الحراك الشعبي يزداد مع الخطط الممعنة في الفساد من السلطة , ودعم دولي للحوار

 

السفير :

لم تكد الحكومة تتنفس الصعداء بإقرارها خطة «آخر الليل» الهادفة الى إيجاد حلول قصيرة وبعيدة المدى لأزمة النفايات، حتى جاءها الجواب سريعا. تعبيرات شعبية، ولو أن بعضها كان متواضعا، من عكار الى صيدا مرورا بالناعمة وبرج حمود والبقاع، تقاطعت عند رفض الخيارات الحكومية برغم كل الرشى التي قدمت سابقا في ظروف و«مناسبات» مختلفة وظلت حبراً على ورق، وخصوصا في البقاع والشمال.
مستوى الفساد جعل الناس يقيمون في الشارع. نَفَسهم صار أطول، وقدرتهم على «التطنيش» صارت أقل. من الخلوي إلى الكهرباء والماء فالضمان الاجتماعي وصولاً إلى النفايات، مروراً بالفشل السياسي رئاسة ومجلساً نيابياً وحكومة. طفح الكيل عند الناس فكسروا الخوف، ونقلوه إلى السلطة التي لم تشعر يوماً بالضغط الذي تشعر به اليوم. السلطة التي اعتادت التصرف بأموال الشعب كما يحلو لها، بعدما شلّت المؤسسات الرقابية، تنبهت فجأة إلى أن هذا الشعب صار رقيباً على كل صفقاتها المشبوهة.
و«الأخطر» أن الحالة الشعبية لم تعد «هبّة وتنتهي»، بل هي تكاد تتحول مع الوقت ومع عجز السلطة الكامل، إلى مؤسسة حقيقية. هذه المؤسسة لا تطرح نفسها بديلاً، بل جلّ ما تنادي به هو وقف سرقة الناس لأن الكيل قد طفح.. مثلما تنادي بتطبيق القوانين والدستور لأنه وحده الكفيل بإغلاق مغارة علي بابا. فمن عايش توسّع تلك «المغارة»، يؤكد أن مستوى الفساد المتفاقم اليوم يعود ببساطة إلى عدم تطبيق القوانين. فيما يعود الشلل المؤسساتي إلى الإصرار على عدم تطبيق الدستور، بحيث يصبح إقرار الموازنة تفصيلاً (عشر سنوات من الصرف وفق القاعدة الاثني عشرية) وإجراء الانتخابات ترفاً وانتخاب الرئيس بلا جدوى، ويصبح مجلس الوزراء لزوم ما لا يلزم ومجلس النواب منبراً للوجاهة.. ثم يصبح مفهوماً أن لا تعلو مؤسسة على «مجلس الملل».. المسمى تلطيفاً «طاولة الحوار».
ومن يريد أن يرسم جدولاً بيانياً للسرقات المتراكمة، يركز على العامين 1996 و1997. ليس شكلياً ما قامت به الدولة حينها لتخفيض العجز، أو بشكل أدق، للإيحاء بتخفيض العجز. ولمن لا يتذكر، فإن التغذية بالتيار الكهربائي في ذلك الوقت كانت قد وصلت إلى ما بين 21 ساعة و24 ساعة يوميا، قبل أن تتراجع فجأة، بعدما عمدت الحكومة إلى الاحتيال على القانون من خلال عدم إظهار العجز الحقيقي للكهرباء في الموازنة.
وعليه، توقف الاستثمار، وحتى الصيانة في القطاع، فيما لم يُسدد هذا العجز الناتج من دعم كلفة الكهرباء نظامياً من الخزينة، كي لا يسجل عجزاً في الميزانية.. قبل أن يتدحرج الحجر فتتوقف الاستثمارات ويتحول قرار التقنين إلى أمر واقع ينهك الناس.. ولا يزال، وتتحول مأساة الكهرباء إلى تهمة يتقاذفها السياسيون.. ولا يزالون، فيما الأرقام وحدها تحكي.
وحدها الكهرباء حمّلت الدولة حوالي ملياري دولار سنوياً بما يوازي 23.2 مليار دولار من العجز المستمر، أي أن الكهرباء تأكل حوالي 48 إلى 50 في المئة من عجز الموازنة سنوياً، والسبب هو الهدر والسمسرات على التلزيمات المتوقفة، ناهيك عن مافيا الفيول وبواخرها ورسوم تأخيرها.

النهار :

اخترقت الجولة التي بدأها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي امس على منطقة عاليه جانبا من المشهد الداخلي، واتخذت أبعادا بارزة بدخولها من خلال مواقف الراعي وأركان طائفة الموحدين الدروز الدينيين والسياسيين الذين كانوا في محطات استقباله، على صلب الازمات الحارة التي تعيشها البلاد سياسيا واجتماعيا وخدماتيا. وتزامن اليوم الاول من هذه الجولة مع تصاعد حركة الاعتراضات في عدد من المناطق على خطة وزير الزراعة أكرم شهيب لإنهاء أزمة النفايات والتي وافق عليها مجلس الوزراء، واسترعى الانتباه ان الوزير شهيب وخطته حظيا بدعم قوي من البطريرك الراعي الامر الذي شكل احدى الرسائل البارزة في المواقف التي أطلقها البطريرك في اتجاهات عدة. فهو حيا شهيب على خطته التي وصفها بأنها "خريطة طريق للتخلص من وصمة العار على جبين اللبنانيين". كما خاطب شيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن في دارة الاخير قائلا: "نحن وإياكم أم الصبي ونناشد من هذه الدار السياسيين: يكفي تصالحوا" مشددا على ان الحل الوحيد "لينتظم كل شيء هو انتخاب رئيس للجمهورية". وخص ايضا التحرك المدني بلفتة شكر "لانهم يطالبون بوضع حد للفساد". ودعاهم الى "تصويب المطالب نحو مطلب أساسي هو المدخل الرئيسي لكل الامور وتلبية كل المطالب وهو انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت".
وفيما تكرر مشهد الاعتصامات احتجاجا على اعتماد مطامر في مناطق صيدا وبرج حمود ومجدل عنجر، علمت "النهار" أن موضوع أزمة النفايات الذي عاد الى دائرة العرقلة استدعى اتصالات وتحركا متجددا للوزير شهيب صاحب خطة الحل التي أقرّها مجلس الوزراء في جلسته الاستثنائية الاخيرة. وقالت مصادر وزارية أن الخطة استوفت قبل إقرارها التغطية السياسية والفنية والمالية. وكان رئيس الوزراء تمام سلام حازما عندما وجد أن الجلسة ستنتهي من دون إقرار الخطة فقال: "غدا لن تكون هناك حكومة". كما أن وزيري الكتائب سجعان قزي ورمزي جريج ووزير الاتصالات بطرس حرب هددوا بالاستقالة إذا لم تقر الخطة. لكن المصادر لاحظت أن الطرف الذي يعطّل إنتخابات رئاسة الجمهورية وعمل الحكومة هو الذي يعطّل الان خطة النفايات ويطالب بمقايضة تسهيل هذه الخطة بموضوع الترقيات العسكرية الامر الذي اعتبرته مصادر بارزة في قوى 14 آذار محاولة لتغطية ما يدور في سوريا حيث تتسارع وتيرة التطورات لغير مصلحة النظام و"حزب الله". ودعت الى ابقاء عين على الحوار وعلى الحكومة وعلى الشارع والاقليم لتكوين فكرة واضحة عما يجري.

درباس
وفي هذا السياق، صرح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ"النهار" بأن الوزير شهيّب يعالج الامور "بهدوء والمطلوب هو ضوء أخضر من القوى السياسية للانطلاق في تنفيذ خطة النفايات، علما أن حضور وزيري حزب الله والتيار الوطني الحر حسين الحاج حسن والياس بوصعب جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية كان بمثابة موافقة إيجابية على الخطة".

 

المستقبل :

بينما تتهافت أيدي النكء بالعواطف المذهبية والأهلية والمناطقية سعياً إلى طعن الحل البيئي الوطني الموضوع لأزمة النفايات وطمره في مهده، مستخدمةً كافة أدوات النبش في «أكوام» الأزمة ومتعمدةً إعادة تدوير وتحوير «خطة شهيب» بشكل يجافي حقيقة مضامينها ومعاييرها العلمية والصحية، طفت على سطح الأنباء المتداولة على هامش الأزمة معلومات وإيحاءات مغلوطة خلال الساعات الأخيرة حاولت التعمية على المعطّلين الحقيقيين والمحرّضين الفعليين على العرقلة، سواءً كانوا من العونيين في عكار وبرج حمود أو من البعثيين في البقاع، من خلال ضخ إشاعات تهدف إلى رمي كرة العرقلة في ملعب تيار «المستقبل» والقول إنه يعترض على الخطة ويتحفظ عن تنفيذها في مناطق نفوذه، الأمر الذي نفاه رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة جملة وتفصيلاً مؤكداً أنّ «المستقبل» يدعم خطة شهيب لحل أزمة النفايات بلا تحفظ.
وقال السنيورة لـ«المستقبل»: «نحن نؤيد الخطة التي أقرتها الحكومة ونبذل الجهود اللازمة في كل المناطق لتأمين سبل تطبيق الحل الوطني الذي تضمنته هذه الخطة بغية إنهاء الأزمة». وعمّا أشيع من أجواء وأخبار تتحدث عن اعتراض صيداوي على الخطة، جزم السنيورة بأنّ «صيدا تؤيد الحل الوطني وهو موقف عبّر عنه بوضوح رئيس بلديتها محمد السعودي، سيّما وأنّ معمل المدينة الخاص بمعالجة النفايات قادر على استيعاب 250 طناً من النفايات يومياً»، مع الإشارة في الوقت عينه إلى حاجة المدينة إلى «مطمر للعوادم» نظراً لافتقارها حالياً إلى مثل هذا المطمر.
أما على مستوى «التسونامي» التعطيلي المتنقل بين ضفاف الأزمة، فكشفت معلومات موثوقة لـ«المستقبل» أنّ التيار العوني يعمل ليل نهار في سبيل وأد الحلول الموضوعة من قبل الحكومة في ملف النفايات، فبالإضافة إلى محاولات تحوير مضامين خطة شهيب والإيحاء زوراً بأنها تنص على إجراء «تلزيمات بالتراضي» في المناطق بينما هي لا تتضمن في نصّها أي شيء من هذا القبيل، يجهد العونيون من جهة أخرى في سبيل تأليب أهالي عكار على الخطة وتحريضهم على رفض تطوير مكب سرار العشوائي وتحويله إلى مطمر صحي وبيئي يراعي المواصفات العالمية بشكل يرفع الضرر والأوبئة عن كاهل أبنائها، في وقت يتعرض حزب «الطاشناق» من ناحية ثانية لضغوط عونية بالسر والعلن لدفعه إلى رفض تطوير مكب برج حمود وتحويله من «جبل» عشوائي للنفايات إلى منشأة صحية تخوّل أهالي المنطقة اكتساب مساحة أرض جديدة تقام عليها رقعة خضراء وحديقة عامة تابعة للبلدية التي ستحصل بموجب الخطة على حوافز خاصة بها وبالبلديات المحيطة بالموقع. غير أنّ مسؤولي «الطاشناق» لا يزالون يدرسون المسألة ولم يعطوا جواباً نهائياً بعد حيال موقفهم من تأهيل مكب برج حمود بانتظار اكتمال الدراسة التي تعمل اللجنة المختصة على إعدادها والمتوقع انتهاؤها بعد غد الاثنين.
وفي البقاع، كشفت مصادر ميدانية لـ«المستقبل» أنّ الأحزاب الموالية للنظام السوري، من بعثيّين وغيرهم، دخلت على خط تحريض الأهالي لرفض خطة الحكومة وأوعزوا في هذا السياق إلى منظماتهم الشبابية لركوب موجة الاعتراضات في الشارع وتأجيج المشاعر الطائفية والمذهبية بين أهالي المنطقة لعرقلة خطة شهيب التي تنصّ على استحداث مطمر صحي في المنطقة الحدودية الواقعة بعد مركز المصنع، لافتةً الانتباه إلى أنّ «حزب الله» كان في واجهة المعترضين على استحداث مطمر في المنطقة الحدودية مع سوريا ثم ما لبث أن تراجع تحت ضغط اللجنة المختصة والمعايير الصحية والمناطقية التي اعتمدتها أثناء إعداد مشروع الحل المتوازن.
وفي الغضون، تتجه اللجنة الفنية المكلفة التحضير لتنفيذ الخطة إلى عقد سلسلة اجتماعات مع اتحادات البلديات في كل من عكار والبقاع، وفق ما كشفت مصادر اللجنة لـ«المستقبل»، معربةً عن أملها في أن تساهم هذه الاجتماعات في تظهير الصورة الحقيقية للخطة أمام الجهات البلدية المعنية والإضاءة بشكل علمي وبيئي على مضامينها الصحية والانعكاسات الإيجابية المتوخاة منها.

الديار :

التطورات الكبيرة والتاريخية التي تشهدها سوريا، تجعل من كل ابناء الشعب السوري يعيشون الخطر الحقيقي اليومي، لكن الموضوع الدرزي، في جبل العرب والقنيطرة يكتسب اهمية استثنائية للموقع التاريخي لمنطقتي جبل العرب والقنيطرة، وامتداداتهما باتجاه الاردن وفلسطين المحتلة ولبنان واقامة المنطقة العازلة بين سوريا وفلسطين والاردن ولبنان وهذا ما تخطط له اسرائيل.
الوجود التاريخي للدروز في السويداء والقنيطرة، يجعلهم يمثلون خط الدفاع الاول عن دمشق، واذا سقطت السويداء سقطت دمشق وبالتالي سقط كل المشروع المدعوم ايرانيا وروسيا وبالتالي سقوط النظام السوري، ولذلك فان حماية دمشق تبدأ من حماية السويداء، ومن هنا يكتسب موضوع جبل العرب الاهمية الاستثنائية حيث ينتشر الموحدون الدروز في هذه المناطق ويجعل وجودهم موضوع «تجاذب» لكل القوى الاقليمية الدولية التي تتصارع على الاراضي السورية.
ولذلك وحسب مصادر درزية فان الوضع الدرزي، دقيق جدا. وهذا ما يجعل الدروز يعيشون اخطر مرحلة في تاريخهم، واي دعسة ناقصة ستجعلهم يدفعون الثمن الكبير، بعيدا عن «غوغائية البعض» وكذلك باتت الورقة الدرزية ابعد من معادلة ولعبة القيادات الدرزية في سوريا ولبنان وفلسطين وبكل توجهاتهم واصبحوا لاعبين في الخطوط الخلفية فيما اللاعبون الاقليميون يتصدرون الواجهة ولا شك وحسب هذه المصادر فان اغتيال الشيخ وحيد البلعوس احدث انقساما وشرخا داخل الطائفة الدرزية وسرعان ما تم لملمته سريعا من قبل مشايخ العقل في سوريا ومن اقرباء الشيخ البلعوس لادراكهم حجم ما يخطط لجبل العرب، وبالتالي عاد الهدوء الى السويداء، وعادت مراكز الشرطة وانتشر الجيش مجددا، في ظل قرار من دروز سوريا بمنع دخول التكفيريين الى قراهم ووقوفهم خلف الجيش السوري وهذا ما تؤكده الوقائع الميدانية حيث سقط اكثر من 3500 شهيد درزي في صفوف الجيش العربي السوري واكثر من 6000 جريح بينهم 500 اصاباتهم دائمة بالاضافة الى مخطوفين حتى ان نسبة التطوع في الجيش العربي السوري من الدروز في الدفاع الوطني من الاعلى نسبة بين الشعب السوري.
وهذا في الظاهر اما في الخفاء فان كل المعلومات تؤكد ان الهجوم الارهابي من الاردن باتجاه السويداء منذ 3 اشهر كان قد نجح بشكل كامل ووصلت قوات المعارضة الى مطار الثعلة العسكري وسط انهيارات سريعة في الجيش العربي لكن الظروف العسكرية وحسب المتابعين تبدلت على الارض مع دخول الطيران السوري الحديث والمتطور للمرة الاولى في المعركة وهو طيران روسي الصنع. وقصف بكثافة مواقع القيادات العسكرية للمسلحين بكثافة وعبر صواريخ متطورة وقادرة على تدمير الانفاق، كما انهالت مئات القذائف المدفعية البعيدة المدى ومصدرها «الساحل السوري» ومن مختلف العيارات وقادرة على التدمير ضمن مساحات واسعة. وامتد القصف
من الحدود الاردنية حتى القنيطرة، وتم تعطيل معظم مراكز المسلحين، وانكفأ المسلحون عن مطار الثعلة القريب من السويداء، علما ان اهالي السويداء يؤكدون ان القصف الجوي والبري لا قدرة للجيش السوري على القيام بذلك في الظروف الحالية.
وتؤكد المعلومات ان هناك قرارا روسياً واضحا وصريحاً ابلغ الى الاردن وتركيا ودول الخليج عنوانه ومضمونه «ممنوع سقوط السويداء، وممنوع تهجير الدروز، وممنوع سقوط دمشق» كما ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ابلغ قيادات درزية «سقوط السويداء يعني سقوط حارة حريك».
وتشير المعلومات «ان الاردن تلقى الرسالة الروسية «ولذلك جبهة السويداء هادئة منذ اشهر ولم يحصل اي اشتباك كبير او اي محاولة تقدم للمسلحين وسط تعزيزات عسكرية كبيرة للجيش السوري واسلحة من مختلف العيارات.
وتضيف المعلومات ان وفداً من فاعليات الطائفة الدرزية في سوريا زار السفارة الروسية في دمشق والتقى كبار المسؤولين، وان الوفد حصل على تطمينات جدية وضمانات، بأن سقوط السويداء لن يحصل، وان روسيا «مؤتمنة» على حماية الاقليات في سوريا، وهذا قرار من القيادة الروسية.

الجمهورية :

الحكومة أمام اختبار دقيق يتصل بمدى قدرتها على تنفيذ مقراراتها، لأنّ عجزها عن تطبيق خطة الوزير أكرم شهيّب للنفايات التي نالت موافقتها يؤشّر إلى أمرين: فقدانها القدرة على ممارسة دورها كسلطة تنفيذية، ودخولها في موت سريري بانتظار تأليف حكومة جديدة. وهذا التطور استدعى طرح السؤال الآتي: هل أزمة النفايات من طبيعة تقنية أم سياسية ترمي بالدرجة الأولى إلى شَلّ الحكومة وتعطيلها في سياق خطة متكاملة تهدف إلى تظهير عجز النظام السياسي عن الاستجابة لتحديات الناس، وبالتالي تبرير المطالبات بإسقاط هذا النظام والبحث عن آخر بديل؟ فخطة شهيّب أخذت في الاعتبار آراء أصحاب الاختصاص، ولم تبصر النور قبل أن تتشاوَر مع الجمعيات التي تقود الحراك في الشارع، واستندت إلى معايير بيئية وصحية، وراعت التوازنات المناطقية والطائفية. وبالتالي، فإنّ رفضها لأسباب تقنية لا يقدّم إجابات مُقنعة عن التساؤلات التي يضجّ بها الوسط السياسي حيال خلفيات أزمة النفايات، والوظيفة التي تريد بعض القوى السياسية تحقيقها عن طريق هذه الأزمة. وفي هذا السياق يرى البعض أنّ وراء كَفّ يد الحكومة عن هذا الملف وضعه على طاولة الحوار بغية كسر ترتيب قوى 14 آذار لأولوية بند رئاسة الجمهورية، حيث يُصار إلى وضعها في مواجهة الرأي العام، وليس فقط قوى 8 آذار، من زاوية انها ترفض مقاربة هذه القضية الصحية-البيئية لأسباب سياسية-رئاسية، وفي اللحظة التي تتراجع فيها عن هذا الترتيب يتسلّل قانون الانتخابات الذي يشكّل تقاطعاً بين 8 آذار والمتظاهرين لأخذ البلد نحو مرحلة جديدة. هناك من يعتبر أيضاً أنّ الهدف من شلّ الحكومة وضع كل شؤون البلد في يد هيئة الحوار للتدليل على تعطّل كل المؤسسات الدستورية، والقول إنّ البلاد دخلت في حقبة انتقالية تأسيساً لمرحلة جديدة. وفي هذا السياق لا يستبعد هذا البعض أن يكون الهدف من التعطيل تمرير الخطة العونية التي قيل انها ستعلن مطلع الأسبوع المقبل.
ولكن في مطلق الأحوال، إنّ محاولة إسقاط خطة شهيّب في الشارع يعني إسقاط الحكومة حتى لو لم تسقط دستورياً بفِعل الوضع الدستوري المعلوم، وإعادة تعويم الشارع واستنهاضه بعدما شهدت التظاهرة الأخيرة في 9 أيلول تراجعاً في المشاركة والحضور، خصوصاً أنّ حلّ أزمة النفايات كان سيؤدي إلى تنفيس الاحتقان وتراجع حركة الشارع لمصلحة المعالجات السياسية، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل خطة شهيّب أخافَت من يريد الاحتفاظ بورقة الشارع؟
وأليس الهدف من ضغط الشارع الوصول إلى خطة من هذا النوع، أم أنّ الهدف استخدام ملف النفايات لغايات مجهولة-معلومة؟ لا يمكن الكلام من اليوم عمّا سيؤول إليه هذا الملف، لأنّ الاتصالات ما زالت قائمة على قدم وساق، والوزير شهيّب أبقى أبوابه مفتوحة لكلّ المراجعات والتساؤلات من أجل تسييل الخطة وطَي صفحة النفايات التي هزّت اللبنانيين وكادت «تهزّ» الاستقرار السياسي، هذا الاستقرار الذي ما زالت شبكات أمان عدة تظلله بدءاً من المجتمع الدولي مروراً بالحرص السعودي-الإيراني وصولاً إلى حوار «المستقبل»-«حزب الله» الذي يعقد جولته الثامنة عشرة الثلثاء المقبل عشيّة الجلسة الحوارية الثانية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
شهيّب لـ«الجمهورية»
وفي هذا السياق قال وزير الزراعة اكرم شهيّب لـ«الجمهورية»: «أعتقد أولاً انّ هذه الحركة الاعتراضية الناشئة والمعادية ناتجة عن عدم فَهم للخطة وعدم موضوعية المعترضين في التعاطي معها، فالمناطق التي يتظاهرون فيها، أي عكار والمصنع، لديها أصلاً مكبّات غير صحية تؤثر بشكل كامل على البيئة، بينما المطامر هي الحل الأنجز والأسلم. فنحن نحاول أن نصحّح الضرر على فترة سنة وثمانية أشهر، في الوقت الذي ستؤدي فيه عملية الطمر الى مكاسب مباشرة.
ثانياً والأهمّ، اننا نقوم بتدريب البلديات وجوارها على المرحلة المُستدامة وحتى يكون للبلديات مراكز في المستقبل يستفيدون منها بشكل مباشر. نحن حاضرون لمحاورتهم والحديث والتفاهم معهم بما يخدم مشاريعهم. وغير صحيح انّ هناك منابع مياه بجانب الاماكن التي تمّ اختيارها للطمر، فالفريق الذي أنجزَ الخطة هو فريق بيئي تقني وليس فريقاً سياسياً».
واضاف: «أمّا في ما يتعلق ببرج حمود فلا علاقة له بالمكبّ، بل هو استصلاح لموقع ضَرره كاملاً، ومساعدة البلدية على كسب 330 ألف متر مربع. فمِن حقّ بلدية برج حمود ان تستفيد منه لأنها تحمّلت عن الآخرين في مراحل سابقة انما بعد تسوية هذا المكبّ وفَكفَكته، ونحن مضطرون لأخذ بعض المواد الموجودة في داخله، والتي يجب ان تُطمر، فسنُنشىء خلية ونضع فيها هذه الكميات ونغلّفها بغشاءmembrane تحضيراً لطمرها، وبعد 6 اشهر يمكن استعمال بعض النفايات من المحيط في المنطقة نفسها حتى تمتلىء ونُقفلها.
وبهذا نكون قد أمنّا لهم هذه الارض وأنقذناهم من هذه الدرنة. وفي الوقت نفسه اذا سارت الخطة بشكل صحيح سنتخلّص من شيء اسمه مركز المعالجة والكومبوست في برج حمود الى جانب الاستفادة المالية».
وقال: «أمّا اذا أرادوا أن يتعاطوا معنا على طريقة «عَنزة ولَو طارت»، فلندَع كل منطقة تعالج نفاياتها. نحن دعونا كل من يريد الاستفسار للقائنا، وطلبنا موعداً من برج حمود، وسنستقبل أهل عكار، وسنذهب الى اهل منطقة السلسلة الشرقية. أنا وفريق العمل حاضرون.
امّا موضوع الناعمة فيختلف، لأننا بحاجة لإقفاله نهائياً وتَتريبه وبَدء إنتاج اعمال الكهرباء فيه. نحن امام خطة تكاملية، فإذا سارت خطة عكار والمصنع والسلسلة الشرقية لا مانع من استعمال مطمر الناعمة لمدة 7 ايام لإقفال الخلية الاخيرة، وإلّا سنخسر كل شيء. وأعتقد انّ شباب الناعمة، في حال سارَت الخطة، لن يكونوا عقبة من أجل حلّ مشكلة وطنية والاستفادة من إنهاء المطمر نهائياً والاستفادة من إمكانياته.
نحن حالياً في مرحلة من عدم الفهم وردّات الفِعل المتشنجة، وسنسعى جاهدين للتواصل مع هؤلاء الناس الذين هم أهلنا لحلّ هذه المشكلة. ونحن أمام فترة من اللقاءات والاجتماعات سنبدأها غداً (اليوم) لشرح الامور وطرح المشكلة.
واذا كان لدى أحد ايّ حلّ او طرح آخر صحي وبيئي، فنحن جاهزون لاعتماده. وضعتُ في 7 ايام خطة كان يفترض بالحكومة ان تضعها في سنتين. ونحن سنظلّ نشرح للناس حتى يميّزوا بين الخير والشر، وإلّا البديل هو ان تدخل النفايات الى بيوتنا».