إلى الشارع عاد اللبنانيون. لكن، هذه المرة، لم ينزلوا ليهتفوا لزعمائهم، ولا لأبناء زعمائهم، ولا لأصهرة زعمائهم.نزلوا ليهتفوا ضدّ كلِّ هؤلاء، ليقولوا لهم: خذوا زبالَتَكم وارحلوا.

الطاقم السياسي برمّتِه - بسيّده وأستاذه وشيخه وبَيْكه وجنراله وحكيمِه- تفرّج اليوم على لبنانَ لا يعرفه، لبنان يُفلت منقبضة زعمائِه التقليديين.

جيلٌ جديد من اللبنانيين، معظمُهم وُلد بعد الحرب الأهلية، وعاش الخيباتِ المتتاليةَ طيلة عشر سنوات منذ 2005 حتىاليوم، جيلٌ لم تعد أولوياتُ الانقسام القاتلِ بين 8 و14 آذار هي أولوياتِه.

إلى الشارع عاد اللبنانيون، بأعداد فاقت كل التوقعات. عادوا ليرسموا صورة لبنان جديد، لبنان الذي رفع على طريقتهشعار "الشعب يريد..."، و"يسقط يسقط حكم الأزعر".

عادوا ليعلنوا أنّ الهجرةَ ليست قدراً، وأنّ الفقر ليس قدراً، وأنّ الذلّ ليس قدراً. عادوا ليردّوا الروحَ إلى عاصمتهم،ليغنّوا "مَطرح ما بدَّك روح، بيروت هيّي الروح"، و"من بعلبك لطرابلس، شمالْ واحد، جردْ واحد، وجعْ صامتْ،عالجرح عاضد".

عادوا من أجل شارع نظيف، ودواءٍ مؤمّن، وكهرباءَ وماء، ومسكنٍ لائق، ورواتبَ عادلة، وقضاءٍ منصف. 

عادوا ليقولوا لأركان هذا النظام: لقد دمّرتم كلّ شيء، كلّ شيء، لتجعلوا من هذه البلاد مكاناً لا يليق إلا بكم وبزبالتِكموبفسادِكم وبذكوريّتِكم وبغازِكم المسيل للدموع.

طلعت ريحتكم فعلاً.

طلعت ريحة زعماء الطوائف الذين يأكلون حقوقَ الأفراد وحقوق الطوائف.

طلعت ريحة مجلس النواب الذي مدّد لنفسه مرّتين، فيما أبوابُه مقفلة.

طلعت ريحة حكومة تقاسمِ الصفقات، والنهبِ المنظّم، والشراكة ِالمشبوهة مع حيتان المال.

29 آب 2015. بداية لتاريخ جديد. تاريخ لا مكان فيه للنفايات، لا في الشارع، ولا في سُدّة المسؤولية...