تزايدت، يوم امس، المؤشرات الأمنية التي تفيد أن فرضية العمل الارهابي باتت الاحتمال الأبرز لسبب سقوط الطائرة الروسية في سيناء يوم السبت الماضي، وهو ما تبدّى في القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوقف الرحلات الجوية الى مصر، بناءً على توصية من جهاز الاستخبارات، وبيانات أحد الصندوقين الأسودين للطائرة المنكوبة، والذي يشير الى طابع «عنيف ومفاجئ» لحادثة السقوط، وتسريبات استخباراتية بشأن «دردشة» غير رسمية بين أشخاص ينتمون الى جماعات متشددة وإحدى الحكومات تعزز سيناريو وجود قنبلة على متن الطائرة. وفي مؤشر على أن روسيا بدأت تؤمن بفرضية العمل الإرهابي، أمر الرئيس فلاديمير بوتين بوقف جميع رحلات الركاب الجوية الى مصر، مستجيباً بذلك الى توصية من جهاز الاستخبارات في هذا الشأن. وقام بوتين بهذا الإجراء بعدما أوصى رئيس وكالة الأمن الاتحادي الروسي ألكسندر بورتنيكوف بتعليق كل رحلات الطيران المدنية إلى مصر إلى أن تعلم على وجه الدقة أسباب سقوط الطائرة.


ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن دميتري بيسكوف المتحدث باسم بوتين قوله ان «رئيس الدولة وافق على هذه التوصيات».
لكن الكرملين قال إن القرار لا يعني بالضرورة أن هجوماً إرهابياً هو سبب الحادث. وفي وقت لاحق، قال بيسكوف إنّ إيقاف الرحلات سيستمر إلى أن يشعر الكرملين بارتياح أنه تم تحسين إجراءات الأمن بدرجة كافية. وأضاف ان الحكومة الروسية ستبحث عن طريقة لإعادة جميع المواطنين الروس إلى بلادهم، وانها ستبدأ محادثات مع السلطات المصرية لتحسين إجراءات سلامة الرحلات.


وتعتبر مصر واحداً من المقاصد الشهيرة للروس الراغبين في قضاء عطلات. ومن شأن أي قرار بوقف الرحلات أن يسبب مشاكل لوجستية هائلة لشركات الطيران الروسية والسياح الروس. وذكرت وكالة «إنترفاكس» أن اتحاد صناعة السفر الروسي قدّر وجود حوالي 50 ألف سائح روسي في مصر حالياً، مشيراً الى أن رد قيمة التذاكر في الرحلات إلى مصر قد يتسبب في إفلاس شركات السياحة الروسية. وقالت شركة «تيز تور» الروسية للسياحة، والتي يقدر بأنها تنظم نحو 15 في المئة من الرحلات الروسية إلى مصر، إن هناك حوالي عشرة آلاف من زبائنها الروس في مصر.
وفي تطوّر جديد من شأنه أن يعزز فرضية العمل الإرهابي، قال مسؤولون استخباريون غربيون إنهم رصدوا «دردشة» تشير الى احتمال أن تكون عبوة ناسفة قد وضعت بين أمتعة الركاب لتفجير الطائرة. وقال مسؤولو استخبارات غربية إن جواسيس بريطانيين وأميركيين التقطوا «دردشة» من أشخاص يشتبه في أنهم متشددون وحكومة واحدة أخرى على الأقل، تنبئ باحتمال أن قنبلة ربما تكون مخبأة في مخزن الأمتعة هي سبب الحادث.

وقالت المصادر الاستخبارية التي طلبت عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية الموقف إن الدليل ليس قاطعاً، وإنه لا يتوفر دليل جنائي أو علمي يدعم نظرية القنبلة. وفي السياق، واجهت الفوضى المساعي البريطانية لإعادة آلاف السياح العالقين في شرم الشيخ حين قلصت مصر عدد الرحلات المسموح بها لإعادتهم. وقال وزير الطيران المدني المصري حسام كمال إن عملية نقل أعداد كبيرة من السائحين البريطانيين من فنادقهم إلى المطار ثم سفرهم على متن رحلات بدون أمتعتهم «تمثل عبئا كبيرا على المطار لأن سعته لن تسمح بذلك». وأوضحت وزارة الطيران المدني المصرية ان «وفداً بريطانياً وصل الى شرم الشيخ وتفقد الإجراءات الأمنية في المطار بدءاً بدخول ساحات الانتظار وحتى الصعود الى الطائرة». يأتي ذلك، في وقت أظهرت بيانات أحد الصندوقين الأسودين للطائرة المنكوبة، وهي من طراز «ايرباص ايه 321» وتسيّرها شركة «متروجيت» الروسية، طابعاً «عنيفاً ومفاجئاً» للحادث الجوي.


في هذا الوقت، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر قريب من التحقيقات الجارية بشأن ملابسات الحادثة الجوية أن بيانات الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة أظهر أن «كل شيء كان طبيعياً تماماً خلال الرحلة، ولكن فجأة، لم يعد هناك شيء»، مضيفا «هذا يؤكد الطابع الفوري والمفاجئ للحادث». وقال المصدر إن آثار أضرار من داخل الطائرة الى خارجها ظهرت على بعض صور الحطام «ما يرجح فرضية المتفجرات النارية». ومع حدوث انقسام في الرأي بشأن سبب تحطم طائرة الركاب الروسية فوق شبه جزيرة سيناء، يعتمد حسم الجدال على خبراء المعمل الجنائي الذين يتفحصون الحطام وما يحمله بين ثناياه بعد مرور ما يقرب من أسبوع على الحادثة. وهذا يلقي بعبء إثبات نظرية التفجير أو دحضها على كاهل فريق المحققين الذي يقوده المصريون بينما الدليل متناثر. والمفاتيح التي قد تفتح أبواب معرفة ما اذا كانت الطائرة قد أسقطت عمداً متناثرة عبر عشرة أميال من رمال الصحراء، أو ربما اختفت في الثواني الأخيرة من تسجيلات قمرة القيادة.


ونظرا لكون أحد الصندوقين الأسودين على الأقل قد لحقت به أضرار، ولأنّ أي انفجار قد يعطل أجهزة الاستشعار في القمرة، سينصبّ التركيز الأساسي على فحص الحطام، وتتبع أي شواهد يمكن استخلاصها من جثث الضحايا.


ولخوض غمار هذه المهمة الصعبة، يرجح أن يستخلص فريق دولي يضم روسيا وفرنسا وأيرلندا دروساً من واحد من أدمى 12 شهرا في تاريخ الطيران على مدى أكثر من ربع قرن من الزمان. ففي كانون الأول العام 1988، لقي 270 شخصاً حتفهم عندما حطمت قنبلة الرحلة رقم 103 لشركة «بان أميركان» فوق بلدة لوكربي في اسكتلندا. وفي ايلول من العام التالي، انفجرت طائرة تابعة لشركة «يو تي إيه» الفرنسية فوق الصحراء الكبرى، وهي في طريقها من العاصمة التشادية نجامينا إلى باريس، ما أسفر عن مقتل 170 شخصاً.


وفي كلتا الحالتين خلص المحققون إلى أن عبوة ما ربما أمكن تهريبها إلى الطائرة، لكنهم لم يجدوا شيئا على تسجيلات الصندوق الأسود الذي قطعت قوة الانفجارين إمدادات الطاقة عنه. واعتمد المحققون على بقايا الحطام والأمتعة والملابس وعلى التحليل الكيميائي للعثور على أي خيط يشير إلى وقوع انفجار. وقال محقق سابق إن «الخيط الأول يجيء من كيفية انتشار الحطام ثم ننظر إلى الأسباب المحتملة ومنها احتمال وجود عبوة ما على الطائرة». وأضاف «نتعقب الخيوط التي قد تقود إلى وقوع انفجار بالغ الشدة مثل وجود حروق أو اختراق مواد للأجساد أو لجسم الطائرة». وسينظر الآن المحققون في مصر وروسيا، التي نقلت إليها معظم الجثث، في الملابس الممزقة والأمتعة التي فقدت معالمها، وعلامات الحروق، حتى يتبين إن كان حريق قد نشب في الطائرة الروسية قبل سقوطها. وفي أحوال التضاريس الصعبة كتلك التي في شبه جزيرة سيناء حيث سقطت الطائرة الروسية، ربما يتعذر العثور على الدليل الذي ربما كان ضعيفاً، وربما انتهى مآله متبعثراً بعيدا جداً عن موقع سقوط الطائرة.