الشارع يتدحرج ككرة الثلج امام سلطة مصرة على فسادها مدعومة من الاحزاب السلطوية

 

السفير :

على مقربة من ساحات الحراك المدني في وسط بيروت، أخفق مجلس النواب مرة أخرى أمس في انتخاب رئيس للجمهورية، الأمر الذي أكد من جديد أحقية الحراك ضد سلطة سياسية عاجزة، لا تفوّت مناسبة لإثبات فشلها.
أما وان الشارع التقط أنفاسه قليلا، أمس، في «استراحة محارب»، مستعيدا بعض الهدوء الذي يسبق العاصفة المقبلة، فإن المعنيين على ضفتي الحراك المدني والسلطة، مطالبون بمراجعة التجربة التي وُلدت مع انتفاضة 22 آب، ثم تطورت في الأيام اللاحقة، لتضخ دينامية غير مسبوقة في عروق الحياة السياسية المتيبسة والراكدة منذ سنوات طويلة.
وإذا كان البعض يتساءل عن سر توقيت الحراك في هذه اللحظة بالذات، فإن السؤال الحقيقي الذي يجب ان يطرح معكوس الوجهة، وهو: لماذا تأخر الحراك أصلا حتى الآن، ولماذا لم ينطلق من قبل، ما دام هناك عشرات الأسباب التي تبرر النزول الى الشارع، بينما لا يوجد سبب واحد يبرر الصمت والانكفاء والإحباط.
شغور رئاسة الجمهورية منذ أكثر من عام، التمديد الاول ثم الثاني لمجلس النواب، تجاهل سلسلة الرتب والرواتب، تمادي التقنين الكهربائي، أزمة المياه، إهدار الفرصة النفطية، فضيحة النفايات.. ان كل واحد من هذه العناوين كفيل بإحداث ثورة، فكيف إذا اجتمعت كلها في وقت واحد.
وعليه، ليس هناك التباس حول شعارات الحراك الذي قد يحتمل النقاش في آلياته ومساره، لكن دوافعه ومنطلقاته خارج البحث وتستمد شرعيتها من معاناة الناس ووجعهم.
وانطلاقا من هذا الواقع، لا يجوز الانجراف وراء نظرية المؤامرة وتفسير ما يجري في الشارع على أساسها، لان في ذلك ظلماً كبيراً لعشرات آلاف المواطنين الذين صبروا كثيرا، قبل ان يقرروا ان ينتفضوا على جلاديهم من رموز الفساد.
ولكن في الوقت ذاته لا يصح تجاهل حقيقة ان بعض أصحاب الارتباطات المريبة تسلقوا الحراك وحاولوا حرفه عن سكّته الأصلية، مع وجوب التنبه الى ضرورة عدم اختزال الانتفاضة الشعبية بهؤلاء الذين لا بد من مصادفتهم في كل شارع مفتوح على مصراعيه.
كما أن المحبطين من سلوك فريقي «8 و14 آذار»، وخصوصا منهم بعض «الأقلويين» المحسوبين على الفريق الثاني، يحاولون التسلق على التحرك إما لتصفية حساب أو التعويض عن فشل أو تأكيد الذات والحضور..
وبمعزل عن الملاحظات العديدة والجوهرية على التحرك في الشارع، يمكن القول ان هذا الحراك نجح منذ انطلاقته في صناعة معطيات جديدة، أبرزها:
- تغيير جدول الأعمال الداخلي الذي كان مستغرقا في بنود كلاسيكية ومستهلكة، لتقتحمه فجأة أولويات الناس وهمومهم.
- كسر الحواجز النفسية والمحرمات السياسية التي كانت تكبّل المواطنين وتصنع نوعاً من الحصانة للسلطة وأهلها.
- إرباك الطبقة السياسية التي تخبطت في التعامل مع انتفاضة الشارع منذ بداياتها، فبعضها حاول الصعود الى القطار من محطته الاولى في 22 آب ثم ترجل منه، والبعض الآخر أيد الشعارات المحقة واعترض على أسلوب تحقيقها، وآخرون تبادلوا الاتهامات وتحميل المسؤوليات عما آلت اليه الامور، ثم في مرحلة لاحقة بدا أن «المصيبة» جمعت معظم اتجاهات هذه الطبقة التي راحت تكثر من انتقاداتها للحراك المدني مع مرور الوقت.
- بداية تعديل في موازين القوى التي تتحكم بقواعد اللعبة الداخلية، وهناك من يعتقد أن موج الحراك الشعبي نقل لبنان على الأقل من ثلاجة الانتظار الى مرحلة انتقالية مصيرية. أما الى أين يمكن أن تفضي هذه المرحلة، وبأي كلفة وبأي مدى زمني، فيتوقف الأمر على طبيعة تصرف الأطراف القادرة على التأثير في تحديد اتجاه السير، وهي: التركيبة السلطوية التقليدية، الحراك الشعبي المضاد، والقوى الموجودة ضمن تركيبة الحكم ولكنها تتمايز عنها في السلوك ولا تتساوى معها في الفساد، وبالتالي يمكن أن تشكل «بيضة قبان» في الصراع، تبعاً للخيار النهائي الذي ستتخذه، بعد خروجها من حالة الحيرة والتأرجح.
ولأن المسؤولية باتت بحجم الآمال العريضة التي علقها المواطنون على انتفاضة الشارع، فإن مكوّنات الحراك المدني مدعوة الى مراجعة هادئة لما جرى منذ 22 آب، وتصويب الأخطاء التي وقعت عمداً أو سهواً، خصوصا أن هذا الحراك أصبح ملك الناس جميعا، وبالتالي فهو بات «أمانة» لدى المجموعات والحملات التي تتولى قيادته.
وعلى هذه القاعدة، فإن حملات الحراك المدني مطالبة بالبناء على ما تحقق حتى الآن، والانتقال من حماسة الأيام الأولى الى رصانة النضال الطويل الأمد الذي يتطلب المزيد من التنظيم على الارض، والموضوعية في الأهداف، لا سيما أن المعركة ضد الفساد ستكون طويلة، والفوز فيها سيؤول الى أصحاب النَفَس الطويل.
صحيح أن تعدد الحملات الشبابية هو مصدر تنوع وعنصر غنى، في مواجهة الأحادية والشخصانية لدى رموز الطبقة السياسية، لكن هناك خيطاً رفيعاً بين الحيوية التي ينتجها تعدد الروافد، والفوضى التي يسببها ضعف التكامل أو التنسيق على مستوى التكتيك والاستراتيجية.

النهار :

لعل الصورة الصادمة واقعياً التي واكبت الجلسة الـ28 لانتخاب رئيس الجمهورية ولم تحز اهتمام الاضواء الاعلامية المسلطة على تطورات المواجهة المتصاعدة بين هيئات التحرك الاحتجاجي والحكومة والتي من شأنها ان تثير مزيدا من القلق من هذه المواجهة تمثلت امس في اكتمال "ستار حديد" واقعي حول مجلس النواب بالإضافة الى الستار الحديد الشائك الذي اقيم بين السرايا وساحة رياض الصلح قبل يومين. لم يكن تحصين مجلس النواب بالستار وببوابات حديد أنشئت على عجل وقننت العبور من الشوارع المحيطة بساحة النجمة الى قلب الساحة حيث مبنى المجلس سوى نذير استعدادات امنية لمرحلة طويلة من موجات الاحتجاجات والتظاهرات خصوصاً وسط العد التنازلي لموعد 9 ايلول. فوقت استكمل موفدو رئيس مجلس النواب نبيه بري ابلاغ المدعوين الى طاولة الحوار الجديدة في هذا الموعد كانت "لجنة المتابعة لتحرك 29 آب" تسارع الى دق النفير لاعتصام حاشد في بيروت في اليوم نفسه "احتجاجا على حوار المحاصصة والفساد والتسويف والمماطلة" وقرنت ذلك بالدعوة الى اعتصامات اليوم في طرابلس وعكار وغداً في الجنوب والنبطية.
وعلى رغم الهدوء الذي طبع بعض التحركات الاحتجاجية غداة اقتحام متظاهرين مكاتب وزارة البيئة لم تغب أجواء المواجهة المتصاعدة وآفاقها عن المواقف المتصلة بتداعيات ما جرى اول من امس وكذلك بتداعيات الصدام الذي حصل في ساحة رياض الصلح في 22 آب من خلال وقائع التحقيقات التي اعلنها وزير الداخلية نهاد المشنوق وردود بعض الهيئات المنخرطة في التحرك الاحتجاجي عليه.

وزير الداخلية
وفي موقف يكتسب دلالات لم يفصح عن تفاصيلها، ذهب الوزير المشنوق الى التحذير عبر "النهار" من "أن هناك من يريد أن يدفع لبنان الى الدم". اما في المؤتمر الصحافي الذي عقده امس في الوزارة لإعلان نتائج التحقيقات في أحداث 22 آب الماضي والمسؤوليات التي تحددت بموجبها، فقال: "إن أي احتلال او اعتصام او اعتداء على مؤسسة عامة سيتم حسمه من اللحظة الاولى تحت سقف القانون وبالقوة اذا لم يستجب المحتلون او المعتصمون". وإذ أقرّ بأنه "حصل إفراط في استعمال القوة" في أحداث 22 آب، وأعلن أن تقرير التحقيق القضائي بلغ 78 صفحة و تقرر بموجبه "تحويل ضابطين على المجلس التأديبي وستة عسكريين بعقوبة مسلكية لقيامهم بالتصرف بشكل تلقائي من دون العودة الى رؤسائهم وتوجيه تأنيب الى الضباط لتركهم وسائل اتصالهم في مكاتبهم". وفي المقابل، قال وزير الداخلية "ان عدد الموقوفين تجاوز المئة بقي منهم حتى الآن 18 موقوفا بينهم قصّر و سوري وسوداني"، معتبرا ان "سياسة شيطنة قوى الامن هي جريمة فهي من الناس ومن يراها في غير هذا الاطار مصاب بعمى وطني".
وفي المقابل، نظمت حملة "بدنا نحاسب" تجمعاً هادئاً عصراً في ساحة رياض الصلح وردت على الوزير المشنوق فاتهمته "بقلب الحقائق"، كما حملت على "قمع القوى الامنية وتعديها على المعتصمين داخل وزارة البيئة وخارجها"، ووصفت الدعوة الى جلسة طارئة لمجلس الامن حول لبنان بأنها "مشبوهة ومرفوضة وتشكل تدخلا سافرا في شؤون لبنان الداخلية".
وفي مسار احتجاجي آخر، نظم "التيار الوطني الحر" مواكب بالسيارات جابت بعض المناطق استعدادا للتظاهرة التي دعا اليها العماد ميشال عون انصاره بعد ظهر غد في ساحة الشهداء. ورفعت المواكب شعارات تطالب بأولوية انتخاب رئيس "قوي" وأقفل أحد المواكب الطريق المؤدية الى القصر الجمهوري في بعبدا.

 

المستقبل :

بينما كانت دعوات رئيس مجلس النواب نبيه بري تواصل شقّ طريقها نحو الكتل النيابية المشاركة في حوار 9 أيلول وفق جدول أعمال يتصدر أولوياته بند رئاسة الجمهورية، وفي وقت تواصل المقاطعة العونية لجلسات انتخاب الرئيس سياسة قطع الطريق على إنجاز الاستحقاق بالتكافل والتعاضد مع «حزب الله» محرزةً إرجاءً جديداً في سجل الانتخابات الرئاسية للمرة الثامنة والعشرين على التوالي حتى 30 أيلول الجاري، برزت أمس رسالة عونية ميدانية تسابق انعقاد طاولة الحوار ولعلها تحاول قطع الطريق أمام بنده الرئاسي كما لاحظت أوساط مراقبة في معرض تعليقها على إقدام العونيين ليل أمس على إقفال طريق القصر الجمهوري للمطالبة بانتخاب «رئيس جمهورية قوي». في حين أعرب بري بالتزامن أمام زواره عن ثقته بإمكانية «حصول اتفاق يقود إلى تنفيذ بنود الحوار بالإرادة اللبنانية» باعتباره بات «ضرورة ملحة على غير صعيد» بمختلف بنوده التي جاءت في نص الدعوة على الشكل التراتبي التالي: رئاسة الجمهورية، استعادة عمل المجلس النيابي، استعادة عمل مجلس الوزراء، ماهية قانون الانتخابات النيابية، قانون استعادة الجنسية، قانون اللامركزية الإدارية وتعزيز الجيش والقوى الأمنية.
وبينما ستستمر التحركات العونية السيّارة على حلبة «التحمية» المناطقية اليوم تحضيراً لتظاهرة الغد التي دعت إليها الرابية في مواجهة الدولة التي يتمثّل «التيار الوطني الحر» في مختلف مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والعسكرية والأمنية والإدارية، لفت الانتباه بالتزامن أمس تذكير المطارنة الموارنة إثر اجتماعهم الشهري في الديمان برئاسة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي أن «لا أحد أكبر من لبنان، ولا يحق لأحد أو لمجموعة إخضاع مصير البلاد لمصالح شخصية أو فئوية أو مذهبية أو إقليمية»، مستنكرين «الارتهان الضيّق للخيارات المحدودة الأفق»، وداعين إلى «توبة سياسية صادقة تقرّ بالدرجة الأولى بأنّ السبب الأساسي للانحدار الحاصل يكمن في غياب رأس ناظم للدولة».

.. بانتظار تفعيل المؤسسات
على صعيد آخر، أفادت مصادر نيابية وسطية «المستقبل» أنّ الحديث عن مسألة ترقية الضباط التي جرى تداولها في الآونة الأخيرة متوقف حالياً، ربطاً بتعليق المساعي بشأنها بانتظار ما سيخرج به الحوار المزمع عقده بخصوص تفعيل آلية عمل مجلسي النواب والوزراء، موضحةً أنّ الأمور باتت متداخلة ببعضها البعض ولا مناص من حلّها في إطار سلة تفاهمات وطنية تمتد من الرئاسة إلى آلية عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية وصولاً إلى معالجة الأزمات الحياتية وقضية ترقية الضباط، باعتبار أنّ أي قرار يُتخذ على طاولة الحوار لا يمكن تطبيقه وإدخاله حيز التنفيذ إلا من خلال المؤسسات الدستورية بعد الاتفاق على تحرير عجلاتها الانتاجية.

الديار :

الازمة مفتوحة على كل الاحتمالات، والافق مسدود، والفراغ السياسي يعبئه، الشارع عبر تصاعد تحركات المجتمع المدني التي لن تتوقف، وستتواصل يومياً في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، وسيتمدد الحراك اليوم الى الشمال وطرابلس بالتحديد وغداً في عدلون والنبطية لـ«طلعت ريحتكم» وللعونيين غداً ايضاً في رياض الصلح وصولاً الى التظاهرة الكبرى في 9 أيلول بالتزامن مع دعوة الرئيس نبيه بري الى طاولة الحوار، وهذا ما جعل الرئيس بري «متوجساً» من الدعوة، داعياً الجميع الى الالتفات الى الحرائق المتنقلة من حولنا والخوف من امتداد «الحريق» الينا، محذراً من استغلال البعض داخلياً وخارجياً لهذه التحركات.
صورة التظاهرات اليومية «للحراك المدني» اصبحت مثار اهتمام العديد من الدول الخارجية في ظل تغطية وسائل الاعلام العالمية للحدث اللبناني ووصف محطةC.N.N. الاعلامية لما يجري في لبنان بـ«الربيع العربي اللبناني».
المتابعة الدولية لما يجري في لبنان دفعت بمساعد الامين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان للدعوة الى عقد جلسة طارئة لمجلس الامن حول الوضع في لبنان. وتزامنت هذه الدعوة مع جولة لممثلة الامين العام للامم المتحدة «سيغريد كاغ» على المسؤولين للاطلاع على ما يجري، واعداد تقرير تقدمه لمجلس الامن تردد انه سيكون عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، كما استوضحت كاغ المسؤولين ما اذا كانت لديهم اقتراحات او تصورات للحل في شأن الازمة الرئاسية. وقد اجتمعت «كاغ» امس الاول في بيروت مع مساعد وزير الخارجية الايراني لشؤون الشرق الاوسط حسين امير عبد اللهيان، وتطرق اللقاء الى الملف الرئاسي وضرورة بذل ايران جهوداً اكبر من اجل العمل عبر حلفائها لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية. وتشير المعلومات الى ان الخطوة بعد الحوار الذي دعا اليه الرئىس نبيه بري ستكون عبر اجتماع لمجلس الامن الدولي وسيصدر عنه بيان رئاسي يطالب بانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. وهذا الاجتماع سيعقد بناء على دعوة فيلتمان وتقرير ممثلة بان كي مون في لبنان سيغريد كاغ والدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً ان ممثل الامين العام للامم المتحدة في لبنان كان قد عمل على المساعدة لانتخاب رئىس للجمهورية وزار طهران والرياض لبحث الموضوع كمدخل للاستقرار وتحصينه في ظل السقف الدولي الراعي لهذا الاستقرار...
ومن هنا فان التوجس لدى بعض السياسيين اللبنانيين من هذا الحراك وتحديداً لدى العماد ميشال عون ربما يعود للمعلومات التي يملكها حول الرعاية الخارجية لهذا الحراك وان ينتج عنه انتخاب رئيس للجمهورية مغاير لتصور العماد عون وتوجهاته لانتخاب الرئيس من الشعب. هذا ما دفع العماد عون ايضاً لانتقاد دعوة البطريرك الراعي لانتخاب رئيس فوراً وخارج الارادة الشعبية.
وفي ظل هذه الاجواء، فان المواجهات بين السلطة والشارع ستستمر في ظل نهج «سلطوي» لن يتغير باستخدام القوة والقمع ضد المتظاهرين، وهذا ما اكد عليه وزير الداخلية نهاد المشنوق، «بأن احتلال اي مرفق عام سنواجهه بالقوة للحفاظ على المؤسسات العامة للدولة»، وهذه تحركات غير ديموقراطية وفوضوية.
في ظل هذه الاجواء فان المواجهة بين السلطة والحراك المدني ستكبر وستتدحرج خصوصاً ان قادة «الحراك المدني» لم يتجاوبوا بعد مع دعوات الحكومة للتهدئة في ظل عدم ثقتهم بالمسؤولين.

ـ لا حل الا بفتح مطمر الناعمة ـ

وفي ظل هذه الاجواء، جدد الوزير محمد المشنوق التأكيد على رفضه للاستقالة، مشيراً الى ان المتظاهرين صوبوا في اتجاه الشخص الخطأ بملف النفايات وقد تضامن وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس مع محمد المشنوق، مؤكداً على الاستقالة اذا استقال زميله وزير البيئة. وقد جدد الرئيس تمام سلام عبر اوساطه انه يرفض استقالة المشنوق وهو مستمر في عمله وان سلام اعطى جرعة دعم معنوية لوزير البيئة خلال اللقاء بينهما.
وعلم ان اتصالات يجريها الرئىس سلام على كافة المستويات لايجاد حل سريع وآني لملف النفايات بسحب بعض التشنجات من الشارع عبر جمع النفايات سريعاً وطمرها في عكار والناعمة. وينتظر الرئيس سلام انتهاء لجنة الخبراء من وضع تصوراتها وتقديمها للوزير اكرم شهيب. وربما دعا الى جلسة للحكومة لمناقشة هذا الملف، خصوصاً ان الرئىس سلام ما زال يعول على موقف النائب وليد جنبلاط بفتح مطمر الناعمة مجدداً ولستة أشهر حتى تأمين الحل الجذري لملف النفايات. ويعوّل أيضاً على رئاسة الوزير شهيب للجنة التي ربما سمحت بفتح مطمر الناعمة خصوصاً ان جنبلاط أكد نه سيدعم شهيب في الوصول الى حل لملف النفايات وسيقود تحركاً شعبياً لانجاح الحل الذي سيطرحه وزيره. وكلام جنبلاط عن التحرك الشعبي ربما كان باتجاه الشبان المعتصمين امام مطمر الناعمة لاقناعهم بفتح المطمر موقتا، رغم ان جنبلاط اكد للاهالي ان هذا الامر غير مطروح حتى الآن، لكن الرئيس سلام يجزم بأن لا حل الا بفتح مطمر الناعمة كمدخل لسحب فتيل التشنجات من الشارع.

 

الجمهورية :

مع استمرار الشغور الرئاسي وترحيل جلسة انتخاب رئيس جمهورية جديد إلى 30 أيلول الجاري بعد انضمام جلسة الأمس إلى سابقاتها لعدم اكتمال النصاب، وفي انتظار عودة عجَلة العمل الحكومي إلى الدوران مجدّداً، تُشارف أزمة النفايات على دخول شهرها الثاني، في وقتٍ يمضي المجتمع المدني قدُماً في حراكه على الأرض وقد وسّعَ نطاقه ليشمل الشمال والجنوب بعدما ضربَ موعداً لحراك جديد في بيروت في 9 أيلول تزامُناً مع انعقاد الجلسة الأولى لهيئة الحوار الوطني في مجلس النواب، في وقتٍ حذّرَ وزير الداخلية نهاد المشنوق من أنّ أيّ اعتداء على مؤسسة عامّة سيتمّ حسمُه بالقانون وبالقوّة، وترافقَ هذا التحذير مع تعزيز الإجراءات في محيط السراي الحكومي والوزارات، ولا سيّما وزارة الداخلية، فيما يستعدّ «التيار الوطني الحر» للتظاهر عصر غدٍ الجمعة في ساحة الشهداء، تلبيةً لدعوة النائب ميشال عون، تحت شعار «وحدا الإنتخابات بتنَضِّف»، قالت مصادر بارزة في التيار لـ»الجمهورية» «أنّ «التيار» ليس في سِباق مع أحد على الأرض، وهو يَعتبر أنّ كلّ مَن يشاركه شعاراته وعناوينه ومطالبه يتكامل معه في سبيل تحقيق هذه الأهداف. في هذه الاجواء، اتَّضحت حقيقة الموقف الاميركي، وفق معلومات متقاطعة لـ«الجمهورية»، من موضوع الترقيات في الجيش اللبناني، بعد الهمس الذي دار في بعض الكواليس منذ مدة عن تداول اقتراحات وأفكار في شأن ترقية 10 عمداء (من أصل نحو 450 عميداً) في الجيش الى رتبة لواء لأهداف سياسية، ما ولَّد استياءً عارماً لدى نحو 440 عميداً لن تشملهم الترقية، وخلَق حالة من البلبلة والتململ في صفوف المؤسسة العسكرية.
وقد سعى البعض الى الاختباء خلف قوى خارجية والإيحاء والترويج بأنّ الادارة الاميركية تُشجّع هذه الترقيات، في محاولة للدفع في اتجاه إقرار هذه الترقيات التي من شأنها أن ترتدّ سلباً على بنية مؤسسة الجيش.
غير أنّ المعلومات المتقاطعة من مصادر متعدّدة لم تُبيّن وجود تدخّل أميركي في هذا الشأن، سواء على مستوى السفارة في بيروت، أو على أيّ مستوى آخر. وأشارت المعلومات الى أنّ الولايات المتحدة تدعم بقوة مؤسّسة الجيش اللبناني، الذي تعتبره قوة الدفاع الشرعية الوحيدة في لبنان، وأنّ علاقتها مع الجيش تقوم على المؤسسات، وليس الشخصيات.
وأضافت أنّ أميركا ملتزمة بضمان أن يتمتّع الجيش بالقدرة لأن يكون المدافع الوحيد عن الأراضي اللبنانية وحدودها، بعيداً من السياسة، وأن يكون مسؤولاً أمام الدولة والشعب اللبناني من خلال الدولة.
وكشفت المعلومات أنّه بعد الهجوم الذي وقع في عرسال، سرَّعت الولايات المتحدة تسليم ذخائر وأسلحة إضافية لاستخدامها في عمليات قتالية هجومية ودفاعية من قبل الجيش اللبناني، لدعم جهوده الرامية إلى حماية الشعب اللبناني، وتأمين حدود لبنان، وصدّ تطرّف ووحشية «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما من الجماعات المتطرفة الرامية إلى زعزعة استقرار لبنان.
وختمت المعلومات أنّه لا يمكن للأميركيين أن يتدخّلوا أبداً في الشؤون الداخلية للجيش اللبناني. وهم يعتبرون أنّ دورهم يرتكز على دعم الأحكام المهنية للقيادة العسكرية، والاستجابة لكلّ طلب للمساعدة يقدَّم إليهم، معتبرة أنّ الأميركيين لم يخذلوا الجيش اللبناني أبداً ولن يفعلوا ذلك في المستقبل.
زوّار السراي
وأمس كان بارزاً أنّ مِن بين زوّار السراي الحكومي وزيرَي البيئة والداخلية محمد المشنوق ونهاد المشنوق. وقد شرح الأول الظروف التي رافقت احتجازه في وزارة البيئة في اللعازارية لثماني ساعات تقريباً وما رافقها من مساعٍ لتهدئة الوضع وإخراج المعتصمين من مبنى الوزارة.
وشكرَ المشنوق سلام والوزراء الذين تضامنوا معه في ساعات «المحنة» مؤكّداً أنّ مثل هذه التصرّفات لن تثنيَه عن المهام التي يقوم بها، مؤكّداً استعداده لتحَمّل المسؤوليات في مثل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. وأبلغَ الى سلام عودتَه الى مكتبه لمزاولة عمله كالمعتاد.
فهنّأ سلام المشنوق لقدرته على استيعاب التطورات مهما كانت قاسية وشَكر له استعداداته لتحمّل المسؤولية أياً كانت الظروف الصعبة.
أمّا اللقاء الثاني مع وزير الداخلية فتخَلّله عرض للمستجدّات الأمنية وسلّمَ المشنوق سلام نسخة من التقرير الأمني الذي وضعَته المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي حول أحداث 22 آب نتيجة التحقيقات التي أجرِيَت مع العسكريين وتحليلات أفلام الكاميرات المثبتة في المنطقة وبوسائل أخرى.
وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ تفاهماً جرى في اللقاء على زيادة التنسيق الأمني بين الجيش والقوى الأمنية واتّخاذ الترتيبات المناسبة أمام الوزارات والمؤسسات العامة لمنع تكرار ما حصلَ في وزارة البيئة.
قطر
وعلى خط آخَر، سارَع الرئيس سعد الحريري إلى قطع الطريق على التأويلات التي ذهبَ إليها البعض في تفسيره لموقف وزير الداخلية من اتّهام دولة عربية صغيرة بتمويل التظاهرات، فأكّد أنّ «الشائعات التي تزجّ باسم دولة قطر في الأحداث اللبنانية، مجرّدة بالتأكيد من أيّ صِلة بالحقيقة»، وشدّد على أنّ «قطر دولة شقيقة يعنيها استقرار لبنان وهي لم تتأخّر عن مساعدته في كلّ الظروف». وثمّنَ الحريري« العلاقات الأخوية مع قطر وقيادتها»، وقال: «نعبّر في هذه المناسبة عن الشكر والامتنان لكلّ ما قدّمته للبنان واللبنانيين».
وبدوره قال الرئيس فؤاد السنيورة تعليقاً على كلام المشنوق: «يجب أخذ الموضوع من الناحية الإنسانية، وليس من المفيد هذا الاتّهام، وإذا واحدٌ ليس لديه إثباتات على ذلك فلا يَرمي الاتهامات من هنا وهناك». وفي هذا السياق قالت أوساط مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ الحريري أقفلَ الباب امام التأويلات مراعاةً لعاملين: العامل الأوّل حِرصاً لجسور التواصل بين قطر والسعودية. والعامل الثاني حِرصاً على مصلحة اللبنانيين العاملين في قطر.
المشنوق
وكان وزير الداخلية قد عرض في مؤتمر صحافي أحداثَ 22 آب الماضي، فأوضَح: «وَقعَ 146 جريحاً حتى الآن من قوى الأمن خلال 9 أيام، وهناك أكثر من 100 جريح من المتظاهرين، ومَن بَقيَ في المستشفيات عددُهم محدود، سواءٌ من العسكريين أو المدنيين، ولا يتجاوزون أصابع اليد».
وإذ شدّد على أنّ «مهمة قوى الأمن هي حماية الدولة والأملاك العامة والخاصة»، توجّه إلى «جميع المعنيين والمتظاهرين والمطلبيين والغوغائيين والمشاغبين» بالقول: «أيّ احتلال أو اعتصام أو اعتداء على مؤسسة عامة سيتمّ حسمه من اللحظة الأولى تحت سقف القانون، وبالقوّة إذا لم يستجب المحتلّون أو المعتصمون».
ووجَّه المشنوق رسالة الى المتظاهرين، بأنّ «الطريقة الوحيدة للوصول الى التغيير هي انتخاب رئيس جمهورية ووَضع قانون انتخابي جديد، وأيّ كلام آخر هو تعريض للممتلكات العامة والخاصة وإثارة الفوضى».
وأوضَح في هذا السياق: «لم أقل إنّ خلف المتظاهرين جهات خارجية، بل وراء أعمال الشغب والمشاغبين دولة عربية، لم أسَمِّ قطر ولن أسمّي أيّ دولة قبل أن أكونَ متأكّداً ممّا أقوله، وأنا في صَدد البحث والتدقيق».

«بدنا نحاسب»
وردّت حملة «بَدنا نحاسب» على المشنوق، وقالت في بيان من ساحة رياض الصلح «إنّ الصوَر تُظهر عناصر أمنية تطلق النار الحيّ باتّجاه المتظاهرين، ممّا يثبت عدم صحّة ادّعاء الوزير نهاد المشنوق أنّ الرصاص الحي أطلِق في الهواء حصرا».
وأضافت «حاول الوزير الادّعاء أنّ اعتداءً طال وزارة البيئة. وأوضحت أنّ المعتصمين كانوا سلميّين ولم يلحِقوا أيّ أذى بوزارة البيئة». وأكّدت «أنّ ساحات الوطن وميادينه وشوارعه ومدنه وقراه مُلك لهذا الشعب، لن ترهبَه قوّة أو تهديد أو وعيد».