بعدما نزعت الطبقة السياسية والرؤساء عباءة الحكم والمسؤولية عن أكتافها ناعية هيبة الدولة معها، بتنا نعيش في أرض لا تحكمها سوى شريعة الغاب، حيث يضطر المواطن أن يأخذ حقه أو ما يريده بيده، في ظلّ غياب تطبيق القانون والمحاسبة. ويبقى الأستاذ ضحيّة الفساد، هو من علّم وأسّس وربّى أجيالاً ليرتقي الوطن ويعتلي بمواطنيه. فلا يكفي استكثار راتبه عليه أو حرمانه من سلسلة الرتب والرواتب، حتى أصبحت الأيادي تنهال عليه بالضرب بدلاً من شكره على تعبه وسهره على مصلحة التلميذ. هذا ما حصل مؤخراً مع مسؤول القسم الثانوي في مدرسة الفرير في ددّه الأستاذ جيلبير حلال الذي نقل صباح الثلاثاء الأوّل من أيلول إلى المستشفى بعد تعرّضه للضرب من قبل ولي الأمر خالد طبّو مطالبًا ترفيع ابنه الراسب في صفه العام الماضي بمعدّل 7/20. إليكم تفاصيل الاعتداء.

 

كان الأستاذ جيلبير حلال على علاقة طيبة مع ولي الأمر خالد طبو، ولكن رسوب ابنه جعله يهدده أكثر من مرّة قبل أن يعتدي عليه، هذا ما أفصح عنه لـ "النهار" "ما حصل أمر أكاديمي بحت لأنني مسؤول إداري بالدرجة الأولى. وقد سبق وتلقيت شخصياً مجموعة من التهديدات الهاتفية التي تتناول مضمون "مش حخليك ترتاح"، كما نال أخي وهو مدير بنك، قسطاً منها. إذ توجه الوالد إليه كما جاء إلى الضيعة ومختار الضيعة." بعد تلقيه التهديدات هذه، قام المدير بإبلاغ الأجهزة الأمنية "ووضعناهم في الجوّ، ووعدونا بحلحلة الموضوع، ونحن نمنا على حرير إلى حين حلول يوم الثلاثاء". "صباح الثلاثاء، وفي بداية الدوام لأنّ دوامنا يبدأ في الأول من أيلول. بينما كنت في مكتبي مع السكريتيرة أنجز بعض المهام، في حين كان التلاميذ يُجرون امتحانات الإكمال السائرة بشكل طبيعي في الطابق، وبينما كنت جالساً إلى مكتبي، دخل خالد طبو بطريقة همجية لا توصف، وانهال علي بالضرب وعلى رأسي بالدرجة الأولى. فرحت أهرب من المكتب لأنقد نفسي، إلى أن ضربني بماغ الزجاج للنسكافيه الذي كان على مكتبي، فوصلت إلى الباب وكان الدم يسيل من رأسي بشكل غير طبيعي فيما انتشرت قطع البورسولين على الأرض." وأشار حلال إلى أنه لم يتعاطَ مع طبو لا بالكلام ولا حتى جسدياً. وأضاف "أعاطني الله قوة فلم يصبني الدوار ولم أقع أرضًا."

 

 

المدام: "قوصو براصو"

 

 

خلال هذه المعركة شاركت زوجة خالد طبّو في الاعتداء، فكانت تحرّضه على قتل حلال، ويُكمل الأخير "وفيما أنا خارج من المكتب متوجهاً نحو الإدارة، وإذ بي ألتقي بزوجته جويل طبو التي كانت تقول له "قوّصو براسو"، لكني لم أكترث لها لأنني أردت أن أنقذ نفسي وأداوي جرحي. وصلت إلى الإدارة حيث تجمّع الناس ونقلوني إلى المستشفى. حاول بعض الزملاء في المدرسة إيقافه إلاّ أنهم لم يتمكنوا من ذلك، وقد نال الزميل وفيق عيد نصيبه فتأذّى جسدياً، عند محاولته إيقاف طبو فدهسه بالسيارة. فيما بقيت في المستشفى لمدّة ساعتين تقريبًا لتقطيب رأسي بحوالي 18 قطبة."

 

 

الإجراءات القانونية والتقصير

 

 

ما كان من حلال ومدرسة الفرير سوى التحرّك قانونياً لتحصيل حقّ الأستاذ والمحافظة على كرامته. "فأجرى المخفر تحقيقه، وقدّم الطبيب الشرعي تقريره، وأصدرت القوى الأمنية مذكرة بحث وتحرّي لإلقاء القبض على الجاني. كما أنّ مدير المؤسسة الأستاذ سليم جريج قدّم بلاغًا لدى النيابة العامة بعد مرور 24 ساعة من الحادث".

 

 

ولكن يصيب حلال شيء من الأسى إذ "حصل الاعتداء في مدرسة الفرير التابعة لرهبنة "إخوة المدارس المسيحية" التي لم يبقّ منها في لبنان سوى سبع مدارس. والمدرسة قائمة في لبنان منذ 130 سنة، والرهبنة تابعة للفاتيكان ومتواجدة في 82 دولة في العالم... لكن لا أعرف كيف مرّ هذا الاعتداء مرور الكرام خلال انعقاد مؤتمر المدارس الكاثوليكية في الأوّل والثاني من أيلول. ثمّة تقصير من الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في هذا الأمر. فقد أصدرت المدارس المسيحية بيانًا بعد مرور 48 ساعة على الحادث في حين بلغ ذروته خلال المؤتمر".

 

 

العقوبة أو التصعيد

 

 

يتوجّه حلال بالشكر لنقيب المعلمين في المدارس الخاصة الأستاذ  نعمة محفوظ الذي اتخذ الإجراءات اللازمة فور وقوع الحادث، وأوضح محفوظ لـ "النهار" أنه اتصل بمدير عام وزارة التربية الأستاذ فادي يرق لإبلاغه بالاعتداء لأنّ الوزير بو صعب غائب عن السمع. وعليه أعطت نقابة المعلّمين مهلة ثلاث أو أربع أيام للقبض على الجاني ومعاقبته، وإلاّ سيتمّ الاتجاه نحو التصعيد. وستعمد مدرسة الفرير مع معلّميها إلى إعلان الإضراب مع كلّ منطقة الشمال في أمر من نقابة المعلمين". ويتوجّه محفوظ إلى المسؤولين "عليكم أخذ حقّ هذا الأستاذ وإعادة الاعتبار له. وفي حال لم يوقَف الجاني ويُعاقَب، سيتّجه أساتذة المدارس عبر النقابة نحو التصعيد لئلا يتكرّر التعدي في مدارس أخرى في الشمال في حال عدم المحاسبة أو المعاقبة، حيث سنقبل على خطوة كبيرة"، واصفاً ما حصل بالاعتداء على كرامة الأستاذ.

 

 

وزير التربية غائب عن السمع

 

 

في حين أشار حلال أنّ "وزير التربية سيتابع الأمر مع  وزير العدل"، قامت "النهار" بالاتصال مرات عديدة بمعالي  وزير التربية الياس بو صعب للاطلاع على المزيد من التفاصيل، ولكن دون جدوى. حتى إنّ المسؤول عن ملف الاعتداء، الأستاذ عماد الأشقر لم يجب على اتصالاتنا في مكتبه، ولا حتى على جوّاله الخاص الذي كان خارجاً عن نطاق التغطية. فهل هذا يعني التهرّب من تحمّل المسؤولية؟

 

 

يبقى على الوزراء المعنيين والمسؤولين إتمام واجباتهم وأخذ التحذير بمحمل الجد من أجل إعادة كرامة حلال وكل أستاذ ومعلّم تنتهك كرامته كلّ يوم من قبل اولياء الأمور الذين يتناسون واجباتهم في مشاركة المعلّم في تنشئة أولادهم. ومسؤوليتهم أيضاً فيما يتعلّق بسلسلة الرتب والرواتب، لإنصاف حقوقهم وتعبهم وتقدير مجهودهم. فلا يجب أن يتناسى معاليهم وسعادتهم أنّه لولا أساتذتهم لما كانوا جلسوا يوماً على تلك المقاعد.

 

(يارا عرجة)