ليس تدخل السلطة اللبنانية جديداً في شؤون الحركة النقابية فهو قديم قدم هذه الحركة ، ففي العام 1935 إثر مظاهرات لسائقي السيارات سقط شهيدين منهم برصاص قوى الأمن ...

ولم تنته الأمور عند حدود القمع الأمني المباشر حيث أقدمت حكومة الرئيس صائب سلام عام 1973 على صرف أكثر من 200 أستاذ إثر إضرابات مطلبية مفتوحة...

ونالت الحركة النقابية والمطلبية نصيبها الكبير من التدخلات في ظل الوصاية السورية على لبنان ، ففي حكومة الرئيس عمر كرامي عام 1992 وإثر التضخم الإقتصادي وإنهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي تدخل النائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام وهدد الإتحاد العمالي العام بقمع الإضرابات التي بدأها معتبراً أنّها تهدد الأمن القومي؟!!

عندها علق الإتحاد إضراباته تحت تأثير الضغط والتهديد ...

وإستمرت التدخلات في حكومة الرئيس رشيد الصلح حيث وضعت الحركة النقابية تحت الرقابة المشددة من خلال تعيين وزراء للعمل موالين بشكل مباشر للنظام السوري فجيء بالأمين القطري لحزب البعث في لبنان عبدالله الأمين وزيراً للعمل الذي أخذ على عاتقه عملية ترويض وشرذمة الإتحاد العمالي العام، فطرح هيكلية نقابية جديدة من 96 مادة بينها 36 مادة تعطيه حق التدخل في شؤون النقابات ، رفضها العمال، ففرخ وزير العمل 625 نقابة عشية إنتخابات الإتحاد العام أدخلها المعركة الإنتخابية خلافاً للقانون مما أدى إلى شق الإتحاد إلى إتحادين الأول برئاسة إنطوان بشارة والثاني برئاسة غنيم الزغبي ...

وإثر ترشح النقابي الياس أبو رزق إلى الإنتخابات النيابية عام 1996 في وجه لائحة الرئيس نبيه بري في محافظة الجنوب وحصوله على نسبة مرتفعة من الأصوات أسقطه الرئيس بري من رئاسة الإتحاد العمالي وأنتخب غسان غصن رئيساً جديداً له، وبذلك طويت مرحلة من التدخلات بتطويع النقابات تطويعاً تاماً لتصبح رهينةً بيد السلطة والهيئات الإقتصادية متخليةً عن دورها الطبيعي في حماية مصالح العمال والموظفين وذوي الدخل المحدود...

لا بل تعدت ذلك إلى حدود تنفيذ أوامر السلطة لتمرير أحداث مخيفة حيث تم إجتياح بيروت في 7 أيار عام 2008 في اليوم الذي أعلن غسان غصن إضراباً وعصياناً مدنياً ضد حكومة فؤاد السنيورة .

ومع إرتفاع نسبة التضخم التي وصلت إلى 121 % من العام 1996 حتى العام 2011 وإزدياد الأحوال الإقتصادية سوءاً ولدت هيئة التنسيق النقابية وتحركت مع حكومة الرئيس ميقاتي مطالبةً بإقرار سلسلة الرتب والرواتب للموظفين والمعلمين في القطاعين العام والخاص ، فقادت الهيئة مجموعة من الإحتجاجات والإضرابات على مدى ثلاث سنوات متواصلة وصلت إلى أكثر من 100 ألف متظاهر الذن إحتجوا على سياسات الإفقار والفساد وسرقة المال العام وإحتلال الأملاك البحرية والنهرية من قبل متنفذين في السلطة مما أزعج زعماء الطوائف والمذاهب توحد الناس حول حركة نقابية مستقلة عابرة لمذاهبهم وطوائفهم وخارج الإصطفافات التي يريدونها .

وبذلك بدأ فصلٌ جديدٌ من المواجهة من تدخل السلطة في شؤون الحركة النقابية فكشرت عن أنيابها وأسقطت النقابي حنا غريب مع فريقه من النقابيين في إنتخابات روابط المعلمين والموظفين وحاصصتها ووزعتها على مكوناتها السياسية إثر مشاورات أطلقها الرئيس نبيه بري مع السيد حسن نصرالله والنائب وليد جنبلاط والنائب ميشال عون والرئيس فؤاد السنيورة ركب على أثرها تحالف هجين جمع حزب الله وحركة أمل وميشال عون والحزب الإشتراكي والمستقبل والقوات اللبنانية والجماعة الإسلامية وكل مكونات 14 و 8 أذار ...

فطويت بذلك مرحلة جديدة من مراحل النضال المطلبي فسقطت هيئة التنسيق بقرار سياسي جاء من كل مكونات السلطة الذين أثبتوا أنهم فريقاً وحيداً بعدما أوهموا الرأي العام بأنهم فريقين مختلفين .

ومرةً أخرى لم تكن حسابات السلطة دقيقة فإستكمالاً لما بدأته هيئة التنسيق ومن رحمها ورحم المعاناة ومع وصول أزمة النفايات إلى حدود لا تطاق وإنبعاث روائحها من جيوب أهل السلطة وفي الشوارع ولد الحراك المطلبي المدني فاتحاً المعركة على مصراعيها مع سلطة الفساد والمحاصصات السياسية والطائفية " كلن يعني كلن "، بدأت مرحلة جديدة من تساؤلات جديدة وهي مطروحة بشكل دائم :

هل ستنتهي المعركة بين السلطة وأوجاع الناس ؟! وهل سيترك الحراك كي يحقق أهدافه ؟! أم أن المعركة مع سلطة متجذرة في الفساد ستكون قاسية جداً وطويلة ؟! فالسلطة أعدت العدة لذلك وليست طاولة الحوار التي دعا إليها الرئيس نبيه بري حارس هذا النظام الطائفي المدعوم من حزب الله حتى المستقبل إلا بدايةً للمعركة مع هذا الحراك بهدف إسقاطه...

 

الناشط السياسي والنقابي : حسن مظلوم