جولة جديدة من السرقة الوقحة تكشفت في فض عقود الشركات المحسوبة على الاحزاب , وأسعار هي الاغلى في العالم

 

السفير :

لملم الحراك الشعبي جراحه أمس، والتقط أنفاسه، بعد محاولة إجهاضه، إما بالقمع الأمني وإما بتجاوزات العناصر غير المنضبطة.
وبرغم ان حملة «طلعت ريحتكم» أرجأت تظاهرتها المركزية التي كانت مقررة أمس الى يوم السبت المقبل، إلا ان العديد من المواطنين بادروا البارحة الى التجمع السلمي في ساحة رياض الصلح من تلقاء أنفسهم، لمواصلة التحرك الاعتراضي وإبقاء شعلة انتفاضة 22 آب مضاءة.
أما الفضيحة التي ارتقت الى مستوى الصدمة، فتمثلت في لجوء القوى الأمنية الى تركيب جدار إسمنتي في ساحة رياض الصلح للفصل بين السرايا والمتظاهرين المحتجين على سياسات الحكومة.
أقل ما يمكن قوله، هو ان هذا المشهد معيب ومخجل، ولا يليق بصورة لبنان شعباً ودولة.. او ما تبقى منها.
إنه جدار العزل والعزلة، وهو لا يحمي الحكومة بل يحاصرها ويخنقها ويسيء إليها ويشوه آخر ملامحها. يكفي انه يحاكي جدار برلين الذي حطمه الشعب الالماني، وجدار الفصل العنصري الذي بنته اسرائيل في الاراضي المحتلة خوفاً من الشعب الفلسطيني.. فأين الحكمة في استنساخ هاتين التجربتين اللتين أدانهما التاريخ؟
وفي كل الأحوال، لم يستطع الجدار المستحدث ان يحجب صورة المحاصصة التي طبعت المناقصات المتصلة بالنفايات، في إشارة واضحة الى ان الطبقة السياسية لم تستخلص العبر من الانتفاضة الشعبية.
وعلى وقع الاحتجاجات الشعبية، انعقدت جلسة الحوار السابعة عشرة بين «حزب الله» و «تيار المستقبل» مساء امس في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، حيث أكد المجتمعون «حرصهم على حرية التعبير والتظاهر السلمي في إطار القوانين والأنظمة المرعية، ودعمهم مؤسسات الدولة في حماية الاستقرار الداخلي وحفظ الأمن والمؤسسات العامة والأملاك الخاصة».
وشددوا ـ وفق البيان الصادر عنهم ـ على أولوية الحوار والتفاهم بين مختلف الأطراف لمعالجة الأزمات، وعلى ضرورة تحمل الدولة لمسؤولياتها في القضايا التي تهم المواطنين.
محاصصة النفايات
في هذا الوقت، كان أصحاب النفوذ والشهيات المفتوحة يتقاسمون استثمار النفايات، في صفقة مكشوفة، «طلعت ريحتها» منذ ان بدأ الإعداد لها في الغرف السوداء.
والمحاصصة هذه المرة كانت علنية ومفضوحة، بالاسم والشهرة، وعلى عينك يا تاجر. لم تكن هناك حاجة لبذل جهد كبير من أجل تبيان ارتباطات الفائزين في المناقصات مع النافذين السياسيين في المناطق التي تتوزع عليها الشركات الرابحة.
في ملف توزيع أرباح النفايات، تحققت كل شروط التوازن والشراكة والعدالة والمناصفة والتمثيل الصحيح. تعرف الطبقة السياسية جيداً كيف تتقاسم المغانم على «المسطرة». ربما تتأخر الصفقة قليلاً في إطار سعي كل طرف الى تحسين شروطه ومكاسبه، لكنها تُنجز في النهاية.
كان البعض يفترض ان انتفاضة 22 آب ستفرض على الطبقة الحاكمة مراجعة خياراتها وتعديل سلوكها، أقله من باب الانحناء التكتيكي أمام العاصفة، لكن ما حصل هو العكس تماماً، إذ إن المعنيين استغلوا الحراك الشعبي للتسريع في إتمام محاصصة النفايات، بحجة ضرورة التعجيل في معالجة الازمة والاستجابة لمطالب الناس!
والأسوأ، ان كلفة معالجة الطن الواحد من النفايات عبر الشركات الفائزة، هي أكبر من تلك التي كانت تتقاضاها شركة «سوكلين»، ما دفع الى طرح العديد من علامات الاستفهام والتعجب، فيما سارع الرئيس نبيه بري الى المطالبة بإعادة النظر في المناقصات، نسبة الى الأسعار المرتفعة وتحميلها الخزينة أعباءً إضافية كبيرة، «وإلا إلغاء المناقصات.»
ولاحقاً، أوضح وزير البيئة محمد المشنوق «أن هذه الأسعار تشمل إقامة معامل للمعالجة وتحضير وتجهيز المطامر في وقت كانت «سوكلين» تشغّل معامل موجودة ، كما أن هذه الاسعار تشمل موضوع الكنس الذي لم تكن «سوكلين» تقوم به خارج بيروت».
وقال خبراء بيئيون معترضون على أداء الحكومة لـ «السفير» إن تسويات حصلت وتقاسم للمناطق جرى، إما بين السياسيين أو بين العارضين أنفسهم، او بين هؤلاء جميعاً، لافتين الانتباه الى ان الأسعار التي تقدم بها الفائزون كانت في معظمها اعلى من أسعار «سوكلين» التي كانت تتراوح بين 140 و150$ للطن الواحد.
واعتبر الخبراء المعارضون لطريقة مقاربة أزمة النفايات أن المحاصصة كانت نافرة، مشيرين الى انه ليس خافياً أن الفائزين في المناقصات مصنفون في خانات مرجعيات سياسية، إذ إن جهاد العرب محسوب على الرئيس سعد الحريري وأطراف أخرى، وشريف وهبي مقرَّب من الرئيس نبيه بري، وانطوان أزعور (شقيق الوزير السابق جهاد أزعور) محسوب على الرئيس فؤاد السنيورة وجهات أخرى، ورياض الأسعد مقرَّب من النائب وليد جنبلاط، ونعمة افرام منفتح على قوى مسيحية عدة.

النهار :

اختصر انتصاب صادم لجدار إسمنتي أقيم أمس في ساحة رياض الصلح عازلا المحيط الامني للسرايا الحكومية عن "ساحة التظاهر والاعتصامات" تداعيات المشهد الاحتجاجي العارم الذي غمر ساحات بيروت يومي السبت والاحد الماضيين. وبدا واضحاً ان قراراً صارماً بحماية السرايا اتخذ أمس على خلفية وقائع امنية جرت ليل الاحد وكادت تؤدي الى اثارة توترات ذات بعد مذهبي وتوقعات لاستمرار موجات التظاهر في المرحلة المقبلة. لكن اقامة الجدار، التي جاءت عقب ليل الشغب الذي عاث تخريباً في وسط بيروت، لم تخفف اندفاع حركة "طلعت ريحتكم" نحو الاستمرار في تحركها بل شكلت استفزازاً لها، فدعت الى تظاهرة جديدة مساء السبت المقبل.
كما أن تداعيات المواجهات التي جرت لم تحجب تصاعد حمى الاستحقاقات الداهمة التي سيكون اولها اليوم بت ملف النفايات في الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء التي دعا اليها رئيس الوزراء تمّام سلام عقب فض عروض مناقصة هذه النفايات أمس. وهي جلسة تكتسب اهمية مفصلية من ناحيتين: الاولى لكونها ستشكل اختبارا حاسما والبعض يصفه بأنه مصيري للوضع الحكومي نظراً الى استمرار الكباش على أشده بين مجموعة القوى التي يمثلها 18 وزيراً تدفع في اتجاه بت القرارات الحكومية بالاكثرية والفريق العوني الذي يعطل هذه القرارات مدعوماً من "حزب الله". والثانية لان الجلسة تشكل الفرصة النهائية التي حددها الرئيس سلام لبت ملف النفايات الذي كاد يدخل البلاد في دوامة اضطرابات اجتماعية وأمنية شكلت التظاهرات الحاشدة في بيروت نماذج متقدمة منها . وعلى رغم تعويل بعض الاوساط على امكان ان تلامس الجولة الـ 17 للحوار بين تيار "المستقبل" و"حزب الله"، التي أنعقدت ليلا في عين التينة، ملامح مخرج مهدىء يجنب الحكومة هزة قوية جديدة، لم تبرز أي معطيات من شأنها ان تستبعد تجدد الصدام في الجلسة اليوم، علماً ان رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون أجرى اتصالات مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والرئيس أمين الجميل ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أثار فيها ما يعده مخالفة دستورية وميثاقية في توقيع المراسيم الحكومية بأكثرية وزارية وليس بالاجماع. كما ان عاملا آخر طرأ عشية الجلسة تمثل في اثارة اعتراضات على المناقصة نفسها لجهة اسعارها المرتفعة قياساً بالاسعار التي كانت تتقاضاها شركة "سوكلين". واسترعت الانتباه في هذا السياق مطالبة رئيس مجلس النواب نبيه بري ليلا باعادة النظر في مناقصة ملف النفايات "نظراً الى الاسعار المرتفعة وتحميلها الخزينة اعباء اضافية كبيرة وإلا الغاء المناقصات كاملة".

المناقصات
وكانت مناقصات النفايات رست على أسعار راوحت بين سقف أعلى 205 دولارات وسقف ادنى 123 دولاراً للطن الواحد. وبرر وزير البيئة محمد المشنوق ذلك بأن هذه الاسعار تشمل اقامة معامل للمعالجة وتحضير وتجهيز المطامر، وقت كانت شركة "سوكلين" تشغّل معامل موجودة، كما أن هذه الاسعار تشمل موضوع الكنس الذي لم تكن سوكلين تقوم به خارج بيروت. وقال مصدر معني بالمناقصات لـ"النهار" إن دفتر الشروط طلب من العارضين تحديد سعر الجمع والمعالجة وكذلك الكنس وهو الذي تسبب بالفارق مع السعر الذي تتقاضاه "سوكلين"، في حين ان ثمة خفضاً في بعض المناطق مثل كسروان والمتن وجبيل حيث بلغ سعر طمر الطن 123 دولاراً في مقابل 160 دولاراً تتقاضاه "سوكلين".
وقالت مصادر قريبة من وزير البيئة ان الوزير سيقدم الى مجلس الوزراء جدول مقارنة بين أسعار "سوكلين" وأسعار المناقصات تلحظ وضع الكنس جانباً لان عقد "سوكلين" لا يشمل الكنس الا في بيروت الكبرى بما يظهر ان الاسعار متقاربة والعمل افضل.
وتوزعت الشركات الفائزة في المناقصات المناطق الست المحددة وفق خريطة وصفها معنيون بأنها تعكس "لامركزية النفايات" من جهة والمحاصصة السياسية من جهة أخرى. وفازت شركة "لافاجيت" في منطقتي الشمال وبيروت وهي تابعة لأنطوان أزعور شقيق وزير المال السابق جهاد أزعور. وفي جبل لبنان الشمالي فازت شركة "إندفكو" التابعة لنعمة افرام، و"بوتيك" التي يملكها نزار يونس.
وفازت شركة "الجنوب للإعمار" في عاليه والشوف وقسم من بعبدا وهي تعود الى رياض الأسعد. أما شركة "ورد" التي فازت في الجنوب والنبطية فهي لرئيس نادي التضامن صور السابق شريف وهبة المقرّب جداً من الرئيس بري. وتعود شركة "ان ان سي" التي فازت في البقاع والهرمل الى جهاد العرب وقاسم حمود القريبين من الرئيس سعد الحريري.
وصرح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ"النهار" بأنه لا يتوقع أن يُقرّ اليوم في مجلس الوزراء شيء من المناقصات بل يتوقع أن تبدأ مرحلة درس المناقصات، خصوصاً ان الرئيس بري دعا الى إعادة النظر فيها. لكنه رأى في فض العروض نقطة إنطلاق على أن يبت الملف خلال فترة بسيطة ويبدأ الشروع في اعتماد إجراءات موقتة لمعالجة مسألة النفايات ريثما تنجز مسألة المطامر. وأشار الى إمكان خفض أسعار الشركات التي رست عليها المناقصات وهذا أمر معروف في هذا المجال من طريق المفاوضات التي ستتم بين الدولة والشركات.
وعن الجلسة العادية لمجلس الوزراء بعد غد الخميس قال إن الاولويات فيها باتت معروفة ألا وهي الرواتب والهبات والقروض وقضية شركة الطيران الاجنبية التي تقاضي لبنان. وأوضح أن أجواء التصعيد السياسي المرافق لعمل الحكومة لا يزال قائما.

 

المستقبل :

انفضّت نتائج العروض المالية لمناقصات النفايات في بيروت والمناطق أمس على وقع ارتفاع الأصوات المطالبة بخفض أسعارها كما طالب رئيس مجلس النواب نبيه بري مساءً «وإلا إلغاؤها بالكامل»، بينما أكدت مصادر رفيعة في تيار «المستقبل» على أحقية هذا المطلب وقالت لـ«المستقبل»: «لا مشكلة في إعادة النظر بكل المناقصات إذا تبيّن أنّ الأسعار مرتفعة». أما على مستوى الشارع الملتهب مطلبياً فلا تزال الأيدي العاملة على دسّ السمّ في كأس التحركات المدنية السلمية تتحيّن الفرصة تلو الأخرى لإعادة تأجيج الوضع كلما استطاعت إلى ذلك سبيلاً وسط تجدد الاعتداءات بشكل محدود ليلاً على القوى الأمنية في محيط السرايا الحكومية بشكل اقتصر على رشق عناصرها بالحجارة بشكل مركز وكثيف من دون أن يلقى المعتدون أي رد فعل أمني امتثالاً لأمر الاستيعاب وضبط النفس إلى أقصى الحدود قطعاً للطريق على مخططات المندسين التخريبية. وفي حين ستكون الحكومة اليوم أمام امتحان مفصلي خلال الجلسة الاستثنائية التي ستُعقد على نية حل أزمة النفايات مرحلياً حتى الانتهاء من بلورة صيغة الحلول الجذرية للأزمة، يترقب المواطنون ما ستخلص إليه الجلسة وما إذا كانت ستتمكن من نفض القيود التعطيلية المستحكمة بآلية عملها وإعادة تفعيل انتاجيتها، بحيث لا بد أن يقطع مسار الجلسة اليوم الشك باليقين أمام اللبنانيين فاصلاً بين خيط التعطيل الأسود وخيط التفعيل الأبيض بما يؤسس لتلمّس اتجاه الرياح الحكومية على بعد 48 ساعة من عودة مجلس الوزراء إلى الالتئام بعد غد الخميس لاستكمال البحث بالأولويات المطلبية الملحّة واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها.
وعلمت «المستقبل» أنّ رئيس الحكومة تمام سلام يقوم بمحاولة جدية لتحقيق تفاهم بين مختلف مكونات مجلس الوزراء حول ملف النفايات لتجنب خيار التصويت خلال جلسة اليوم، وقد بُذلت في هذا الإطار مساعٍ حثيثة لتأمين هذا التفاهم من خلال سلسلة اتصالات استمرت حتى وقت متأخر من الليلة الماضية على أكثر من خط قيادي من دون أن تتضح نتيجة هذه الاتصالات وما إذا كانت قد نجحت فعلاً في تعبيد الطريق أمام إقرار بند النفايات بالتوافق.
من ناحيتها، أوضحت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ جلسة اليوم ستدرس نتائج المناقصات المالية التي أعلنت أمس تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب حيالها، فيما سيبادر مجلس الوزراء إلى مناقشة واتخاذ القرارات الخاصة بالإجراءات والتدابير الموقتة لمعالجة الأزمة لا سيما المتعلق منها بمسألة الطمر، فضلاً عن إقرار حزمة مشاريع إنمائية لمنطقة عكار في سياق المشروع الوطني الهادف إلى تمكينها من استعادة بعض من حقوقها الواجبة على الدولة تطبيقاً لقاعدة الإنماء المتوازن.
وإذ لفتت المصادر إلى أنه في التقويم السياسي للمشهد الميداني الذي تدهور دراماتيكياً خلال الأيام الماضية تقاطعت أطراف وطنية عدة عند عدم استبعاد أن يكون ما حصل في وسط العاصمة التجاري من تخريب وشغب «رسالة مضادة لدعوة الحكومة إلى الانعقاد واتخاذ قرارات بأكثرية أعضائها إذا تعذر التوافق»، أشارت المصادر إلى كون ما عزز هذه الفرضية هو الضغط السياسي المتزامن مع هذه الأحداث والمتمحور حول ضرورة تذليل «العقدة العونية» كشرط أساس لاستعادة إنتاجية مجلس الوزراء وفق ما ردّ «حزب الله» على كل المحاولات الجارية لإعادة تفعيل عمل الحكومة وتمكينها من إقرار الحاجات الحياتية والحيوية الملحة للمواطنين.

الديار :

المواجهة بين الحكومة والمجتمع المدني الى تصاعد وسيكون الشارع ساحتها الاساسية، ويبدو ان شعارات «طلعت ريحتكم» باسقاط الحكومة ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والقمع بحق المتظاهرين واطلاق الموقوفين «دغدغت» شعور العديد من اللبنانيين الذين نزلوا امس بشكل «عفوي» الى امام المتحف ورياض الصلح، وكان الحشد يكبر تدريجياً وتجاوز الآلاف حيث حمل المواطنون «الشموع» وساروا بمسيرة صامتة ما بين المتحف ورياض الصلح «مرددين» الشعارات باسقاط الحكومة وبشكل سلمي وحضاري معيدين الى الاذهان صور «الربيع العربي» و«التحركات الشبابية» في مصر وتونس والعديد من الدول العربية، خصوصاً ان هيئات المجتمع المدني دعت الى استمرار الاعتصامات اليومية عصراً في رياض الصلح، فيما دعت «طلعت ريحتكم» الى التظاهر نهار السبت رفضاً للفساد والمحاصصات في المناقصات.
ويبدو ان الحكومة ونتيجة «قصر النظر» ردت على هذه الدعوات برفع «ساتر» من الباطون حاجباً «الرؤية» والتواصل بين السراي وساحة «رياض الصلح» وكأن «السراي» تحميها سواتر الباطون في رأي وزير الداخلية، فيما الحماية الحقيقية تكون بالاستماع الى مطالب الناس وأوجاعهم وضرب الفساد ووقف المحاصصات والسرقات وبناء دولة عادلة لجميع اللبنانيين، وهذا هو الطريق الوحيد لحماية السراي والتصاقها بأهلها وناسها، ومتى كان القمع والحواجز «يحمي» الدولة ورموزها.
وفي ظل هذه الأوضاع المرشحة للانفجار الشعبي في الشارع مما قد يؤدي الى اعلان حالة الطوارئ في البلاد خصوصا ان قائد الجيش العماد جان قهوجي أكد أن الجيش لن يتهاون مع المخلين بالامن والمندسين بين المتظاهرين الذين يسعون الى حرف التظاهرات السلمية عن مسارها ومطالبها المشروعة، خصوصاً ان الحرص على الاستقرار مطلب دولي واقليمي.
وقد أدى نزول الجيش اللبناني الى ساحة رياض الصلح ليل الاحد الى تجنيب البلاد احداث كبيرة في ظل «الفوضى» في الشارع وأعمال الشغب.
واللافت ان الدولة الغائبة عن السمع، لم تستمع الى مطالب الناس، وردت على تحركاتهم باعلان فض عروض المناقصات في النفايات، وحملت روائح فساد كبيرة ومحاصصات سياسية مما دفع المجتمع المدني الى الاعلان عن المزيد من التحركات الشعبية في الشارع على امتداد الايام المقبلة وصولاً الى التظاهرة الكبرى السبت.
جلسة الحكومة اليوم ستقرر مصير الرئيس تمام سلام ما اذا كان سيستمر او يستقيل، فاذا وقف وزراء عون ضده وسانده وزراء حزب الله فان سلام سيستقيل، اما بالنسبة لعون فأنه رأى خطورة كبيرة ان ينشر الرئيس سلام مراسيم بتوقيع 18 وزيراً متجاهلاً القوة المسيحية الاولى وهي تيار عون، وبالتالي تخطى سلام صلاحية رئيس الجمهورية في غيابه.
من هنا ستكون الجلسة حامية جداُ وقد اصيب الرئيس سلام بصدمة لأن الرئيس بري ادلى بتصريح قال فيه ان المناقصة مكلفة للغاية على خزينة الدولة فيجب اعادتها او الغاءها بالكامل، وهذا التصريح لبري جعل جلسة الحكومة دون قيمة لان الجلسة مخصصة لبحث موضوع النفايات فاذا كان موقف رئيس مجلس النواب مع عون وحزب الله ضد المناقصات فقد ماتت المناقصات قبل جلسة الحكومة.
اكدت مصادر سياسية متابعة ان بعض الاتصالات التي حصلت لتكون الجلسة منتجة بهدف بتّ بعض الملفات الضرورية، لم تفض الى توافق ما بين رئيس الحكومة تمام سلام والى جانبه تيار المستقبل وحزب الكتائب ووزراء الرئيس السابق ميشال سليمان وما بين العماد عون وحزب الله من جهة ثانية. واوضحت المصادر ان بعض ما صدر من تصريحات في اليومين الماضيين والتي كان آخرها أمس تصريح وزير الداخلية نهاد المشنوق من السراي الحكومي تفيد ان الرئيس سلام ومعه وزراء المستقبل ما زالوا على رفضهم التجاوب مع مطالب العماد ميشال عون بالشراكة وبالتالي اعادة النظر بآلية عمل مجلس الوزراء بما يفسح المجال امام مشاركة كل مكونات الحكومة بالقرار.

الجمهورية :

توقّفَ المراقبون أمس عند أربعة مواقف أو تطوّرات: البيان الصادر عن الحوار بين «حزب الله» و»المستقبل»، والذي أكّد أنّ التفاهم بينهما ما زال ساريَ المفعول، وبدّد كلّ المخاوف من انفراط هذا التفاهم الذي ظهَر بأنه أمتن ممّا يتصوّره البعض، وإنْ دلّ هذا البيان على شيء، فعلى أنّ الأمور تتّجه للانحسار والاحتواء.
تلويح رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميّل بالاستقالة من الحكومة في حال استمرار التعطيل، حيث أكّدَت مصادر كتائبية لـ»الجمهورية» أن «لا التعطيل مقبول ولا الخضوع للتعطيل مقبول». رسمُ قائدِ الجيش العماد جان قهوجي للخطوط الحمر بين حدَّي حماية حرّية التعبير، وحماية الاستقرار وأرواح الناس وممتلكاتهم والمؤسسات الدستورية.
توَجُّه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى إطلاق مبادرة إنقاذية من خلال جمعِ الزعماء الموارنة الأربعة في بكركي ووضعِهم أمام مسؤلياتهم الوطنية والتاريخية من منطلق أنّ ما يَحدث سببُه الأوّل غياب رئيس الجمهورية، واتّفاقهم على رئيس يَفتح الباب أمام انتظام عمل المؤسسات.
الحوار
وفي كلّ هذا المشهد الذي أثار المخاوف من وجود نيات لتغيير قواعد الاشتباك جاءت جلسة الحوار أمس لتبدد كل هذه المناخات، وتؤكد على استمرار الحوار والتفاهم على الثوابت المشتركة التي حكمت المرحلة منذ تأليف حكومة الرئيس تمام سلام، ما يعني أن الأمور ستبقى تحت السيطرة.
وكانت انعقدت جلسة الحوار السابعة عشرة بين «حزب الله» و «تيار المستقبل» مساء أمس في مقر الرئاسة الثانية، بحضور المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين الخليل والوزير حسين الحاج حسن، والنائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن «تيار المستقبل»، كما حضر الجلسة الوزير علي حسن خليل.
وبحثَ المجتمعون تطوّرات الأوضاع الداخلية والقضايا الاجتماعية وما حصَل في الأيام الأخيرة. و أكّدوا حرصَهم على حرية التعبير و التظاهر السلمي في إطار القوانين والانظمة المرعيّة، ودعمَهم لمؤسسات الدولة في حماية الاستقرار الداخلي وحفظ الامن والمؤسسات العامة والأملاك الخاصة.
وشدّد المجتمعون على أولوية الحوار والتفاهم بين مختلف الاطراف لمعالجة الأزمات، وعلى ضرورة تحَمّل الدولة لمسؤلياتها في القضايا التي تهمّ المواطنين.
قلق دولي
وأثارت حوادث الشغب في وسط بيروت، والتي أدّت الى إصابة 99 عنصراً من قوى الامن الداخلي في مواجهات مع المتظاهرين والمندسّين وخلّفَت أضراراً مادية كبيرة في الممتلكات، قلقاً أممياً ودولياً وعربياً، ما دفعَ بدوَل كالكويت والبحرين والسعودية الى تحذير رعاياها من السفر الى لبنان، ومغادرته، حِرصاً على أمنهم وسلامتهم، فيما قال السفير الاميركي دايفيد هيل إنّ الدستورَين الأميركي واللبناني يَدعمان الحقّ في الاحتجاج السِلمي، وهذا حقّ لا يتجزأ من قيَم وتاريخ كلّ مِن بلدينا، وكما قال رئيس الحكومة في تصريحه بالأمس، هذا حقّ يجب حمايته. وإذا تبيّن أنّ هناك انتهاكاً له، فلا بدّ أن يكون هناك مساءلة كما دعا الرئيس سلام».
وفيما رُفِعَت في ساحة رياض الصلح سواتر إسمنتية لمنع أيّ اعتداء على السراي الحكومي، أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق عدمَ السماح بالدخول إلى حرمِها وحرمِ مجلس النواب.
التحقيقات شَملت العشرات
وفي هذه الأجواء باشَر أمس مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي داني الزعني تحقيقاته مع العسكريين والمدنيين الموقوفين على ذمّة التحقيق في أحداث ساحة رياض الصلح، إنفاذاً للإستنابات القضائية التي صدرت بهذا الشأن.
وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ التحقيقات شملت العشرات من العسكريين من مختلف فصائل بيروت ولا سيّما من فوج مكافحة الشغب الذين كانوا في مواجهة المتظاهرين بين جانبَي فاصل الشريط الشائك. وتزامنَ التحقيق مع استمرار العمل بالتدبير الأقصى لإستمرار جميع العسكريين محجوزين رهن المستجدّات وما يمكن أن يطرأ بين لحظة وأخرى.
ولفتَت المصادر إلى أنّ التحقيقات شَملت سبعة مدنيين ما زالوا موقوفين رهنَ التحقيق وكانت لهم أدوار في المواجهة التي جرت مع العسكريين بانتظار أن تنتهي التحقيقات للبَتّ بمصيرهم وإطلاق سراحِهم أو سَوقهم للمحاكمة بانتظار إنجاز التحقيقات التي تجري بوتيرة سريعة للغاية بغية الإنتهاء منها في أسرع وقت ممكن.
على صعيد آخر تسَلّمت المراجع المعنية تقاريرَ مفصّلة من مختلف فصائل قوى الأمن التي كانت لها مهمّات في مناطق التظاهر يومَي السبت والأحد، وقد تجاوزَت الحصيلة النهائية للإصابات بين العسكريين مئة إصابة.
قهوجي
بدَوره، أكّد قائد الجيش العماد جان قهوجي جهوزية الجيش الكاملة «للحفاظ على استقرار مدينة بيروت وحماية المؤسّسات الدستوريّة ومنعِ الإعتداء على أرواح المواطنين وممتلكاتهم تحت أيّ ظرفٍ أو شعار»، وشدّد في الوقت نفسه على «حماية التظاهرات السلميّة وحق الجميع في حريّة التعبير عن مواقفهم وآرائهم، في إطار القانون والنظام».
وأعلن قهوجي «أنّ الجيش لن يتهاون مع المخِلّين بالأمن أو المندسّين بين المتظاهرين الذين يسعون إلى حرف التظاهرات السِلميّة عن مسارها الحقيقي ومطالبِها المشروعة، بهدف النَيل من هيبة القوى الأمنيّة، تمهيداً لإثارة مناخات الفتنة والفوضى في البلاد».
وكان قهوجي تفقّدَ أمس فوجَ التدخّل الثالث في بيروت، وجالَ في مراكزه واطّلع على الإجراءات والتدابير الامنيّة التي اتّخذها في ضوء التطوّرات الأخيرة، والتقى الضبّاط والعسكريّين.

الاخبار :

تزداد الأزمة تعقيداً. الحراك في الشارع يحاول الخروج من الصدمة التي أوقعه فيها بعض منظميه، وبعض السلطة، أول من أمس. يعيد المنظمون رصّ صفوفهم تمهيداً لمعاودة التحرك يوم السبت المقبل. السلطة في المقابل تغرق في الأزمة أكثر فأكثر. حوار حزب الله وتيار المستقبل برعاية الرئيس نبيه بري في عين التينة أمس لم يحقق أي تقدّم لحل العقد التي تجمّد عمل الحكومة ومجلس النواب. تيار المستقبل والرئيس تمام سلام، يساندهما بري والنائب وليد جنبلاط، لا يزالان متمسكين بعدم تقديم أي تنازل للعماد ميشال عون، رغم معرفة من بيدهم الأمر في التيار الأزرق أنه لا حل للمشكلات التي تشل المؤسسات من دون التنازل لعون. وفي الوقت عينه، لا يملك «المستقبل» أي تصور للحل، ويعبّر سياسيوه عن خشيتهم من ارتفاع حدة الحراك الشعبي، ومن إمكان دخول التيار الوطني الحر وحزب الله على خط التحركات الشعبية، سواء من خلال الحراك الحالي، أو عبر احتجاجات مستقلة.

وبعدما أعلن بري أمس اعتراضه على نتيجة مناقصات النفايات، ربطاً بأسعارها المرتفعة، بات مصير جلسة مجلس الوزراء اليوم في مهب الريح، رغم أن موقف بري أعفى وزراء عون وحلفاءه من خوض معركة في جلسة مجلس الوزراء اليوم وحدهم. كذلك إن الجسلة العادية للمجلس، والمقررة يوم الخميس المقبل، متجهة نحو التفجير، في ظل إصرار تحالف الرئيس سعد الحريري ــ سلام ــ بري ــ جنبلاط على إصدار قرارات بصرف النظر عن رأي تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله، بخلاف ما اتُّفق عليه بشأن آلية العمل الحكومي بعد الشغور الرئاسي.
وحرّك عون أمس مجدداً موضوع صلاحيات رئيس الجمهورية بعدما نشر سلام مراسيم عادية لم يوقعها وزراء التكتل ووزراء حزب الله. وأثار الخبر استياء عون الذي اعتبر نشر المراسيم مسّاً بصلاحيات رئيس الجمهورية، في وقت كانت البلاد فيه مشغولة بقضية النفايات والتحركات الشعبية. وبدا عون أمس في اتصالاته السياسية وفي لقاءاته كادرات التيار الوطني الحر مستعداً مجدداً للتحرك في الشارع ولمواجهة جديدة في مجلس الوزراء على خلفية نشر المراسيم وصلاحيات رئيس الجمهورية والتوافق داخل مجلس الوزراء.