"نداء إنساني.. سيدة تضطر لعرض كليتها للبيع.. لمن يهمه الأمر التواصل معها على الرقم التالي (XXXXXX) ولكم جزيل الشكر"، هذا الكلام ليس من نسج الخيال، بل هو إعلان حقيقي نشرته سيدة عرضت كليتها للبيع "علناً" على مواقع التواصل الإجتماعي. ولم تكتفِ بهذا فقط، بل أعادت نشرها مراراً "بهدف التسويق"، أي كي تصل إلى عدد كاف من "الزبائن" تسهيلاً لإنجاز الأمر!

 

 

هذا النداء "الإنساني.. غير الإنساني" صّدّم عدداً كبيراً من النشطاء الذين ظنوا لوهلة أنه مجرد مزحة دعائية، ما استدعى عملية استقصاء ومتابعة لمعرفة من هي هذه السيدة، وما هي الظروف التي اضطرتها إلى عرضها عضو من أعضائها للبيع؟

 

"لبنان 24"، وسعياً لكشف الأمر أجرى محادثة مع صاحبة الإعلان، لكن بحجة أن المتصل يبحث عن كلية لطفل يُحتضر، فكان جوابها: "كرمال الظروف صدقيني.. مضطرة بيع كليتي.. السعر مش غالي وغيرك ناطر". وتضيف بصوت حماسي، والتي وبحسب لهجتها تبين أنها لبنانية: "من يؤمن دفعة قبلاً أعطيه الكلية"، واستطردت بتبرير فعلتها: "أنا لديّ ظروف طارئة في بيتي، صدقيني لا أقوم بهذا الأمر بهدف التجارة، لكنني مضطرة لدفع "شيك" مأخر للبنك.. لديك يومان للتفكير وإذا لم تقبلي سأعطيها لمشترٍ آخر.. السعر 30 ألف دولار فقط"!.

 

هكذا، وكأنها تبيع سيارة أو هاتفاً أو منزل، وبجرأة تلفت الانتباه تسوّق السيدة "عرضها" دون الإكتراث بأي عقوبة قضائية أو أي اعتبارات أخلاقية أو إنسانية أو اجتماعية، ومن دون أن تترك مجالاً للسؤال ما إذا كانت الكِلية المعروضة كليتها فعلاً أم أنها مجرد وسيط لمافيات تمارس هذا النوع من الاتجار بالشر.

 

نسألها عن كيفية إتمام "الصفقة" من دون الوقوع في محاذير من مثل امتناع الطبيب عن المشاركة في هكذا أمر، تجيب بصوت غاضب: "ليه ما بدو يقبل؟ مبلا بيقبل.. أصلاً هو ما بيعرف اني سوف أبيع الكلية، بل أتبرع بها"!! وتضيف مؤكدة: "لا تتأخري بالرد.. في شخص تاني ناطر".

 

"غير قانونية و كانت منتشرة"

من جهتها، تؤكد مديرة اللجنة الوطنية لوهب وزرع الاعضاء والانسجة فريدة يونان في حديث لـ "لبنان 24" إنه "قبل نهاية العام 2013 كانت هناك حالات عدة لعمليات زرع كلى بطرق غير قانونية، ولكنها ليست معلنة ولا نعرف عنها شيئاً. وهي حالات فردية، لكن بعد تطبيق الضوابط الطبية والأخلاقية لم يحصل في لبنان منذ تشرين الثاني 2013 وحتى يومنا هذا إلا 10 عمليات زرع من واهب غير قريب وضمن الشروط والأطر القانونية والأخلاقية، ونستطيع القول الآن إنه لا يوجد حالات تجارة أعضاء (كلى) في لبنان"، مضيفةً: "أما بالنسبة للإعلان فهناك قرار وزاري صادر عن وزارة الصحة العامة يمنع هذا النوع من الاعلانات، الذي وإن لم تلتزم به وسائل الإعلام بشكل جدي، إلا أنه نادر جداً".

 

وتابعت: "الصحافيون يريدون دائماً تسليط الأضواء على هذا الموضوع، رغم كل الجهود التي بذلتها وزارة الصحة العامة واللجنة الوطنية بتعاون كبير من كل مراكز الزرع، للحدّ من هذه العمليات التي تسيء للبلد وللقطاع الطبي فيه. ونتمنى أن يلتزم أيضاً الصحافيين بنشر ما هو جديد في مجال وهب الأعضاء، وان يبتعدوا عن الـSCOOP في تسليط الأضواء على ما كان يحصل في السابق".

 

فريدة: "السيدة لن تستطيع إجراء العملية".. للأسباب التالية

وعن الإجراءات التي يمكن أن تقوم بها الجمعية لمنع هذه السيدة من بيع كليتها، قالت فريدة: "لا نعير التدوينة أية أهمية، ولا أحد يستطيع ان يضبط مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يمكننا أن نقدم إخباراً لدى النيابة العامة التمييزية ليقوموا بالإجراءات القانونية تجاهها"، وتؤكد: "هذه السيدة لن تستطيع أن تجري العملية حتى لو أوهمت الطبيب أنها "واهبة"، وذلك لأن وزارة الصحة وضعت ضوابط لعمليات زرع الكلى أو الكبد من واهب حي قريب أو غير قريب وهي تطبق فعلياً، إذ يجب أن يكون الواهب الحي من نفس جنسية للمريض (أي من لبناني إلى لبناني مثلاً) وأن يكون عمره أكثر من 18 سنة للقريب، و21 سنة لغير قريب، وكل ذلك يتطلب أيضاً قراراً وزارياً مرفقاً. وعلى طرفي العملية أن ينجزوا الإجراءات التالية:

 

1) بالنسبة للواهب الحي القريب: يجب ان يُعاين من قبل طبيب أمراض نفسية ومن الجراح والطبيب المعالج، ومن قبل لجنة الأخلاقيات الطبية التابعة للمستشفى الذي ستجرى فيه العملية. بعدها يرسل الملف الكامل الطبي والشخصي الى اللجنة الوطنية للتدقيق في صحته وصلة القرابة.. ثم ترسل اللجنة الوطنية كتاباً الى وزارة الصحة العامة للحصول على موافقة الوزير أياً كانت الجهة الضامنة او اذا كانت العملية على حساب المريض الخاص.

 

2) بالنسبة للواهب غير القريب: يجب درس الملف الطبي للمريض والواهب من قبل لجنة طبية وطنية معينة من قبل وزارة الصحة العامة. اذا وافقت يرسل الملف مع كل الأوراق الثبوتية وتعهد كاتب العدل موقعا من الواهب ومن مسؤول مباشر من عائلة الواهب مع تقارير طبيب الامراض النفسية والجراح والطبيب المعالج وكل الفحوصات التحضيرية الى لجنة اخلاقيات طبية وطنية معينة من قبل وزارة الصحة العامة. حيث يجرى تحقيق للمريض والواهب كل على حدا من قبل محامين وقضاة وعلماء نفس واجتماع وأطباء.

 

وإذا كانت الحالة تستوفي كل الشروط القانونية والطبية والأخلاقية، عندها، تعطى الموافقة على الزرع، ومن ثم يرسل الملف الطبي للمريض والواهب وكل تقارير اللجان مع طلبات الاستشفاء الى اللجنة الوطنية لوهب وزرع الاعضاء والانسجة للتدقيق في صحتها.

 

بين وهب الأعضاء والإتجار بها.. فرق كبير

كثيرون لا يعرفون الفرق بين بين وهب الاعضاء والإتجار بها، فأجابت: "الوهب هو قرار حر وشخصي، لا يخضع لاية ضغوطات مادية او اخلاقية، هو مجاني وغير مشروط. وهب الاعضاء يتم من واهب متوفي وهو سرّي عالمياً وفي لبنان أي لا يسمح لعائلة الواهب او للمريض ان يتعارفوا، واللجنة الوطنية تطبق هذا القانون منذ سنة 2009 تفاديا لمشاكل نفسية ومادية للطرفين. قانون وهب الاعضاء اللبناني يعود لسنة 1983".

 

وتضيف: "يجب أن نعمل معاً على نشر ثقافة وهب الاعضاء بعد الوفاة لاننا لسنا بحاجة لاعضائنا ونستطيع أن نساعد بها عدد كبير من المرضى ليعيشوا بكرامة. يجب أن نفكر بمساعدة بعضنا لانه ما من أحد يضمن انه لن يصبح يوماً بحاجة لزرع أعضاء أو يتعرض لحادث ويصبح واهباً. لذلك يجب ان نناقش هذا الموضوع مع عائلتنا وأن نعبر عن رأينا في حياتنا كي تستطيع العائلة ان تقول نعم عنّا لوهب الاعضاء في الوقت الصعب".

  المصدر: "لبنان 24"