لا حلول امام السطلة , والكل غارق في الصفقات , والشارع يتدحرج الى المزيد من العنف

 

السفير :

سريعاً، سقط جدار الفصل والعزل في وسط بيروت، بقرار من الرئيس تمام سلام الذي لم يستطع تحمّل أعباء هذا الجدار الإسمنتي ودلالاته المعيبة.
وفوق أنقاض الجدار، تواصل الحراك الشعبي في ساحة رياض الصلح، حيث استمر مئات من المواطنين في رفع الصوت ضد نهج الحكومة والطبقة السياسية، وكاد الموقف يتطور مجدداً نحو مواجهة واسعة بين المحتجين والقوى الأمنية لو لم تتم السيطرة على الاحتكاكات والصدامات الموضعية التي سُجلت مساء أمس، وأدّت الى وقوع جرحى، فيما ابلغ وزير الداخلية نهاد المشنوق «السفير» أن نتائج التحقيقات في الأحداث التي وقعت يومي السبت والاحد الماضيين، ستنتهي خلال 48 ساعة، ليبنى بعد ذلك على الشيء مقتضاه.
وترافق انهيار «جدار العار» مع سقوط «جدار المناقصات» الذي تسلّقه كبار القوم من السياسيين بالتواطوء مع الشركات الفائزة بـ«النفايات»، قبل أن يعود ويتهاوى سريعاً تحت وطأة المحاصصة العلنية والأسعار الخيالية.
لقد كانت المحاصصة، بتركيبتها وكلفتها، فاقعة جداً هذه المرة، الى حد أنه لم يكن بمقدور حتى المنتفعين منها أن يغطّوها، فسارعوا جميعاً الى «الانقلاب» عليها و«التنكّر» لها، قبل صياح الديك، لينتهي الأمر بإلغائها و«طمرها» في مجلس الوزراء.
وإلغاء نتائج المناقصات هو إنجاز يُسجل بشكل أو بآخر للحراك الشعبي الذي لا يزال يُمسك بالمبادرة، مصّراً على «الرقابة والمحاسبة» في الشارع، بعد إقفال مجلس النواب المعني بهذين الدورين.
وربما يصحّ القول إنه لولا انتفاضة 22 آب وهزّاتها الارتدادية المتواصلة، لكانت المناقصات قد مرّت في ليل، شأنها شأن المحاصصات السابقة التي اعتادت على سلوك «الخط العسكري»، من دون أن تتوقف على أي حاجز قانوني او دستوري.
ولئن كان سقوط المناقصات قد منع التمادي في خطيئة الحلول المشوّهة والمشبوهة، فإن التحدي يكمن الآن في التقاط الفرصة الجديدة واستكمال الضغط على الحكومة لتصويب مسار المعالجة، على اساس قواعد علمية وسليمة، يشارك في وضعها الخبراء من أصحاب الاختصاص، بدل حصر هذه المهمة بسياسيين من أصحاب المصالح.
لكن مصدراً وزارياً بارزاً أبلغ «السفير» أنه يتخوف من أن يكون ملف تجديد المناقصات قد طوي حتى إشعار آخر، معرباً عن اعتقاده بأن ما حصل ليس سوى توطئة لإعادة تعويم شركة «سوكلين» وليس لإجراء مناقصات جديدة على اسس صحيحة.
عكار.. والاختبار
ولعل المحك الأدق الذي يواجه الحكومة الآن يتمثل في مدى قدرتها على تنفيذ قرارها باعتماد مكبّ سرار كـ «مطمر صحي» للنفايات، بالترافق مع اتخاذ قرار بمنح عكار 100 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات، وهذا قليل مما تستحقه تلك المنطقة المهملة والمحرومة.
والمفارقة، أن المطلوب من عكار ان تستقبل النفايات فوراً، في حين ان المشاريع الانمائية ستنفذ فيها بالتقسيط طويل الأجل، هذا إذا صدقت الدولة في وعودها، وهي المعروفة برشاقتها في الهروب الى الأمام والتهرّب من الاستحقاقات.
وقال الوزير نهاد المشنوق لـ«السفير» إن الإنماء هو حق مشروع لأهالي عكار، بمعزل عن ملف النفايات، مشددا على ضرورة عدم تصوير الامر وكـأنه مقايضة، ولافتا الانتباه الى انه يجري نفض الغبار عن كل المشاريع التي تخص عكار والمنسية في ادراج الادارة. وأضاف: أما في ما خص المطمر، فنحن امام محاولة جدية للاستفادة من المكب المصنّف من قبل الدولة، بعد إخضاعه الى معايير بيئية وصحية ممتازة، ونحن نتشاور بهذا الصدد مع جميع فعاليات المنطقة، والمسألة لم تنته بعد.
في المقابل، رفض العديد من الجمعيات والأوساط العكارية «الرشوة المالية» لعكار، ودعت حملة «عكار منا مزبلة» الى «التصدي لقرار الحكومة الجائر» عبر اعتصام في ساحة العبدة. كما أعلن المجلس المدني لإنماء عكار عن رفضه استقبال أي نفايات من خارج عكار، بينما سجل انقسام في صفوف البلديات بين موافق ومعترض.
وفيما اعتبر الرئيس تمام سلام خلال جلسة الحكومة أنه «إذا باشرنا فوراً باعتماد المشاريع التنموية لتعزيز أوضاع أهلنا في عكار، نستطيع أن نتواصل معهم لمساعدتنا على إيجاد حل سريع لموضوع النفايات»، علمت «السفير» ان وزيري «حزب الله» دعما بشكل كامل منح عكار مبلغ 100مليون دولار، وأكدا ضرورة إعطائها الأولوية الإنمائية في هذه المرحلة.
بري: براء من المحاصصة
وتعليقاً على إلغاء المناقصات، قال الرئيس نبيه بري أمام زواره أمس، أنه دفع بقوة في هذا الاتجاه نتيجة عدم قناعته بالاسعار المرتفعة التي انتهى اليها فض العروض، نافيا بشدة ان يكون شريكاً في أي محاصصة. وتابع: لقد حاولوا إلباسي تهمة أنا منها براء، وقد أتى قرار مجلس الوزراء ليرفع الشبهة المفتعلة عني.
ولفت الانتباه الى «أنني أعرف معظم رجال الاعمال في الجنوب، وبالتالي فإذا رست أي مناقصة على أحدهم لا يعني ذلك انني شريك فيها». وأضاف: عندما زارني شريف وهبي ( الفائز في الجنوب) قلت له: لا تفرح كثيرا، هذه المناقصة لن تمر.
وأكد بري ضرورة ان تساهم البلديات في معالجة أزمة النفايات.
المشنوق: نراهن على عكار
وقال وزير البيئة محمد المشنوق لـ «السفير» إنه لن يدافع كثيرا عن الأسعار التي انتهت اليها عملية فض العروض، موضحا ان اللجنة الوزارية ستعاود اجتماعاتها لاعادة درس الموضوع بعد رفض مجلس الوزراء نتائج المناقصات. وأشار الى ان الرهان الان هو على خيار عكار كخيار شبه وحيد للخروج من الأزمة.
وأكدت مصادر بيئية لـ «السفير» أن مجلس الوزراء تأخر كثيرا وأضاع الكثير من الوقت في الرهان على هذه المناقصات التي كانت ناقصة منذ اللحظة الأولى، ومخالفة لقواعد ومبادئ استراتيجية تقوم على التخفيف من حجم النفايات عبر الفرز من المصدر، إضافة الى ان الدولة لم تحدد التقنيات المسموحة والأماكن للمعالجة ولا أشركت السلطات المحلية والمؤسسات والأفراد في الحلول.
وشددت المصادر على ان المطلوب ايجاد خطة طوارئ سريعة، تدمج بين الاستراتيجي والآني والطارئ لرفع النفايات المتراكمة منذ اكثر من شهر، بالإضافة الى رفعها من الأماكن المؤقتة التي جمعت فيها قبل بداية موسم الأمطار، لئلا ننتقل من كارثة كبرى الى كارثة اكبر.

النهار :

جدار العزل والفصل الذي أزيل من ساحة رياض الصلح، ارتفع مجددا على طاولة مجلس الوزراء، ومثله جدار النفايات المتراكم على وقع فضيحة المناقصات، إقرارا وإلغاء، ذلك أنه بالجدار والمناقصات بدت حكومة المصلحة الوطنية مرتبكة للغاية، فيما هي متعثرة أصلاً في ظل تعطيل آلية عملها، والتظاهرات التي بدأت تزداد في الشارع، اعتراضاً على كل الاهمال في تعاملها مع الامور الحياتية والمعيشية.
وقبل جلسة المجلس غداً الخميس والتي أكد الرئيس تمام سلام انها ستكون منتجة، يعقد العماد ميشال عون اليوم مؤتمرا صحافيا يدعوه فيه الى سحب المراسيم الـ 70 التي نشرت من دون تواقيع الوزراء الـ 24. ورأى مصدر في "تكتل التغيير والاصلاح" ان ما حصل في مجلس الوزراء أمس انه "تمّت استباحة آخر صلاحية محفوظة لرئيس الجمهورية بعد اتفاق الطائف في غيابه، وهي صلاحية توقيع المراسيم العادية واصدارها وطلب نشرها".
واذا كان وزراء "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" والطاشناق انسحبوا من الجلسة التي كانت مخصصة للنفايات، فإن التحدي امام الحكومة سيكون غدا، إذ قال المصدر نفسه: "سنكون أمام خيارين: الاول عدم حضور الجلسة وهذا يعني الاستمرار باستباحة صلاحيات رئيس الجمهورية، وسيكون الرد بحجم التمادي في الانقلاب، بدءاً بالتظاهر وتزخيمه، وصولاً الى خيارات اخرى متاحة من عصيان مدني وسواه، اذاً التصعيد وارد في كل حين، والصراع مفتوح على مصراعيه. اما الخيار الثاني فهو المشاركة في الجلسة وحصول صدام جدي الى حين عودة الرئيس سلام عن هذه المراسيم العادية كلها وأن يعتبرها لاغية فلا يعمد الى نشرها والكف عن هذه الممارسة والعودة الى توقيع الوزراء جميعهم".
ويشار الى ان أحد وزيري حركة "أمل" اتصل بوزراء من "التكتل" و"حزب الله" وبرر لهم عدم خروجه وزميله من الجلسة على رغم اعتراضهما بشدة على مسألة المراسيم العادية وعدم توقيعها من جميع الوزراء. أما وزيرا "حزب الله" فعلم انهما سيحضران الجلسة غدا.
وكان العماد عون اتصل بالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والرئيس أمين الجميل ورئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية والامين العام لحزب "الطاشناق" أغوب بقرادونيان ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع واطلعهم على "مخالفة اصدار الحكومة 70 مرسوماً من المراسيم العادية بالأكثرية الوزارية وهي من صلاحيات رئيس الجمهورية". وزار أمس النائب ابرهيم كنعان البطريرك الراعي موفداً من العماد عون شاكيا من "ضرب الميثاقية، ووعد البطريرك باجراء اتصالات مع الرئيس سلام والمعنيين بهذا الأمر".

الجلسة الاستثنائية
أما الجلسة الاستثنائية أمس، فقد تمكّن مجلس الوزراء خلالها من تفكيك "لغم" النفايات، بالغاء نتائج المناقصة، والموافقة على دعم انمائي بقيمة مئة مليون دولار لعكار مقسّطة على ثلاث سنوات، في مقابل استقبالها غير المعلن لمطمر النفايات التي سيبدأ رفعها من الشوارع بالاستعانة بشركة "سوكلين". ولم يحدد مجلس الوزراء موعدا لمناقصات جديدة في الملف، مما أوحى بأن ثمة تمثيلية أعدت بعناية لاعادة "سوكلين" الى العمل والاتفاق معها مجدداً.
وفي غياب المعالجة الجدية، الذي مثّل اخفاقا حكوميا جديدا، سجل وزير البيئة محمد المشنوق مفارقة، فبعدما دافع عن نتائج المناقصة والاسعار المقدمة عصر الاثنين، دعا الثلثاء الى عدم قبولها وادخال تعديلات على دفتر الشروط لتكون الشركات المتقدمة أكبر عدداً والاسعار المقدمة أفضل.
ولخصت مصادر وزارية لـ"النهار" ما انتهت اليه جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية امس على النحو الآتي:
أولاً: تجاوز المجلس مشروع التعطيل من خلال اعتماد الاكثرية الواسعة بدل الاجماع.
ثانياً: الموقف داخل الجلسة كان أقوى من استقواء "التيار الوطني الحر" و"حزب الله".
ثالثاً: تثبيت الوضع الحكومي والدليل أن وزراء "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" اختاروا الانسحاب على البقاء للمعارضة فكان صبر الرئيس سلام في محله.
رابعاً: اتخذت الحكومة قرار رفع النفايات من طريق إيجاد مطمر في عكار متخطية كل المزايدات مع إقرار مشروع إنمائي لعكار بـ100 مليون دولار هي في أمس الحاجة اليه بصرف النظر عما إذا كان سيكون فيها مطمر للنفايات أم لا.

 

المستقبل :

ما بين تسلّل وجوه سياسية وأحزاب يسارية ونواب ووزراء سابقين من فلول المغانم السلطوية البائدة إبان الوصاية السورية وممن لا يزالون يوالون هذه الوصاية حتى اليوم، وما بين اندساس مجموعات منظّمة من «الزعران» ممن يعرفون بانتمائهم العلني لخلايا «سرايا» الشغب على وقع تصريح لافت مباشر على الهواء من الوزير السابق شربل نحاس أبدى فيه تفهمه وتأييده لأعمال «الزعران» التخريبية واعتداءاتهم على القوى الأمنية، يخشى المواطنون المنخرطون في موجة الاحتجاجات المطلبية المحقة والسلمية المنزّهة من أي نوازع سياسية أن تتحوّل تحركاتهم إلى ما يشبه «حصان طروادة» تمتطيه جهات سياسية وحزبية معروفة وغير معروفة لحرفه عن مسار التعبير الديمقراطي باتجاه دهاليز الأجندات المشبوهة في ارتباطاتها وغاياتها المحلية والإقليمية. وفي حين بيّنت الوقائع أمس أنّ التعطيل الممنهج هو ما يجسد «جدار العزل» الحقيقي والوحيد بين السرايا الحكومية ومطالب الناس، أثبتت الحكومة أمس انحيازها التام إلى أحقية هذه المطالب بعد أن حزمت أمرها متجاوزةً «الجدار» التعطيلي فأقرت حزمة مالية بقيمة 100 مليون دولار مخصصة للتنمية في عكار، ثم تصدت لأزمة النفايات فرفضت نتائج عروض المناقصات لارتفاع أسعارها واتخذت قرار حل الأزمة مرحلياً بانتظار الحلول الجذرية. وفي المقابل جدد «حزب الله» أمس انحيازه التام والمطلق إلى حلفه المعمّد بالتعطيل مع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون فانسحب وزيراه مع وزراء التكتل من الجلسة رفضاً للقرارات المتخذة، على وقع التلويح العوني باستخدام «الشارع» وتهديد الوزيرين حسين الحاج حسن ومحمد فنيش بتداعيات و«مسؤوليات» ستترتب عن اتخاذ هذه القرارات.
وليلاً، توغلت عناصر معروفة أمنياً بأنها تابعة لـ«سرايا المقاومة» في شوارع وسط العاصمة، حيث شنّت «غارات» تخريبية على المنطقة المحيطة بالسرايا الحكومية تخللها رمي قنابل مولوتوف حارقة وسط حملة منظمة من أعمال التكسير الممنهجة التي طاولت الممتلكات الخاصة والعامة، قبل أن تتمكن وحدات مكافحة الشغب بمؤازرة القوى الأمنية والعسكرية من إعادة السيطرة على الوضع وصدّ المعتدين.
بري
وإذا كان يصحّ أن يُطلق على جلسة مجلس الوزراء أمس إسم جلسة «التحرير» والتنمية، ربطاً بتمكّنها من «تحرير» الحكومة من قيود التعطيل واتخاذ قرار تمويل تنمية عكار، لا بدّ كذلك من تسجيل وتثمين الموقف الوطني الذي اتخذه رئيس كتلة «التحرير والتنمية» رئيس مجلس النواب نبيه بري من خلال انحيازه العلني والفعلي إلى تأمين مصالح الوطن والمواطنين ومؤازرته الإقدام الحكومي على تعطيل التعطيل والتصويت إلى جانب أكثرية أعضاء مجلس الوزراء لصالح تسيير الشؤون التنموية والحياتية الملقاة على عاتق الدولة. ولعلّ ما قاله الوزير علي حسن خليل إثر انسحاب وزراء «حزب الله» و»التغيير والإصلاح» اختصر وجسّد القول بالفعل لناحية تأكيد وقوف الرئيس بري إلى جانب الرئيس سلام، فقال متوجهاً إلى رئيس الحكومة: «نحن سنبقى مشاركين في مجلس الوزراء وفق الآلية التي ترتئيها دولتكم».

الديار :

«فضائح الدولة تتوالى» وصورتها ظهرت بشكل ولا «ابشع» امس، في ظل استهتار واضح ومكشوف لمشاعر اللبنانيين وقيمهم وتحركاتهم الشعبية، حتى ان هذه الطبقة السياسية لم تتمكن من اخفاء فضائحها في ملف النفايات فاضطرت الى الغاء المناقصات لان عملية «تنظيم السرقة» لم تكتمل بعد، وليس لاي سبب آخر، في ظل احاديث عن عودة «سوكلين» التي كلفت بنقل النفايات الى منطقة عكار بعد ان اختارت الحكومة سهل عكار الزراعي مكانا للطمر في منطقة «سرار» مقابل 100 مليون دولار مقسطة على 3 سنوات لانماء عكار وكأن انماء عكار لا يمر الا عبر معادلة «الاموال مقابل الزبالة».
فضيحة «المناقصات» في النفايات عبر توزيع منظم للشركات على رموز الطبقة السياسية وابنائهم كان سيزيد من الاعباء المالية على الدولة 330 مليار ليرة لبنانية، نتيجة الاسعار الاغلى عالميا، حيث تستفيد كل الدول من النفايات لانتاج الكهرباء والاسمدة واقامة المعامل وادخال اموال الى خزينة الدولة الا في لبنان حيث يكلف هذا الملف اموالاً ويزيد من الاعباء على المواطنين عبر النهب المنظم الذي يدخل الى جيوب الطبقة السياسية، وتتجاوز المليار دولار واكثر «على عينك يا تاجر» و«دون اي حياء» او اي احترام للحد الادنى من مشاعر الناس. كما حصل في مناقصات امس وما يقلق السياسيين هو الحراك المدني المتصاعد «العفوي» «اليومي» في الساحات، والتي تحاول الطبقة السياسية «الغاءه» و«مصادرته» والتشكيك بمنظميه، والحديث عن مؤامرات وسفارات، لان هذه الطبقة السياسية لم تتعود على المحاسبة، وكانت تمارس كل «المحرمات» دون ان يصدر اي اعتراض على «نهبها» وقمعها، «لاوادم» الناس «بالزعران»، ومصادرة حتى الهواء النقي عبر النفايات السياسية وقتل كل امل بالتغيير، لكن الامور بدأت تتبدل الآن عبر مسار «تغييري»، «شعبي» مدني، جديد ودائما «رحلة الالف ميل تبدأ بميل واحد».
التحركات الشعبية في رياض الصلح امس، عبأت الفراغ السياسي، وكشفت «الشلل» و«القرف» الذي يعيشه اللبنانيون لكن اللافت ان التحركات الشعبية لم تتمكن حتى الآن من «تنظم صفوفها» والاستفادة من اخطاء الايام الماضية عبر التصدي للمندسين، وتشكل حاجز بشري لمنع اي اعتداء على قوى الامن، حيث نجح المندسون امس ولليوم الثاني بتشويه التحركات المطلبية عبر افتعال اعمال شغب وتكسير للمحلات وللوحات الاعلانية واضرام النار في بعض المستوعبات وتحويل ساحة رياض الصلح الى ساحة حرب ورشق قوى الامن بالحجارة والآلات الحادة. وافيد عن القاء قنبلتين مولوتوف باتجاه قوى الامن الداخلي التي ردت ليلاً باقتحام ساحة رياض الصلح واخلاء المتظاهرين بالقوة وافيد عن سقوط جرحى من الطرفين نقلوا الى المسشتفيات.
صورة التحركات الشعبية تعاملت معها مختلف وسائل الاعلام العالمية بايجابية، وحيت المتظاهرين السلميين وانتقدت اعمال العنف بحقهم، وتحدثت وسائل الاعلام المختلفة عن «مندسين» لكنها اشادت بطروحات شباب الربيع اللبناني.
وطالبت السفارة الاميركية في بيروت بضرورة احترام حرية الشعب، وحذرت من اي عمليات قمع للمتظاهرين، ووجهت انذاراً بعدم استخدام القمع ورفض السلوك القمعي.
الصورة الشعبية لحراك امس، كانت تقابلها صورة سيئة في مجلس الوزراء، عبر خلاف سياسي حاد، وانقسامات ادت الى انسحاب وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر والطاشناق وتضامن وزير المردة معهم عبر بيان. ورغم انسحاب 4 مكونات سياسية اساسية في البلاد، فانه لم «ترف» «عيني» الرئيس تمام سلام والـ 17 وزيراً المتضامنين معه، واستمرت الجلسة وكأن شيئاً لم يكن واتخذت القرارات والاعلان عن جلسة لمجلس الوزراء غدا وبجدول اعمال ونقل اعتمادات لوزارة المالية لدفع رواتب الموظفين، فيما مطالب وزراء عون وحزب الله والطاشناق والمردة «بالشراكة» والحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية رد عليها سلام بانها امور سياسية تناقش خارج مجلس الوزراء واعترف بانها امور محقة مع «الآلية» لكن يجب التوافق عليها بين المكونات السياسية على ان يبقى مجلس الوزراء للعمل.
هذا التحدي لن يمر مرور الكرام، في ظل رفض واضح من التيار الوطني الحر وحزب الله والطاشناق والمردة لسلوك الرئيس سلام بمتابعة الجلسة حيث اصبح الرئيس سلام فريقاً وليس حكماً في مجلس الوزراء، ومن المتوقع ان يرد العماد ميشال عون في مؤتمر صحافي من الرابية، على خطوات سلام وحلفائه لجهة رفضه للشراكة ولمكونات سياسية اساسية.

الجمهورية :

لم يكن سهلاً على مجلس الوزراء أن يعقدَ جلسة أمس وسط الأجواء المشحونة، إنْ في الشارع أو بين القوى السياسية التي باتت الهوّة في ما بينها عصيّةً على الردم في القريب المنظور.
في الأساس الجلسة مخصّصة لاتّخاذ قرار بموضوع مناقصات النفايات، لكنّ القرار كان إلغاءَها كلّياً، ما فتحَ الباب على مجموعة أسئلة أصغرُها: هل ما حصَل فعلاً في كلّ الملف كان مسرحية لمصلحة شركة «سوكلين»؟ وأكبرها: هل أصبحَت النفايات المادة الأبرز للتراشق وتبادُل الرسائل حول عناوين كبرى تتعلق بالحكومة والنظام وبمشاريع إقليمية؟
وقائع الجلسة
وكانت الجلسة بدأت بكلمة لرئيس الحكومة تمام سلام أكّد فيها ضرورة حلّ هذا الملف كما وعَد، وأوعز الى المعنيين لإزالة جدار الفصل على حدود السراي الحكومي الذي أُعطي أبعاداً سياسية، مُذّكراً بأنّه سَبق له أن قال إنّه «مع الناس» وإنّ وجعَه «هو وجع الناس».
واقترحَ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أن يتمّ نقل النفايات الى مطامر في أمكنة عدة في عكار مع مراعاة الظروف البيئية والصحية. وقال إنّه أجرى مروحة اتصالات ولقاءات اظهرَت موافقة فاعليات عكار على هذا الامر، مقابل رصد مشاريع انمائية تساعد المنطقة على الحد من الحرمان المزمِن الذي تعاني منه.
فتدخّل الوزير جبران باسيل وقال: «قبلَ الدخول في مناقشة ملف النفايات والذي نحن نؤيّد معالجته، نريد أن نسأل عن المراسيم، إذ كيف يُنشَر سبعون مرسوماً في الجريدة الرسمية من دون توقيع جميع الوزراء عليها؟.
وإذ آزَرَه الوزير حسين الحاج حسن في هذا الموقف، ردّ سلام قائلاً: «هذه مراسيم عاديّة لا علاقة للخلافات السياسية بها».
وتدخّلَ الوزير علي حسن خليل مؤيّداً موقفَي باسيل والحاج حسن، وقال: «إنّ هذه المسألة تحتاج الى مقاربة هادئة».
ورفضَ سلام البحث في أيّ موضوع آخر غير ملفّ النفايات، مؤكّداً أنّه سيَسمح بمناقشة كلّ المواضيع في الجلسة المقبلة، أمّا هذه الجلسة فهي مخصّصة للنفايات.
فعادَ باسيل الى الكلام دافعاً النقاشَ في اتّجاه المطالبة بالشراكة. ورأى الحاج حسن «أنّ هناك إصراراً على ضربِ التفاهمات». وقال: «نريد حلولاً لكلّ القضايا المطروحة، وخصوصاً لموضوع النفايات، لكن للأسف هناك كثيرٌ مِن الأفرقاء يصِرّون على عدم الاستماع الى مطلب الشراكة».
وأعادَ سلام بوصَلة النقاش الى ملف النفايات مقترحاً تخصيصَ مبلغ 100 مليون دولار لإنماء عكار «لعلّها تساعدنا في إيجاد مطمر وحلّ أزمة النفايات المتراكمة منذ 17 تموز الفائت».
وفيما لم يكن الربط بين هذين الأمرين ظاهراً مباشرةً، عَلمت «الجمهورية» أنّ هذا الاقتراح المتكامل تمّ الاتفاق عليه مع جميع المعنيين وتقرّر عدم مقاربته بهذا الوضوح تحسُّباً لردّات فعل شعبية في عكّار، وإفساحاً في المجال لتأمين الأرضية الأوسع له بعد التواصل مع فعاليات المنطقة».
وأبدى عدد كبير من الوزراء موافقتهم على هذا الاقتراح، ورفَعوا أيديَهم مؤيّدين. عندها وقفَ باسيل ومعه الوزراء آرتور نزاريان والحاج حسن ومحمد فنيش وغادروا الجلسة من دون أن يقولوا شيئاً ولم يبَلغوا إنسحابَهم الى مجلس الوزراء، الذي كان في صَدد إقرار اقتراح تخصيص عكّار بمبلغ 100 مليون دولار لإنمائها.
بعد ذلك تحدّث وزير المال عن شوائب كثيرة تَحوط بالمناقصات وفي مقدّمها الكلفة الباهظة التي ستتكبّدها الدولة لمعالجة ملف النفايات. وطالبَ بإلغائها وإعادة النظر فيها. وسانَده وزيرا الحزب التقدمي الاشتراكي.
كذلك كان لعدد من الوزراء ملاحظات وانتقادات لطريقة إجراء المناقصات. فاتُّفِق على إلغائها وتكليف اللجنة الوزارية إعادة إجرائها واستدراج عروض جديدة وإعداد دفتر شروط جديد. ولكن لم يُحدّد موعد لاجتماع هذه اللجنة.
وبعد ساعة على انتهاء الجلسة، عاد خليل الى السراي الحكومي واجتمع بسلام. وعَلمت «الجمهورية» أنه حملَ أفكاراً إليه تتعلق بمعالجة آلية توقيع المراسيم. وقال لدى دخوله الى السراي: «إنّ رواتب الموظفين مؤمّنة، وهي تحتاج الى قرار يتّخذه مجلس الوزراء بنقلِ الأموال من الاحتياط إلى بندِ الرواتب».

الاخبار :

عد خمس سنوات على إقرار خطة معالجة النفايات في مجلس الوزراء، لم تجد الحكومة حلاً للازمة التي أوقعت البلاد فيها سوى الرشوة. رشوة بمئة مليون دولار مقسّطة على ثلاث سنوات لبلديات في عكار، في مقابل إرسال النفايات من بيروت والضواحي وبعض جبل لبنان إلى المحافظة الشمالية المحرومة من نعيم الدولة. على المستوى السياسي، الأزمة تزداد تجذّراً يوماً بعد آخر. تيار المستقبل مصرّ على عزل الجنرال ميشال عون، ومن خلفه حزب الله. يرفض تقديم أي تنازل له.

الرئيس نبيه بري على موقفه الذي يصبّ في مصلحة «المستقبل»: لن يقدّم شيئاً لعون حتى يعترف بشرعية مجلس النواب ويوقّع مرسوم فتح الدورة الاستثنائية. أما رئيس تكتل التغيير والإصلاح، فيرى أن التنازل لبري لن يفيده، ما دام ما يريده موجود أيضاً بيد تيار المستقبل. «ولنفترض أننا نزلنا إلى مجلس النواب من دون اتفاق مع سعد الحريري، فما الذي يضمن ألا تسقط كل مشاريعنا بالتصويت؟»، يسأل مصدر قريب من الرابية.
قبل أيام، عُقِد لقاء ضم الوزير علي حسن خليل والوزير جبران باسيل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حسين الخليل. رأى بعض المطلعين على اللقاء أن نتيجته كانت إيجابية. خرج عون بعدها ليقول إن مجلس النواب قانوني. لكن هذه العبارة لم تُقنع بري. في الخلاصة، العلاقة بين عين التينة والرابية لا تزال متأزمة، رغم التواصل شبه اليومي بين الوزيرين حسن خليل وباسيل.