التدخّل العسكري الروسي في سوريا ليس مسألة بسيطة. وصور الأقمار الصناعية تؤشّر إلى أن الروس يُنشئون قاعدة عسكرية جوّية في اللاذقية ليضيفوها الى قاعدتهم البحرية في طرطوس.

وفي تقدير أجهزة مخابرات غربية، أن إنشاء القاعدة الجوّية يُمكّن الروس من تقديم إمدادات أكبر بكثير لجيش النظام السوري، وتوفير الدعم الجوّي القريب ونشر مزيد من المستشارين وضباط المخابرات الروس لتدعيم القوات الموالية ومنع إنهيارها.

ولكن ما هي الأهداف الجيوسياسية الحقيقية للتدخّل العسكري الروسي في سوريا؟ وكيف بدأ؟

بعد عشرة أيام مِن إعلان الإتفاق النووي، زار قائد قوات القدس قاسم سليماني موسكو، وتمكّن مِن إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتدخّل المباشر في الحرب السورية بموجب خطة تضمن المصالح المشتركة لروسيا وإيران.

ثلاثة أسباب أساسية شجّعت بوتين على هذا التدخّل:

1-ضعف الرئيس الأميركي باراك أوباما، وتخلّيه عن ضرب سوريا لتجاوزها الخط الأحمر الذي كان رسمه في ملف السلاح الكيماوي في صيف 2013.

2- عجز الإدارة الأميركية عن مواجهة السياسة الروسية في النزاع الأوكراني، ونجاح موسكو باجتياح منطقة القرم وضَمّها الى روسيا في 18 آذار 2014.

3- خشية واشنطن من تكرار تجربتَي ليبيا والعراق، وبالتالي الإمتناع عن إسقاط النظام في سوريا لعدم وجود بديل.

ويُراهن بوتين على أن أوباما الذي لم يفعل شيئاً في الموضوع الكيماوي، ولا في أوكرانيا، لن يفعل شيئاً حيال التدخّل الروسي في سوريا، هذا التدخّل الذي يهدف الى حماية المصالح الروسية فيها، وأبرزها:

1-أربعة مليارات دولار عقود أسلحة مع الحكومة السورية.
2- القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس منذ العام 1970.


كذلك يشعر بوتين بخطورة إستمرار تدهور أسعار النفط على بلاده مع الإنحسار الديموغرافي، ما يدفع موسكو الى اعتماد سياسة أكثر عدائية على المسرح الجيوسياسي.

المخابرات الأميركية من جهتها، تُراقب الجسر الجوّي الروسي الى سوريا، لحظة بلحظة، ترصُد قوّات روسية في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص ودمشق. وتلحظ أن الروس تحوّلوا مِن مهمّات تقديم الإستشارات العسكرية للنظام السوري الى قيادة الحرب.

رُصد ألف مقاتل من النخبة التي التقطت الأقمار الصناعية صورهم في إجتياح القرم، إضافة الى طائرات وهيليكوبترات ودبابات وأجهزة تنصُّت وتشويش وأنظمة مراقبة جوّية متحركة وغيرها.

كلما اهتز النظام السوري، تُسارع القوى الداعمة له الى زيادة تدخّلها لإنقاذه. ففي عام 2013 أرسل «حزب الله» مقاتليه الى سوريا، ثم أُرسلت ميليشيات من إيران والعراق لتغطية النقص العددي في القوات النظامية السورية، وبعد التطورات الميدانية العسكرية خلال الأشهر الماضية إضطرت روسيا الى التدخّل المباشر.

هذا التدخّل، من الطبيعي أن يُقلق الجماعات المسلحة المعارضة، لأن من شأنه أن يؤدّي إلى تآكل زخمها في ساحات المعركة، ويُطيل في عمر الحرب. لكنها تتذكر التدخّل الروسي في أفغانستان سابقاً وكيف اضطر الروس الى الإنسحاب منها بفعل حروب العصابات وضربات المسلحين.
اليوم يدخل الروس الى سوريا، كما دخل الأميركيون الى العراق وأفغانستان. السؤال كيف سيخرجون؟