لا يروق رئيس مجلس إدارة "أل بي سي آي" بيار الضاهر ونائبة مديرة الأخبار في "الجديد" كرمى خياط الكلام حول مبالغة في النقل المباشر لحراك الشارع واحتمال أن تكمن وراء الصورة نياتٌ وخلفيات. يمتعض الإثنان أمام استفهامات تتعلّق بالغاية من فتح الهواء ساعات وتكرار وجوه تكرّر الكلام إياه. ذلك ليس نكراناً لدور الإعلام في تبنّي القضايا وليس بخساً لجهد واضح يُبذل، بل سؤال فحسب حول التغطية وما يُراد منها.

 

 كنا لنتّهم بالخواء والتقاعس أيَّ إعلام ينأى بنفسه في هذا الظرف أو ينقل نبض الشبان من غير نَفَس. نحن إذ نطرح أسئلة عن القصد من إبقاء  ندى أندراوس أو  ديما صادق حتى منتصف الليل في  ساحة الشهداء، فذلك لأننا نخشى أن ينقلب إلى الضدّ ما يزيد على الحدّ. الشارع من تلقائه يتحرّك والإعلام في جله سَنَدٌ، لكنّه لافتٌ بعض الشيء أن تتفرّغ "أل بي سي آي" للنقل بهذه الكثافة. أي أن لا يحمل المراسل ما يضيف، ورغم ذلك يستمرّ في ملء الهواء. ثم يصبح الحدث مُصوّراً تعرَّض للضرب ومراسلة جُرحَت قدمها، فتهبط الكاميرا في اتجاه القَدَم لتُبيّن الضرر كما حدث مع رنيم بو خزام، ولاحقاً توثّق الخبر: "بالفيديو: مراسلة "أل بي سي آي" حافية القدمين على الهواء"، مرفقاً دائماً بعلامة التعجّب.

 

أخبار ذات صلة

          التحرك في وزارة البيئة من منظور القانون... وهذا تقييم "طلعت ريحتكم"

شعارات بخطّ اليد وبدل الأربعة دولارات

 

خارجُ البحث نقلُ انتفاض الشارع وحلم الشبان بعيش كريم، وإنما ما يفرض التوقّف عنده- عدا اختلاط المهنية بالحماسة، وذلك متوقَّع- تعمُّد بثّ لعلّه ليس عابراً، وإن لم ينطوِ على سوء نيّة. لا تُخفي كرمى خياط عودتها أخيراً من  قطر، رافضة للزيارة أيّ أبعاد. تقول إنّ قطر ليست  إسرائيل ومن البديهي أن تُزار في أيّ ظرف. تشرح أنّه من المعيب ربط سبب السفر بإحضار أموال للحراك المدني كما يُشاع، أو تورّط المحطة بصفقة عنوانها مصالح الدول ضدّ صرخات الشعب. زيارة قطر هدفها بتّ مشروع الكابلات وضمّ محطة "بي إن سبور" التابعة لشبكة قنوات "الجزيرة"، إلى "أو أس أن"، ليستوجب ذلك اقتطاع بدل الأربعة دولارات من أصحاب الكابل إلى التلفزيونات. الضاهر الآتي من قطر يُقدّم بدوره القراءة ذاتها. كلاهما يرفض منطق المؤامرات ويرى أنّه بالنقل المباشر يؤدّي واجبه. تقول خياط إنّ الحراك موجود أولاً في الشارع، و"الجديد" أيّدته منذ البدء. تبدو ممتعضة من تُهم تطال سلوك المحطة، وبنبرة الساخط على الزمن تقول: "هل نحن مَن رمينا  النفايات على الطرق وأفقرنا الشعب؟ هذا مضحكٌ فعلاً. فليتفحّصوا تيكيت الطائرة وليتأكّدوا بأنّي مَن دفعتُ ثمنها وليست قطر. أسافر دائماً وفق متطلّبات العمل، ومن المعيب القول إننا ندسّ أموالاً قطرية لنحرّض الشعب. راقبوا المشهد جيداً: هي المرة الأولى ربما تُرفَع فيها شعارات مكتوبة بخطّ اليد. أين الملايين؟ عيب".

 

لسنا ندين الإعلام الساعي مع الناس إلى رفع الصوت. نُسائله سؤال المُدرك أنّ الهواء ليس "خدمات" بالمجان. تعود خياط إلى تظاهرة 14 آذار حين فتحت المحطة هواءها للشارع "والكلّ آنذاك يعلم حجم الخلاف مع الشهيد الحريري"، رافضة معادلة أنّ العَظَمة والوطنية تتجلّيان عندما تستضيف المحطة زعماء الطوائف، وأمام مطالب الشعب سرعان ما تُتَهم بالتواطؤ مع الخارج والبثّ خدمةً لأجندات. تلخّص موقف "الجديد": "نؤيد التحرّك عَ راس السطح. نفتح الهواء طالما إننا أمام لحظة تاريخية. لم تتقاعس المحطة يوماً عن نقل واقع الشارع. نحن نتابع الحراك ولا نقوده. من المعيب أن يُقال إننا نقود شباناً يرفعون الصرخة خارج طوائفهم للمرة الأولى. مع محاسبة كلّ فاسد، وضدّ صفقة النفايات. لن يروق الطبقة السياسية وعي الشعب، فراحت تحيك المكائد وتستهدف الإعلام. قالوا أولاً إنّ  حزب الله يحرّك الناس، ثم السفارات واليوم قطر. كلّ ذلك لأنّ الحراك شكّل للبعض صدمة فقرّر إحباطه".

عن "حزب الله" نسأل: هل تُنزّهه "الجديد" عن لائحة الفاسدين أم تتلطّى وتساير؟ تؤكّد على أنّ المحطة مع المقاومة، لكنّ الحزب إن تورّط بالفساد فستقف ضدّه. وتختم: "كلّهم فاسدون في هذا البلد".

 

ليلى عبداللطيف ونظرية المؤامرة

 

لا يدري بيار الضاهر إن كانت لقطر يدٌ في الحراك أم لعلّه لا شأن لها في كلّ هذا. يعقّب ساخراً: "سأزور  لندن الأسبوع المقبل، هل أذهب أم لا؟ هل سيُقال بأنني ذاهبٌ إلى هناك تحقيقاً لمكسب؟". يهوى الضاهر مقاربة المسائل بالنكات. "أنا مدعوٌّ لزيارة  إيران، وسأذهب، ماذا يعني ذلك؟". يقول إنّ صلة لا تربطه بالسياسة ولا يعمل لحساب أحد. يرفض ما يُحكى عن مؤامرة خلف الحراك، ويشرح: "منذ 40 عاماً والوجوه السياسية نفسها تغزو الشاشات. لماذا يضيق البعض ذرعاً بوجوه هذه الانتفاضة؟". نسأله عن المبالغة لا النقل في ذاته، فيجيب أنّ المرحلة تتطلّب، والشارع يحمل جديداً كلّ لحظة. لكنّ الضاهر الذي لا يرى في الأمر مبالغة، أحضر خالد صاغية إلى مديرية الأخبار بعدما قدّم سابقاً له الاستقالة. بالأمس فسّر لنا سبب استدعائه: "في المحطة موظّفون طالبوا بإجازات، والظرف لا يتحمّل الفراغ. الحلّ: إما قطع الإجازات - وهذا سيتسبّب بكثير من التذمّر والعتب، أو أن يحلّ بديلٌ يلتقط نبض الشارع ويؤدي المهمّة وفق ضرورات المرحلة. عرضتُ على صاغية تسلُّم مديرية الأخبار والبرمجة السياسية هذه الفترة. وافق طالما أنّه موجود في لبنان". يدرك الضاهر تأثير صاغية في هذا الظرف، ومهما بسّط المسألة، مُراقبٌ للوضع لن يراها كذلك.

 

يرفض العقل المخابراتي الرائج منذ زمن الوصاية السورية، وقراءة الحدث وفق نظرية المؤامرة. يُبرر تضخيم النقل المباشرة بدقّة المرحلة، ويستغرب "لماذا لم يُقل إنّ ثمة أجندة ما حين كانت المحطة تنقل مطالب المياومين مباشرة؟". ندرك أنّ الشأنين مختلفان رغم المطلب المعيشي الجامع، لكنّ الضاهر يصرّ على أنّ المحطة تواكب الحدث فحسب ولا تُرضي أحداً. "سننقل الجمعة تظاهرات  عون، ونجيّر الهواء لرأي الناس، فهل في الأمر أيضاً مؤامرة؟".

 

يحسم الضاهر بأنّ النيات صافية ولا مآرب له في السياسة. نسأله عن رفع صورة السيّد  حسن نصرالله في ساحة الشهداء والرضوخ السريع لإزالتها عندما هبّت العناصر. يخبرنا بأنّ عناصر الحزب هدّدوا بقطع البثّ إن أبقوا على رفع صورة السيّد، فَعَلا الصراخ وبدأ التشويش على الحلقة. تلقّى اتصالاً يُخيّره ما بين إزالة الصورة أو وقف النقل، فرأى أنّ ازالة كل الصور أفضل، "طالما أنّنا خارج الستوديو ولا نستطيع التحكّم بالوضع". عن موقفه من فساد الحزب، يوضح: "كلّ مَن لديه نوّاب ووزراء جديرٌ بالمحاسبة. هم أيضاً من هذه الطبقة. فليستقيلوا أو يفعلوا شيئاً. فليجدوا حلاً لمعضلة النفايات. لسنا نطرح الصراع العربي- الإسرائيلي، بل حاجات المواطن".

 

بعض الناس قد ملَّ ولم يعد يرغب في متابعة حوارات الليل مع صادق أو اندراوس. لا يوافق، "فلو شعرنا أنّ الجمهور غير مهتمّ، لراجعنا النفس". نمازحه بالسؤال أيّهما هَمّ المُشاهد: البثّ وضيوف الحلقات الخاصة من ساحة الشهداء أم توقّعات  ليلى عبداللطيف؟ يضحك: أحدٌ لا ينافس ليلى. هي الأولى على الإطلاق.