بعضهن يتمنّين لو أن أزواجهّن يبادلنهم اهتمامًا خاصاً. قد يفعلن المستحيل من أجل جذب الأنظار وإغواء الشريك من طريق تصرّفاتٍ مستفزّة تشعل غيرتهم. إلّا أن لا جدوى من المحاولة. احتمالاتٌ كثيرةٌ عن سبب عدم شعور الزوج بالغيرة على زوجته. قد تكون ثقته بها عمياء، أو أنه لا يكترث لأمورها لأسبابٍ غامضة. في المقابل، هناك رجالٌ يفرطون في تغليب مشاعر الغيرة والاستفاضة في تحليل تصرّفات زوجاتهم وسلوكيّاتهن، والتعقيب على كلّ تفصيلٍ لا ينال رضاهم. الّا أن مسارات أكثر خطورة تسلكها العلاقات الزوجيّة، يوم يتحوّل إحساس الغيرة الى هاجسٍ يعتري أفكار الشريك من غير توقّف. بين عبارة "يا ريتو بيغار" ومصطلح "يوميي مشكل من ورا عقلاتو المتحجّرة"، كيف يمكن الغيرة أن تضطلع بدور إيجابيّ في حياة الزوجين من دون أن تتعدّى حدود المنطق؟

ابتكرت علاقةً وهميّة... والنتيجة؟
حين تبحث المرأة عن إشعال شعور الغيرة في قلب الشريك ولا تفلح. تجربةٌ خاضتها حنين التي بحثت عن مشاعر زوجها العاطفيّة ولم تتمكّن من ايجادها. خالت أنّه يثق بها فحاولت زعزعة مفهوم الثقة العمياء ولم تفلح. تسرد: "لم أكن أشعر بصخب الحياة الزوجيّة المفعمة بالرومنسيّة التي كنت أطمح إليها. لا أذكر أنني يومًا أثرت غيرة زوجي عليّ، بل كان دائمًا متحفّظًا يعاملني كشقيقته الكبرى على رغم أنه يكبرني بأعوامٍ عدة. المفارقة أن علاقتي به كانت تمثّل اولى تجاربي العاطفيّة الحقيقيّة، فاضطررت الى ابتكار قصصٍ وهميّة عن علاقات حبٍّ قديمة كانت تربطني بابن الجيران، وعن وسامته، حيث استطردت وقلت إنه أكثر شخص أحببته في حياتي، إلّا أن زوجي لم يحرّك ساكنًا". وعن رأيها بطبيعة العلاقة التي تربطها بشريكها، ترى أن "زواجي كان يتسّم بالبرودة في مراحله الأولى، الّا أن الأولاد غيّروا نمط التعامل بعض الشيء وقرّبوا المسافة بيننا. لكن، ما كنت أخاله عن مشاعر الحبّ الصاخبة التي تغمر العلاقات كان مجرّد أوهام".

الضحك ممنوع
لعلّ لمنطق الغيرة فصولاً تحاكي فنّ الاستعباد. تجربة ميرنا في أولى سنوات زواجها، وعلى عكس تجربة حنين، كانت بمثابة الجحيم الذي عاشته نتيجة أفكار زوجها وتصرّفاته المثيرة للاستغراب. تقول: "المعضلة الأساسيّة التي عرقلت علاقتي بزوجي، تمثّلت في أنه كان زميلي على مقاعد الدراسة الجامعيّة. كنّا صديقين مقرّبين، وكان يعلم جميع تفاصيل حياتي الخاصّة وتجاربي العاطفيّة السابقة. وقد جاء زواجنا محض مصادفة، إذ إنّه صارحني فجأة بمشاعره، ووجدت أنّه خيارٌ مناسبٌ لي وتزوّجنا بعد سنةٍ واحدة من تخرّجه". وتعتبر أن "مرحلة الخطوبة القصيرة لم تكن كافية لاكتشاف ملامح شخصيّته العاطفيّة، التي فاجأتني لأنها مختلفة عن طبيعته أيّام الدراسة".

وعن المتغيّرات التي عايشتها بعد زواجها تقول: "حاول منعي عن التكلّم مع جميع أصدقائي السابقين في الجامعة، خصوصًا الذكور منهم، وكان يتهرّب في كلّ مرّة نتسلّم فيها دعوة احتفاليّة من زملائنا المشتركين ويتذرّع بعدم تحبيذه المناسبات الاجتماعيّة، في حين أنه كان يلبّي الدعوات التي يريدها. كما أن شعور الغيرة كان يرافقه في الأماكن العامّة، عندما يلاحظ أن أحدهم يرمقني بنظرات فيتغيّر مزاجه تلقائيًّا ويحاول افتعال الصخب. كما كان يحبّذ منّي أن أبقى جديّة ورصينة، وينصحني دائمًا بالابتعاد عن المواقف الهزليّة والمرحة كما أنه يكره الضحك لأنّه لا يرى له سببًا وجيهًا". وتضيف: "أعتقد أن هذه التصرّفات تمثّل انعاكاساتٍ لمشاعر لا يستطيع التعبير عنها بالكلام، لأنه لا يحبّذ كلام الحبّ والعاطفة، وهذا ما سهّل عليّ عمليّة تحمّله في سنوات الزواج الأولى على رغم انزعاجي التام من عقليّته الغريبة الأطوار، الا أنني كنت متأكدّة أنه يحبّني، وهذا ما ظهر جليًّا بعد 5 سنوات، حيث تبدّلت طباعه وبات أكثر ليونةً من السابق".

بين المحبّة وهاجس الخوف
"لماذا يشعر الإنسان بالغيرة؟" سؤالٌ طرحناه على المحاضر في الجامعة اللبنانيّة وجامعة باريس الثانية، الدكتور هاشم الحسيني، الذي يرى ان "الشعور بالغيرة هو إحساسٌ إنسانيٌّ طبيعيّ، يرافق الإنسان منذ نعومة أظفاره، وقد يعبّر عن أنانيّته ورغبته في التملّك. وهي تتحوّل بعد بلوغ الفرد سنّ الرشد الى تعبيرٍ صريحٍ عن المحبّة تجاه الشخص الآخر شرط ألّا تتخطّى حدود التصرّف الطبيعي". ويعتبر أنّه "حين تبلغ الغيرة حدود هاجس الخوف من فقدان الشريك والرغبة في رؤية براهين تؤكّد أنّه لا يزال تحت تصرّفه. هذا التصرّف غير الإرادي يدلّ على قلّة الثقة بالنفس، خصوصًا في حال تزوّج الرجل من امرأة جميلة أو صاحبة نفوذ، أو العكس. هذا ما يفسّر عمليّة انزعاج الرجل من تصرّف زوجته حين تضحك أثناء محادثتها رجلاً آخر لأنه يخال ذلك انصرافًا عن الإهتمام به".

"فلتذهب إلى الجحيم"
يختصر الحسيني عمليّة اعتماد المرأة على أساليب مخادعة لإثارة غيرة زوجها "بالوسيلة الدفاعيّة للتأكيد على انها الطرف الأقوى في حياته، في حين ان ردّة فعل الزوج اللامبالية في هذا الإطار تحمل خبايا عدّة في مفترقين اثنين". ويتابع: "الاحتمال الأول هو عدم اكتراثه لها، وتالياً لا يكنّ لها مشاعر حميمة ما يشكّل التباسًا حول هدف الزواج منها تحت شعار "فلتذهب الى الجحيم"، في حين ان الاحتمال الثاني يكمن في عدم رغبته في إظهار غيرته لأنه يعلم أن كشف أوراقه يعني ضعفه تجاهها، في حين أن كبريائه لا يسمح له بذلك، فيحاول بالتالي الإمساك بزمام الأمور لصالحه".

المرأة الشرقيّة محاصرة
قد يدخل مفهوم الغيرة في المجتمعات الشرقيّة في لعبة دور الرجل القيادي ودور المرأة المكمّل لمهمات الرجل. فيلفت الحسيني الى أن "المرأة الشرقية محاصرة، في حين أن الفتاة الغربيّة تعامل رجلها بالمثل. الأمر الذي يُفسّر عدم تقبّل الذكر لبعض تصرّفات الأنثى تحت نطاق ما يسمّى الغيرة عليها، الّا أنه في هذه الحال قد يغار منها، ويتذرّع بحجج المحافظة عليها غير انها في الواقع تثير حفيظته".

من الصعب اتخاذ موقفٍ واضحٍ من مفهوم الغيرة، إلّا أنها في جميع الأحيان محبّذةٌ أكثر من الإهمال. مهما تعدّدت أسبابها تبقى تعبّر عن منطق الوجوديّة وتؤكّد عمليّة التواصل بين الشريكين، حتى وإن اتخذت بعدًا سلبيًّا. صحيحٌ أن تحوّلها الى هاجس أمرٌ ينذر بوقوع مشكلات زوجيّة عدة، بيد أن عدم الاكتراث لمصير الشريك أمرٌ قد يؤدّي الى ضياعه. غريبةٌ هي العلاقات، كيف تحكمها ألف فلسفة. لنتخيّل معًا عبارةً يعترف بها الرجل بغيرته على زوجته، وليطلق كلّ واحدٍ منا عنان مخيّلته لتبيان موقفه الآني من الغيرة... قال لها بعد انتهاء الشجار: "أنا تصرّفت هيك لأني رح موت من الغيرة عليكِ".