لم يَعُد يرغب المتلقّي العربي في أن يرى، سواء أكان قارئاً أو مُشاهداً، إلاّ الفستان. فيصوّب كلّ تركيزه على فستانها، مغنّية كانت أم ممثّلة، ولا يرى أبعد منه. أو بالأحرى، يرى.. يتأمّلُ ويوظّف موهبة الخيال لديه، الجديرة بالـ "احترام" وبالـ "إيمان الأعمى" بها، ويغوص رويداً رويداً في تفاصيل ما يمكن أن يكون هنالك "تحت" الفستان... أمّا الـ "متّهَمون" في هذه القضيّة فليسوا من فريقٍ واحد.

 

هذا المشهد بات يشكّل، وللأسف، همّاً أساسيّاً ممّا يمكن أن يندرج في "أجندة" هموم معظم مَن حملوا جنسيّةً عربيّة، والتي تبدأ ولا تعرف نهاية. فيبدو أنّ الحكم العقلاني للجمهور العربي بغالبيّته، خرج عن مساره الصحيح، فقدَ هيبته التي لطالما افتخر بها الزمن القديم، اتّخذ منحًى مختلفاً وانضمّ، في معظم الأحيان، إلى أخوات كان.

 

لم يعُد المتلقّي العربي يوجّه مادّة حكمه نحو صوت الفنّانة ولا نحو ما يمكنها أن تحدثه من فرقٍ إيجابيّ كلّما وضعت بصماتها على عملٍ غنائي جديد، التي أصبح تاريخ صلاحيّتها ينتهي، غالباً، بعد فترة قصيرة من طرح العمل. ولا شكّ أنّ المتلقّي نفسه تبرّأ، على حدّ سواء، من الحكم على الممثّلة وفقاً لما تستطيع تقديمه من جماليّة دراميّة في أدائها التمثيلي.   

 

المتّهم الثاني في هذه القضيّة هو الصحافة العربيّة، ومهما تنوّعت أشكالها، التي أمست توجّه تركيزها الأساس في ما تنشره من مضامين إعلاميّة، نحو فساتين المغنّيات والممثّلات وإطلالاتهنّ الظاهريّة من دون إعطاء أيّ اعتبار لـِ "إطلالاتهنّ" الباطنيّة. فدعكَ أيّها المستمع العربي من الأغنية لأنّ قماش الفستان والزخرفة المطرّزة عليه يشكّلان عنصرين أصبح التوقّف عندهما أكثر بلاغة!

 

أمّا المتّهم الثالث، هنا، فهنّ الفنّانات أنفسهنّ، وطبعاً بلا تعميم، اللواتي يبذلْنَ جهدهنّ ويفعلن كلّ ما بوسعهنّ ليصوّبْنَ اهتمام الإعلام، رغماً عنه، إلى فساتينهنّ وأحذيتهنّ و"تنانيرهنّ". والتكلّم هنا، هو بلا شكّ على تلك التي تختفي لفترة طويلة عن الأنظار ثمّ تقرّر خطف الأضواء من جديد في خطوة مدروسة منها، مستغلّةً ضعف الكائن العربي الذي لا بدّ أن يسيل لُعابه أمام "جاذبيّتها الممنهَجة"، رغبةً منها في استعادة "مجدٍ" انتابها الحنين إليه.

 

ببساطة.. إنّها عمليّةٌ "يتعاضد" فيها هؤلاء المتّهَمون الثلاث في سبيل نَسْف ما تبقّى عند العرب من نوايا حكمٍ صادقٍ وصائب. وإنْ سألتم بعض العرب يوماً عن النشوة الموسيقيّة التي تنقلها أم كلثوم أو فيروز إليهم، فإنّكم تفعلون عبثاً لأنّهم منشغلون بالفستان...

 

هنادي دياب