يتحفّظ كثيرٌ من المتحمّسين لحركة الاحتجاج اللبنانية على تصدّر شربل نحاس مؤتمراتٍ صحافية لبعض مجموعات الشباب المتظاهر. فيُورِدون أنّ نحاس كان وزيراً في حكومة القمصان السود، وقبل ذلك عمل مستشاراً اقتصادياً للطاغية السوري بشار الأسد، وربطته علاقات وثيقة مع وجوه النظام المخابراتي السوري - اللبناني إبّان عهد الرئيس إميل لحود. ومن كانت هذه حاله لن يكون أحد الوجوه الناصعة للحراك.

 

قد تكون التحفّظات في مكانها إذا ما اعتبرنا أن حركة الاحتجاج جزء من مشروع متكامل ومنسجم للتغيير. لكن شروط نجاح الوثبة اللبنانية تفترض قدراً من التواضع. فأهمية ما جرى يكمن في مستويين، الأول أنه يُمثّل انفعالاً جماعياً على وقعٍ أقلّ طائفية ومذهبية ممّا دأبنا عليه من انفعالات في السنوات العشر الأخيرة، والثاني بأنه دعوة للذهاب في السياسة إلى سوية إدارة مصالح الناس المباشرة، وفي هذا حرف للسياسة عن المهمة التي أولاها إيّاها النظام الفاسد والمرتهن، والتي تتمثل بتوظيف كل شيء في خدمة المهمة الإقليمية.

 

فليأتِ شربل نحاس إلى هنا إذاً. ليس مطلوباً أن نحبّه أو أن نؤمن به، وهو على كل حال لن يكون "قائداً"، وحين يجتمع خلفه بعض متظاهرين في مهمة فولكلورية كالتي شهدتها الـ"زيتونة باي" لن يجد مصفقين أكثر من بعض أيتام الحزب الشيوعي الحالي (وهو غير الحزب الشيوعي السابق).

 

لا يملك نحاس تاريخاً ناصعاً لكي يكون وجهاً في الحراك، لكن من منّا يملك تاريخاً ناصعاً. الانقسام الذي يغذّي النظام الفاسد والمرتهن لم يُبقِ نصاعة على أي وجه تجاوز صاحبه الأربعين من العمر.

 

في مقابل ذلك لا يملك واحدنا الحق في دعوة أحد لـ"العودة إلى الصفوف الخلفية". فهذا أمر مرتبط بمروءة صاحبه. شربل نحاس لا يريد أن يعود إلى الصفوف الخلفية ولا يريد أن يُخلي المكان لغيره ممن لم يلوّثهم الانقسام! ماذا يمكننا أن نفعل؟ في الأمر دعوة إلى المغادرة، والمغادرة تعني عودة إلى زمن "سوكلين"!.

 

بالنسبة إليّ المشاركة تعني استهدافاً لنظام الفساد الإقليمي. استهداف فؤاد السنيورة بالشعارات مساوٍ لاستهداف ميشال عون ونبيه بري. إنّه النظام الذي لا وظيفة له سوى أن يحفظ التوازن الذي يؤمن لـ"حزب الله" مهماته. وبرأيي فإن "14 آذار" جزء من هذا التوازن، تماماً كما "8 آذار"، وربما أكثر. فهل يمكن لبلد طبيعي غير منقسم أن يهضم مهمة حزب فيه يقاتل خارج الحدود؟ هل يُمكن في بلد ينمّي حساسية ضد الفساد أن يُغضّ النظر عن رصيف خاص في مرفأ بحري كمرفأ بيروت مثلاً؟

 

فليأتِ شربل نحاس إلى وزارة المالية وإلى وزارة الطاقة، فهناك سيصطدم بحركة أمل وبالتيار العوني، مثلما اصطدم بتيار المستقبل في "الزيتونة باي". لا بأس أيها المتذمّرون، فمثلما قطعنا مسافة عن مناطق تموضعنا السابقة، وها نحن الآن في مواجهة مع ما كنّا نمثل، سيجد الوزير العوني السابق نفسه في مواجهة مع ما كانه.

 

المصدر: ناو