يدور في الاروقة المتابعة لما يجري في لبنان، كلام عن خطورة الاوضاع، وتحليلات تحمل الكثير من الصور الواقعية.   ولعل ابرز هذه التحليلات ـ المبنية على معلومات من مصادر مختلفة ـ ان الاوضاع الامنية قد تكون عرضة لتدهور واسع، يعيد للأذهان ما جرى في مايو 2008، كما تنقل الاوساط المتابعة تحذيرات من سفراء دول كبرى، من عودة مسلسل الاغتيالات السياسية.   وفرص تدهور الأوضاع في لبنان مهيئة من الجوانب المتعددة، لاسيما بسبب التغييرات الواضحة في مجرى الاحداث الدامية التي تجري في سوريا بعد التدخل العسكري الروسي، وما يمكن ان تحمله من انعكاسات سلبية على الساحة اللبنانية في اتجاهين مختلفين: الاتجاه الاول يتمثل في امكانية فرار عدد كبير من المسلحين والمدنيين السوريين الى لبنان، اذا ما تفاقمت المعارك الدائرة بالقرب من الحدود، وهذا سيخلق اضطرابات اضافية على الوضع القائم اليوم.   اما الاتجاه الثاني للانعكاسات السلبية، فهو في ما بان من استقواء عند بعض القوى التي تدور في فلك محور «الممانعة» من جراء التدخل الروسي، وقد انعكس هذا الاستقواء في الخطابات النارية التي اطلقها بعضهم، وأصابت قوى داخلية، ودولا اقليمية معنية.   وما يؤكد واقع التدهور الخطير الذي يعيشه لبنان، مساحة الشلل والتعطيل الواسعة التي تطال المؤسسات الرسمية، لاسيما استمرار الفراغ في سدة الرئاسة الاولى، والتعطيل الذي يصيب مجلسي النواب والوزراء.   ورئيس الحكومة تمام سلام، كان صريحا في اعلان خوفه من سقوط الجمهورية، اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، برغم تأكيده، على عدم الهروب من تحمل المسؤولية.   لكن مسؤولية سلام وحكمته، لا تكفي لإنقاذ الوضع، في الوقت الذي تعمل فيه جهات فاعلة، ومؤثرة على تعطيل كل شيء، بما في ذلك عرقلة خطة الوزير اكرم شهيب التي وضعت لإنقاذ البلاد من تأثيرات تكدس النفايات المنزلية في شوارع بيروت، وعلى جوانب الطرقات في المناطق الأخرى.   وملامح الانهيار لا تقتصر على الجوانب الامنية والبيئية والمؤسساتية، فحاكم مصرف لبنان رياض سلامة حذر من خطورة التمادي في عدم اقرار التشريعات المالية الضرورية، لاسيما قانون مكافحة تبييض الاموال، وقانون الحد من نقل الاموال النقدية عبر الحدود، لأن ذلك التأخير سيفقد لبنان ثقة الاوساط الماليـــة الدولية، والتي كان قد كسبها نتيجة مصداقيتــه في السنــوات الماضيـة.   اما الهيئات الاقتصادية، فهي بدورها تطلق نداءات الاستغاثة، لإنقاذ الاوضاع المتردية، لأن استمرار الركود والشلل، سيؤدي حكما الى اعلان الافلاس من قبل العديد من المؤسسات الانتاجية في القطاع الخاص.   ولا يقل خطورة عما سبق ذكره، المأساة التي يعيشها ذوي الدخل المحدود، من عمال وموظفين ومعلمين، حيث تدنى مستوى دخلهم الثابت منذ اكثر من عشر سنوات، بينما التضخم تفاقم بنسب عالية خلال تلك الفترة، ولكن إقرار السلسلة الجديدة للرتب والرواتب، لا تحتاج الى قانون من مجلس النواب فقط، بل هي تحتاج لإطلاق عجلة الاقتصاد لتأمين عائدات السلسلة، لكي لا يسبب نفاذها انهيارا شاملا لهذا الاقتصاد.   الفرصة ما زالت سانحة لإنقاذ لبنان من الانهيار الحتمي.   وقد تكون بداية طريق الإنقاذ من خلال الجلسات التشريعية التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري في 12 و13 نوفمبر الحالي لإقرار سلة من القوانين الضرورية، لاسيما في المجال المالي، وقبول الهبات والقروض العربية والدولية، كما لتشريع قانون سلامة الغذاء، ولا بأس اذا ما ناقش مجلس النواب بعض القوانين الأخرى على سبيل المجاملة لبعض المكونات الوطنية، لاسيما قانون استعادة الجنسية للمغتربين، فإن انقاذ لبنان من الانهيار الحتمي اهم من كل تلك التفاصيل.

المصدر :الأنباء الكويتية