"بدِّك شي؟"، سأل محمد والدته مودّعاً إياها قبل مغادرته المنزل إلى رحلة صيد مع الرفاق. لم يكن مولعاً بهواية الصيد، بل رافق أصحابه من الصيادين إلى أحد الأحراش المواجهة لبلدة بدادون في قضاء عاليه في جبل لبنان. لم يتوقّع لاعب كرة القدم للصالات أو "الفوتسال" أن تكون حياته مساء يوم الجمعة الماضي جزاء للقدر المشؤوم. هي رحلته الثانية إلى الصيد لكنّها اقتادته إلى المشوار الأخير قبل عيد مولده الـ23 بيومين فقط. صبّ الشاب المليء بالحياة كامل نشاطه وحماسته في اللعبة التي أحبّ فحصد اهتمام المدرّبين واحتلّ قلوب الرفاق الذين فُجعوا لمقتله، خصوصاً زملاءه في فريق الأشرفية آخر الأندية التي انضمّ إليها.

أتى محمد، أو "ميمو" كما يعرفه الجميع، ابن ميس الجبل الجنوبية مع عائلته للسكن في القماطية-عاليه حيث تتوافر شروط العيش. لم تطله رصاصات العدوّ إبان الاحتلال والحروب فقتلته رصاصة طائشة ضيّعت طريقها واهتدت إلى جسده الغضّ. تنقّل محمد بين العديد من الفرق من بينها الهدف، الندوة القماطية، الجمهور والأشرفية أخيراً. هو الذي اعتاد نقل التلاميذ إلى المدرسة إلى جانب نشاطه الرياضي لن يلاقيهم بداية هذا العام الدراسي.

من الجنوب وعاليه وبشامون والعديسة والأشرفية والدكوانة والضاحية الجنوبية توافد الأصدقاء ورفاق الكرة إلى جنازته الحاشدة يوم السبت. غصّت القماطية بعرس محمد كأنّها تحتفل به عشية عيد مولده. والد ووالدة متعبان لخسارة لا تعوّض يتأملان الباب علّ محمد يدخله كعادته عائداً من إنجازاته الرياضيّة. ستّ شقيقات بكيْنَه بحرقة لخسارة السند. أما شقيقه الوحيد خليل فيتماسك لدى الحديث عن جناحه المكسور "رحل أخي محمد، قضاءً وقدرا، توفّي بطلق من بارودة صيد عن طريق الخطأ عند السادسة والربع من مساء الجمعة. كان ذلك في حيّ الجوز في أسفل القماطية ناحية بدادون. إنها المرة الثانية التي يحمل فيها بارودة صيد. مغرم بكرة الصالات و"بيقضّيها" في الملاعب، إضافة إلى نقله للتلاميذ خلال العام الدراسي. مكتوبٌ له هذا المصير".

غصّة الشقيق لا تختلف عن رفاق اللعبة ومن التقوه عن كثب. غارو، حارس مرمى فريق الجمهور، يعرفه جيداً إذ لعب مع فريقه لموسم واحد منذ سنتين، ثم التقيا ضمن فريق جامعة "AUCE" أخيراً. لم تكن اللعبة وحدها ما يجمع بين غارو ومحمد بل الصداقة وأوقات جميلة يحاول الحارس استعادتها. لا يملّ الحديث عنه "محمد ما في منّو، لا يؤذي أحداً ولا يتكلّم بالسوء. من أفضل اللاعبين المهاجمين في لبنان. شعبيّ ومحبوب جداً. يوم انضمّ ميمو إلى فريقنا (الجمهور) عرفناه هادئاً ومقرّباً من الجميع. وبقينا صديقين نلتقي دوماً. حظِيَ باهتمام العديد من النوادي التي حاولت ابرام العقود معه. دُعي للمشاركة في منتخب لبنان حيث أبدى المدرّب الاسباني للمنتخب اهتمامه به وبموهبته. في غضون ستّ سنوات من الاحتراف تنقّل بين الدرجتين الأولى والثانية. خسرنا رفيقاً ولاعباً يحلو لنا تحدّيه لإبراز مهاراته".

رفاقه ضمن فريق نادي الأشرفية كانوا بانتظاره ليل الجمعة لإجراء التمرين. لم يصدّقوا خبر مقتله الذي وقع كالصاعقة عليهم. كيف قُتل محمد؟ طلق ناري عن طريق الخطأ خلال بعض المبارزات التي تستهوي الشبان. هذا القضاء والقدر الذي حصد حياة محمد قبل أن يكتمل مشواره في انتزاع الألقاب وحسم المباريات. هو الموت يسرع إلى شبّان ينبضون بالحياة والتحديات فينتزعهم من أحضان الأهل. لم يعد محمد عواضة مساء الجمعة إلى المنزل منهكاً من التدريب. لم يطلب عشاء مغذيّاً من والدته. لم يسامر شقيقاته ولم يجالس شقيقه في تلك العشية. غادر مبتسماً مندفعاً إلى لقاء الرفاق قبل أن تجيبه والدته "إيه يا ميمو بدي شي واحد، ترجعلي بالسلامة"!