضاء ووقف تبني سرايا المقاومة التي لا دور لانتشارها في المدن والبلدات إلا التسبب بالفتنة».

ومع تقديره «النوايا الطيبة التي أبداها البعض من طروحات ومساع إيجابية»، دعا إلى «عودة حزب الله إلى لبنان بدلاً من الاستمرار في تورطه في سورية». وشدد على «ضرورة تفعيل العمل الحكومي».

وكرر إدانة «المستقبل» جريمة فرنسا، مؤكداً «وقوفنا مع فرنسا وشعبها ومع المجتمع الدولي»، وطالب بموقف حازم في مواجهة الإرهاب، ورأى أن «مكافحته لا تكون فقط في معالجة نتائجه أو استعمال القوة وحدها، وإنما أيضاً في معالجة القهر المتمادي من الاحتلال الإسرائيلي ومن الأنظمة المستبدة». وقال إن «الأخطار المتزايدة للمنظمات الإرهابية على لبنان والدول العربية، تتطلب جهداً لإقدار الدولة على استعادة ثقة الناس بها واستعادة دورها وهيبتها».

وأشار مصدر في هيئة الحوار إلى أن رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد رد على السنيورة، لكن بهدوء قائلاً له: «في كل مرة تكرر لنا الموقف نفسه. ونحن ما زلنا نلملم آثار جريمة برج البراجنة، وعلى كل حال هذا رأيك ونحن لنا رأينا».

وقال النائب رعد أن مبادرة نصرالله لا تعني أن هناك تغييراً في الموقف، إذ إن التوافق يجب ألا يقتصر على انتخاب رئيس، بل يفترض أن يشمل التفاهم على قانون الانتخاب وسائر القضايا.

وفيما قال بري أنه تمكن مقاربة كل مواضيع جدول الأعمال، لكن التنفيذ يعطي الأولوية لانتخاب رئيس في البداية، بحيث لا يتم البت بأي أمر إلا بعد انتخاب رئيس الجمهورية وهذا ينطبق على قانون الانتخاب.

ولاحظ نائب رئيس البرلمان فريد مكاري في كلام نصرالله والحريري «جواً إيجابياً يجب أن يتبلور في جلسات الحوار وفي الحوار الثنائي بين تيار المستقبل وحزب الله، لأنه لم يحقق إلى اليوم نتائج تُذكَر على الأرض».

وتمنى على «الوزير علي حسن خليل والنائب محمد رعد والرئيس السنيورة الموجودين، أن يطلبوا إلى ممثلي أحزابهم في الحوار الثنائي، ضرورة إيجاد حلول، لأن الكلام الإيجابي يجب أن يتم التعبير عنه عملياً من خلال إيجابية على الأرض». ثم أيد قول السنيورة أن أي موضوع لا يتقدم على انتخاب رئيس للجمهورية، لكنّه أيّد كذلك مقاربة الرئيس بري، واصفاً إياها بأنها «عملية ولن نتمكن من أن نتفق على رئيس للجمهورية ما لم تتم حلحلة الأمور الأخرى، وأهمها قانون الانتخاب». وأضاف: «قريباً سيعين الرئيس بري لجنة لدرس قانون الانتخاب، لكن ما لم تضع هيئة الحوار للجنة المبادئ التوجيهية ستفشل في مهمتها، وستعمل شهرين من دون نتيجة. إذا وضعنا المعايير، تصبح اللجنة قادرة على أن تبحث في التفاصيل التقنية».

ورأى أن تفعيل الحكومة «يجب أن يُبَتّ في خمس دقائق لأنه يتعلق بحياة الناس ولا يحق لأحد أن يزايد في هذا».

وتابع مكاري: «بالنسبة إلى عمل مجلس النواب، يعتبر الرئيس بري أن المشكلة حلّت بعد أن عقدت جلسة وأنتجت، ولكن في رأيي لم تحل، لأن الرئيس الحريري قال إن كتلته لن تشارك في أي جلسة لا يكون قانون الانتخابات على رأس جدول أعمالها. هذا المسار سيستغرق شهرين أو ثلاثة، فهل أن المجلس لا ينعقد إذا كان لدينا شيء يفيد البلد؟». وتمنى على حزب «القوات اللبنانية» و «التيار الوطني الحر» أن «يعدلا عن شرطهما لكي يسهّلا الأمر على الرئيس الحريري، بحيث نجتمع وننتج قليلاً حتى تنتهي مهلة الشهرين المعطاة للجنة».

 

عون وجنبلاط

وأدلى زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون بمداخلة أشار فيها إلى أن مواجهة الإرهاب باتت حرباً دولية وما جرى في فرنسا دليل على امتدادات الإرهابيين، وغداً قد نشهد أعمالاً لهم في غيرها من الدول. ودعا إلى التنبه وحماية الحدود اللبنانية من تسلل هؤلاء، ولاحظ أن الدول الأوروبية أخذت تتنبه الآن إلى أهمية مراقبة الحدود أكثر.

وحذر رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط من أن التفجيرات ستزداد في دول العالم ومن تمدد الإرهاب وانعكاسات ذلك على الصعد كافة. وقال إن محاربة الإرهاب بقصف مواقعه من الجو لا تفيد وفق ما يقول الخبراء العسكريون، وإذا لم تكن هناك قوات عربية - دولية تنزل على الأرض في سورية، فمن الصعب القضاء على الإرهاب.

 

فرنجية والاتفاق الشامل

ورأى رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية أنه لا بد من التوصل إلى اتفاق يشمل كل شيء، وسيكون بمثابة سلة واحدة متكاملة من رئيس الجمهورية إلى الحكومة مروراً بقانون الانتخاب الجديد وانتهاء بالنقاط الأخرى التي ما زالت عالقة.

ولفت إلى أن «عدم التوصل إلى تفاهم حول الأمور الكبيرة التي تعتبر أساس الخلاف بيننا، لا يعني أبداً عدم الالتفات إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة، وإلى المشكلات الاجتماعية التي تكبر يوماً بعد يوم ومشكلة النفايات». وقال: «لا يجوز أن نربط هذه المشكلات باتفاقنا على الأمور الكبرى، لأن الناس في حاجة إلى حلول ومن حقهم علينا أن نستجيب لحاجاتهم، وأن لا نترك الأزمة المعيشية تكبر وتتفاقم».

وثمّن ميقاتي في مداخلته «التضامن الوطني والالتفاف الشعبي في إدانة جريمة برج البراجنة، وقال إنهما يعبران عن وقفة اللبنانيين لدرء الفتنة ورفض كل أشكال الإرهاب والتطرف، هذا أمر يجب الحفاظ عليه لأن من ارتكب هذه الجريمة أخطأ في رهانه على دفع اللبنانيين إلى الانقسام المذهبي والطائفي.

وطلب ميقاتي من لجنة التواصل النيابي التي سيشكلها بري اليوم بعد اجتماع هيئة مكتب المجلس، أن تبحث في مشروع اللامركزية الإدارية إضافة إلى قانون الانتخاب، «وبذلك نكون ضربنا عصفورين بحجر واحد ونحقق التوازن كي لا يشعر أي فريق بأن هناك من يريد أن يلحق به الغبن».

وتطرق ميقاتي إلى تفعيل عمل مجلس الوزراء، وسأل سلام عن الأسباب التي تعيق انعقاده وتحول دون تفعيل العمل الحكومي، وقال أن «اطلاعنا عليها يتيح لنا التعاون لتذليلها لأن من غير الجائز في ظل هذه الظروف أن تبقى الحكومة غائبة».

وكان بري أكد أثناء البحث في سلة الاتفاق أنه سيدعو هيئة مكتب البرلمان إلى تشكيل لجنة مصغرة لدراسة قانون الانتخاب.

وعلمت «الحياة» أن سلام رد على المطالبة بدعوته مجلس الوزراء إلى الانعقاد، بعد أن كان النائب رعد دعا الذين عملوا على إيجاد مخرج لعقد الجلسة التشريعية، إلى أن يجدوا مخرجاً كي تجتمع الحكومة، فقال أنه لن يدعو مجلس الوزراء للانعقاد قبل إيجاد حل لمشـــكلة النفايات وأنه يعمل على هذا الملف وصولاً إلى اعتماد خيار ترحيل النفايات و «إذا توصلنا قريباً إلى حل فسندعو الحكومة إلى الاجتماع، ولا أعتقد أن أحداً سيتغيب ويتحمل مســـؤولية عدم البت بهذا الملف. وأوضح سلام أنه لا تمكنه دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد من أجل المواضيع الأخرى الملحة لأن الناس سيسألون ماذا فعلتم بأزمة النفايات، طالما اجتمعتم». وأردف: «عندما ننتهي من أزمة النفايات سندعو إلى جلسة أخرى أيضاً للبت ببنود أخرى ضرورية ولا أعتقد أيضاً أن الفرقاء لن يحضروا ويتحملوا مسؤولية عدم البت بقضايا الناس الملحة».