من الصعب جدا، لا بل من الفاجعة، أن تودع أم ابنها ذات يوم بنظرة الفرح والفخر بشبابه وهامته ويلوح بفكرها وهي تحلم به عريسا يحمله الاصحاب على أكتافهم يتراقصون به على أنغام الفرح ويزفونه الى شريكة العمر، ثم يرجع اليها جثّة هامدة بنعش أُغلق بابه على آخر لحظات العمر الفتي. فما من كلام قد يوصف قلب هذه الام المفجوعة بفلذة كبدها، ولا من مواساة قد تهدىء روع أب خسر سنده.. ولكن ماذا عن الاخوات أو ليس الاخ حامي الحمى وملبي النداء؟

رحل "علي" باكرا دون أن يودع عائلته، خرج من منزله ولم يكن يعلم أنها المرة الاخيرة التي نام فيها على سريره وتحت سقف غرفته.. غادر الدنيا وهو لم يرى منها بعد سوى الطفولة وأولى لحظات الشباب.

علي عدنان فنيش، الشاب العشريني،وابن بلدة معروب الجنوبية، الذي خرج واصحابه لتمضية الوقت، عاد برصاصة قاتلة، سرقت منه الحياة ورحلت به بعيدا الى الملكوت الأعلى، فهو لن يعود بعد اليوم الى مدرجات جامعته حيث كان يدرس الصيدلة في سنته الثالثة ويكمل حلم الرجولة.. هذه هي اللعنة التي تلاحق شبابنا في هذا البلد المتفلّت.

الامور لا تزال غامضة، والعائلة المفجوعة بولدها الشاب، تريد الحقيقة، هل قتل علي عمدا، أم هو الخطأ اللعين الذي يُخرج رصاصات طائشة من سلاح في أيدي أشخاص ليسوا أهلا لحمله؟

التحقيقات الاولية، حسبما نقل اهل الفقيد علي لموقع "ليبانون ديبايت"، أشارت الى ان علي كان يصطحب صديقه علي غنّام وصديقا آخرا فلسطيني الجنسية، الى مطعم "الفلمنكي" في منطقة السوديكو لتمضية بعض الوقت ليل الاربعاء الخميس 14 و 15تشرين الاول 2015، ولدى وصولهم الى المكان وبما أن غنّام كان يحمل سلاحا (مرخّصا) طلبت منه ادارة المطعم ابقائه في عهدتها حتى خروجهم، فسلّم الاخير المسدس، ودخلوا جميعا. وعند المغادرة اعادت الادارة السلاح لغنام الذي ركب في المقعد الخلفي لسيارة الفقيد علي فيما جلس الفلسطيني الى جانبه، وما هي الا لحظات، وهم ما زالوا في موقف السيارات التابع للمطعم، حتى خرجت الرصاصة القاتلة من مسدس غنّام لتخترق كتف علي الى قلبه وترديه قتيلا على الفور، ثم بضع ثوان أخرى خرجت الطلقة الثانية التي أصابت يد غنّام، حسبما قال الآخير في اعترافاته خلال التحقيقات، مشيرا الى أن الرصاصات خرجت عن طريق الخطأ وأن الرصاصة الثانية أصابت زجاج السيارة لتعود وتستقر في يده. فيما لم تسجّل التحقيقات حتى الآن أي اعتراف للشاب الفلسطيني الذي يصرّ على أنه لا يعرف شيئا. 

سناريوهات كثيرة يتناقلها رواد المطعم الذين كانوا لحظة وقوع الحادثة، فمنهم من تحدث عن وقوع شجار بين علي وصديقه لحظة تواجدهم في الداخل، فيما تقرير الطبيب الشرعي أثبت ان علي كان قد تعرض لضربة على الرأس قبل الرصاصة التي قتلته.

الغموض لا زال يخيّم على هذه القضية وسط استمرار التحقيقات، والغليان الذي تعيشه عائلة الفقيد علي بكل أفرادها، بدءا من الأب عدنان الذي يرى أنه خسر سنده هنا بعد سفر ابنه الاكبر حسين، فيما تحاول الام هلا وأخواته الاربعة ( رنا، فرح، لمى، ونورا) التحلي بالصبر والصمود حتى معرفة الحقيقة، وأي صبر هذا؟ وهنّ اللواتي فقدن شقيقهم الآخر مصطفى منذ ثلاث سنوات بعد اصابته بمرض السرطان.

وبعيدا عن ما قد تتوصل اليه التحقيقات، يبقى السؤال: ماذا يفعل السلاح بيد شاب عشريني خرج ورفاقه للجلوس في أحد المقاهي؟، وهل أصبحنا في زمن بات فيه من ظهر على وجهه شانبان أهلا لحمل السلاح؟، هذه لم تعد آفة ولا قلة ادراك ووعي، ولا حتى ظاهرة خطرة تهدد الناس كبارا وصغارا، بل أصبحت مرضا يفتك بشبابنا ويخطف منهم امل الحياة.

عائلة علي تؤكد ثقتها بالقضاء الذي يجب أن ينصفه، ليس فقط لخسارتها ابنها بل لتكون هذه الحادثة وغيرها من الحوادث المماثلة التي أفجعت الكثير الكثير من العائلات، عبرة ودرسا للشباب ولأهاليهم أيضا، وليصل الصوت عاليا الى كل مواطن والى مسامع دولتنا المهترئة.. فيكفينا رائحة الموت التي تفوح في كل مكان ويكفينا أمهات ثكالى..

وحتى يقول القضاء كلمته ويحقّ الحق ... لتبقى روح "علي" في السماء ... عريسا مبتسما عند ربه يُرزق بما تمنى.

ليبانون ديبايت