العنف ضدّ النساء لا ينحصر بثقافة، أو منطقة أو بلد معيّن، ولا حتى بشريحة معيّنة من المجتمع. فالأسباب العميقة للعنف تجاه المرأة تكمن في عدم المساواة التاريخية بين الجنسين، وفي التمييز المجحف المستمرّ بحقّ صاحبات الجنس اللطيف والرقيق. ولطالما تمّ استعمال الاغتصاب كسلاح ضدّ المرأة، خصوصاً في الحروب.تداعيات الاعتداء الجنسي خطيرة وتدوم طويلاً، خصوصاً أنها تستهدف كبرياء المرأة، وكرامتها وتقديرها لذاتها. ولا تنجح ضحية الإغتصاب غالباً في إعادة بناء حياتها من دون مساعدة المحيطين بها. فالاغتصاب سكّين ينغرز عميقاً في تطوّرها كشخص على المستوى الحياتي والإجتماعي والثقافي والعاطفي، إن لم نقل الجنسي أيضاً. فمَن يقدر على مساعدة ضحية على محو صوَر الوحش العاري من ذاكرتها؟

 

ما هي نسبة الشفاء؟

 

تؤكّد المعالجة النفسية والاختصاصية في التربية جيزيل نادر لـ"الجمهورية" أنّ "العلاج النفسي للفتاة التي تقع ضحية للإغتصاب الجنسي، سواءٌ في طفولتها أو بعد بلوغها، يخفّف من تداعيات هذا الاعتداء على حياتها الجنسية المستقبلية، ولكن قد لا يتمكّن من إلغاء تشعباته بالكامل، وصولاً إلى محو آثاره".

 

وتوضح نادر أنّ "العلاج يساعد الضحية على استكمال حياتها بشكل طبيعي وإعادة بناء احترامها لنفسها وثقتها بقدراتها، دافعاً إياها إلى التخلّص من عقدة الذنب نتيجة لوم نفسها على ما حصل بدل لوم الجاني، وإلى عدم الانطواء، ما يحسّن وضعها النفسي والاجتماعي".

 

المواجهة غيّرت حياتي

 

وتحت عنوان "لماذا التقيت من اغتصبني: امرأة تشرح كيف أنّ اللقاء وجهاً لوجه يوصل إلى النهاية"، رَوَت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية قصّة "إيما" التي تعرّضت للإغتصاب من قبل شريكها السابق.

 

وتؤكّد "إيما" أنه بعد أسبوعين من العيد الأول لابنهما هاري، اتصل شريكها السابق بها هاتفياً طالباً التحدث معها، فوافقت أن تستمع إليه في السيارة، وخلال لقائهما "أوصد جميع الأبواب" وقاد السيارة إلى مكان بعيد، حيث استفرد بها واغتصبها بوحشية على مقاعد السيارة الخلفية.

 

وبعد أن انتهى من عملته الوحشية، عاد "ستيف" وقاد السيارة إلى مكان ثان، حيث ركن السيارة خلف خطّ من الأشجار الكثيفة ليغتصبها مرة جديدة. وتوضح: "في المرّة الثانية، تمكّنت من مغادرة السيارة وهربت باتجاه الطريق، لكنّ ستيف قبض عليّ ليعيد اغتصابي مرة ثالثة".

 

وتقصّ إيما البالغة من العمر 32 عاماً هذه الحادثة بعد 8 سنوات على حدوثها، مشيرة إلى أنّ ستيف قضى أكثر من 4 سنوات في السجن على رغم ادعائه بأنها كانت موافقة على ممارسة الجنس معه.

 

ولكن تؤكّد ايما أنّ شفاءها من هذه الحادثة بدأ فعلياً بعد انضمامها إلى نظام "العدالة التصالحية" الذي تؤدّي خلاله الضحية دوراً فاعلاً في دفع الجاني إلى تحمل مسؤولية أفعاله، من خلال لقائه ومواجهته وجهاً لوجه. وقد صُدم ستيف خلال اللقاء مؤكّداً عدم إدراكه مدى سوء الأمور بالنسبة إليها. في حين شعرت هي بالإرتياح بعد مواجهته بمدى تأثير انحرافه في حياتها.

 

وإذا كانت ايما البريطانية قد احتاجت لمواجهة أبي ابنها في إطار علاج يهدف إلى شفائها من تداعيات اغتصابه لها بعد أن تمّت محاكمته، فماذا عن المرأة اللبنانية التي مازال القانون لا يعتبر اغتصاب زوجها لها في حال حدوثه جرماً أو انتهاكاً لحقوقها يمكنها محاسبته عليه.

 

مجتمع لا يرحم

 

تكشف المعالجة النفسية جيزيل نادر لـ"الجمهورية" عن أساليب عدّة لعلاج المرأة المغتصبة، لافتةً إلى أنّ "مواجهة المتحرّش وجهاً لوجه على غرار إيما مفيدة جداً لتحسّن وضعها النفسي".

 

ولكنّ مواجهة المعتدي لا تتوفّر في حالات عدّة، وذلك بسبب عدم اتّزانه عقليّاً مثلاً، وتشكيل لقاء الضحية معه خطراً على نفسيتها أو على سلامتها الجسدية، أو بسبب خروج هذا الشخص من حياتها وعدم إمكانية اجتماعها معه للحديث. ويتّبع المعالجون النفسيون طرقاً أخرى فعّالة.

 

وتشير نادر إلى "اعتمادها طريقة العلاج التحليلي والنظمي"، لافتةً إلى أنّ هذا النمط "يدفع الضحية إلى التكلّم والبوح بمشكلاتها وتداعيات الاغتصاب على حياتها والطريقة التي تمّ بها الاعتداء عليها".

 

وتؤكّد أنّ "هذا العلاج يقوّي الضحية على مواجهة المعتدي وأيضاً على مواجهة حالتها ومجتمعنا الشرقي الذي يعتبر تعرّضها للاغتصاب فضيحة، ما يدفعها إلى كبت الحادثة وعدم التكلّم والتنازل عن المطالبة بحقوقها، حتى لو كان الكلام يفيدها في سبيل العلاج".

 

وتنصح نادر "ضحايا التحرّش والاغتصاب عدم التكتّم عن الموضوع وجعله سرّياً، بل التحدّث عنه". وترى أنه "تفادياً لنظرة المجتمع التمييزية يفضّل أن لا تتكلّم السيدة عن هذه المشكلة علناً، بل أن تلجأ إلى شخص تثق به يمكنه أن يفهمها وأن يخفّف الشعور بالذنب الذي ينتابها، كما يمكنها استشارة رجل دين"، داعية "المرأة المعتدى عليها إلى البحث عن علاج يقدّمه اختصاصي يخفف عنها".

 

وتكشف نادر أنّ "العمر الذي تتعرّض فيه المرأة للاغتصاب يؤدّي دوراً مهمّاً في عملية تأثير هذا الحدث في حياتها المستقبلية، ذلك فضلاً عن هوية المغتصب وصِلَته بالضحية".

 

ويُعتَبر تعرّض امرأة راشدة إلى الاغتصاب، كما في حال إيما، أقلّ تأثيراً في سَير حياتها ومستقبلها منه على فتاة صغيرة، خصوصاً كونها قادرة على المواجهة والمطالبة بحقوقها.

 

ولكنّ القانون اللبناني، وفي حين يجرّم المغتصب ويحاكمه، فهو لا ينصف الزوجة في حال كان الجاني زوجها على رغم التداعيات الكارثية لهذا الاغتصاب عليها. وتدعو نادر "ضحية الاغتصاب الى إحاطة لجوئها الى القضاء بالسرّية قدر المستطاع في حال كانت تريد تجنّب المشكلات الاجتماعية ونظرة المجتمع لها".

 

وفي الختام نشير إلى أنّ اغتصاب الرجال للنساء جريمة تنتشر في العالم أجمع. ومهما تعدّدت سبل العلاج إلّا أنّ الألم الذي تعانيه الضحية يبقى صداه مدوّياً يتردّد لسنين طويلة في حياتها.

 

لكنّ الفارق الكبير بين الدول والمجتمعات يكمن في طريقة التعاطي مع الحادثة وفي نظرة المجتمع إلى المرأة المعتدى عليها وحقوقها. ففي براثن مجتمع جانٍ كمجتمعنا يغتصب بقوانينه حقوق من اغتُصب جسدها، ويخيف بنظراته مَن أرعبها انقضاض وحش عليها، تُقتل الضحية مرتين، بينما يكون المجتمع المحتاج الأول إلى علاج طارئ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(الجمهورية)