ثورة يخطفها النظام الطائفي , فلا يأس عند الشعب اللبناني فهو مستمر برفض النظام الفاسد

 

السفير :

إنها انتفاضة 22 آب التي أنهت العصر الآذاري..
صحيح أننا انتظرناها طويلا، لكنها وصلت أخيرا ولو متأخرة عن الموعد الاصلي.
كان مشهد رياض الصلح معبّراً خلال اليومين الماضيين، برغم التجاوزات التي رافقته، إنما من دون أن تلجمه أو تشوّه منطلقاته المشروعة.
لم يعد الأمر يتعلق بنقمة أو انتقام ردا على أزمة النفايات العضوية التي كانت شرارة الشارع، ليس إلا، قبل ان يتدحرج الغضب ليجتاح .. «النفايات السياسية».
إنها على الأرجح الفرصة الأخيرة أمام الإنقاذ، بعدما تسبب سلوك المنتمين الى «سلالة» السلطة في إقفال كل ممرات التغيير الطبيعية، سواء عبر انتخاب رئيس الجمهورية أو عبر إجراء الانتخابات النيابية..
لكن، ولأن الفرصة ثمينة وربما نادرة، فإن من واجب جميع الحريصين عليها أن يتولوا حمايتها بكل الوسائل الحضارية، وبالتالي ان يحولوا دون جعلها رهينة بعض الغوغائيين ممن عاثوا في وسط بيروت فسادا، فأساؤوا الى القضية المحقة، وحرفوا وجهة التحرك عن مساره السلمي والحضاري، ما سمح لهذه السلطة المترهلة بأن تلتقط أنفاسها وتختزل الحراك بمجموعة من المتظاهرين المندسين، أو بعناصر غير منضبطة، أصرت حتى ساعة متأخرة من ليل أمس على استخدام كل فنون الشغب، تحطيماً وحرقاً، برغم أن حملة «طلعت ريحتكم» قررت مساء امس الانسحاب من الشارع، في انتظار معاودة الاعتصام عند السادسة مساء اليوم.
ليس مسموحاً لهذه القلة من الموتورين أن تحجب حقيقة الحراك المشروع وأن تخفي جوهر الأزمة، وعلى المسؤولين بدورهم عدم التلطي خلف غبار المشاغبين للهروب الى الأمام، لان من شأن أي سوء تقدير أو سوء توقيت في المقاربة الصحيحة واتخاذ القرارات المناسبة، ان يؤدي الى تفاقم الوضع وانزلاقه نحو المحظور الذي لاحت مؤشراته ليل أمس من خلال المواجهات بين بعض المجموعات والقوى الامنية، في شوارع وسط بيروت التي تحولت الى ساحة حرب، ما أدى الى سقوط عشرات الجرحى من المتظاهرين، أحدهم أصيب في رأسه وهو في حال حرجة جدا، إضافة الى عدد من المصابين في صفوف العناصر الامنية.
وفي دلالة على الآثار السلبية التي تركتها أعمال الشغب المشبوهة والمريبة، لم يتردد أحد الوزراء في القول لـ «السفير» ليل أمس ان مواجهات وسط بيروت أثبتت أن التحرك الاحتجاجي يفتقر الى القيادة والتنظيم، وان الداعين اليه ليسوا أهلاً لهذه المهمة، ناصحاً وزير الداخلية بمنع حملة «طلعت ريحتكم» من التظاهر لأنها غير قادرة على تنظيم تظاهرة! ونبه الوزير ذاته الى ان بعض التحركات المضادة كادت تحصل في عدد من المناطق وأحياء العاصمة دفاعا عن الحكومة، لكن جرى وقفها.
هذه القلة من الفوضويين والعبثيين لا تبرر بالطبع العنف المفرط المستخدم من القوى الامنية في مواجهة المحتجين عموما، وصولا الى إطلاق النار بغزارة، خصوصا أمس الاول، وهو تجاوز فادح وفاضح لا بد من محاسبة المسؤولين عنه.

النهار :

لم تسقط الحكومة انما سقطت هيبتها على رغم الافراط في استعمال القوة التي لم تتمكن من ضبط مندسين تسللوا طوال يومين ليخطفوا حراكاً مدنياً حضارياً، وبدت المواجهة حتمية بين الرئيس تمام سلام والفريق المؤيد لاستمرار العمل الحكومي بوتيرة انتاج أفضل، و"المندسين" سياسياً لمحاصرة الحكومة السلامية وفرض واقع جديد عليها وعلى البلاد بمجملها بدءاً من تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، مرورا بتعطيل العمل الحكومي، وصولاً الى تعطيل التشريع، مما يدخل البلاد في أزمة فراغ قد تستكمل فصولها الخميس المقبل مع اصرار العماد ميشال عون على المواجهة مع سلام، الامر الذي قد يدفع الاخير الى الاستقالة لئلا يكون شاهداً على الانهيار كما قال امس، وهو ما يدفع في اتجاه مؤتمر تأسيسي كان دعا اليه الامين العام لـ"حزب الله" وأيده فيه عون.
وبدا واضحاً ان "القوى التي تعطل مؤسسات الدولة وتجمّد البلد تريد ركوب موجة الاحتجاجات الشعبية ما انعكس خشيةً من تحويل ساحة رياض الصلح إلى ساحة رسائل متبادلة وتصفية حسابات بين القوى السياسية واستغلال المتظاهرين لهذا الغرض" كما قالت محطة "ان بي ان" التابعة للرئيس نبيه بري ملمحة الى "التيار الوطني الحر".
واذا كانت المواجهة الحقيقية في الشارع، فان أبعادها وتداعياتها سياسية بامتياز، لكن ما يجدر التوقف عنده هو خروج اللبنانيين الذين نزلوا الى الساحات، عن ارادة السياسيين والاحزاب، وتحررهم من الطوائف والمذاهب، ليعبروا عن غضبهم من تقصير الحكومة الحالية المعطلة منذ ثلاثة أشهر، ومن تراكمات الحكومات السابقة، وخصوصا من "النفايات السياسية" على حد وصف الرئيس سلام.
واذ رأى رئيس الحكومة في مؤتمره الصحافي الاستيعابي "أنه اذا لم تكن جلسة الخميس منتجة، فلا لزوم لمجلس الوزراء من بعدها، فللصبر حدود بعدما نفد صبر الشعب، ولا يمكن الاستمرار بتغييب المساءلة النيابية والقرارات التشريعية"، فقد تلقى دعماً من أكثر الاطراف السياسيين في ما عدا العماد عون الذي اعتبر "أنّ مؤتمر العجز المقيم وكلام الاحتواء العقيم ومحاولة الابتزاز المهين لن يمر من دون رد مناسب في مجلس الوزراء وخارجه، خصوصاً على مستوى الشعب صاحب السيادة ومصدر كل سلطة والذي منعه فريق الأكثرية الحكومية من أي محاسبة منذ إلغاء حقه في الانتخاب الديموقراطي".
أما الرئيس نبيه بري، فقال امام زواره: "عندما يشل البرلمان ولا يستطيع القيام بدوريه التشريعي والمحاسبة، من الطبيعي ان يطالب الشعب بوكالته. من حق اللبنانيين ان يصرخوا ويعبروا عن آرائهم ويتظاهروا وهذا حق مشروع". وسئل عن المطالبة باستقالة الحكومة، فأجاب بري: "ما هو البديل غير الفراغ، الا يكفينا الشغور الرئاسي؟".
وأبلغت مصادر وزارية "النهار" أن الرئيس سلام تلقى امس من سفراء الدول الكبرى والاتحاد الاوروبي اتصالات تؤكد عليه وجوب عدم الاستقالة. وحض هؤلاء رئيس الحكومة على أن يصمد وأن يواجه التطورات بسبب الخوف من أن تتطور الامور نحو إدخال لبنان في الفوضى العربية وهذا الامر ممنوع بقرار دولي. وشارك في هذه الاتصالات عدد من سفراء الدول العربية الاساسية الذين اتصلوا أيضا بعدد من القيادات الفاعلة طالبين منها دعم الحكومة وإلا فإنها تتحمل مسؤولية سقوط الاستقرار في لبنان وتالياً دخول لبنان في فوضى المنطقة. وتحدثت المصادر عن معلومات مفادها أن اتصالات أميركية أجريت مع إيران من أجل الحفاظ على الاستقرار في لبنان، وهذه المعطيات تبلّغها العماد عون كي لا تكون هناك محاولة استقطاب في خضم ما يجري من تطورات.
ومن المتوقع أن تشهد السرايا الحكومية اليوم حركة كثيفة من اللقاءات والاتصالات للتضامن مع المواقف التي أعلنها الرئيس سلام وسط توجه الى فض عروض المناقصات الخاصة بالنفايات فورا وانعقاد مجلس الوزراء قبل الخميس وإجراء التحقيق في مصدر إطلاق النار على المتظاهرين السبت وإعلان أسبوع أمني في بيروت الكبرى تحسبا لدخول جهات إرهابية على الخط.
وفيما استمرت المواجهات بين العناصر الامنية ومندسين ليلا في محيط السرايا بعد انسحاب المنظمين والمتظاهرين ودعوتهم الى تجمع ثالث في السادسة مساء اليوم، اقفل متضامنون طرقا في مناطق عدة بعض الوقت، وتابع وزير الداخلية نهاد المشنوق الاجراءات الامنية لإعادة فتحها واقفال ساحتي رياض الصلح والشهداء بعدما سادت حال من الشغب.

المستقبل :

خرجت الحركة الاحتجاجية على قضية النفايات أمس، عن مسارها، كما عن السيطرة، بما في ذلك سيطرة الداعين إليها، وأُخليت ساحة رياض الصلح للمندسّين والمجموعات «المخرّبة» والفوضى التي ملأت الفراغ السياسي الناجم عن سياسة التعطيل المتواصلة منذ شغور موقع رئاسة الجمهورية، قبل أن يتدخّل الجيش قبيل منتصف الليل لصدّ المشاغبين (وليس المتظاهرين). وأثارت عمليات الشغب التي عاثت في وسط بيروت سرقات وتكسيراً للمحال وإشارات السير، علامات استفهام سياسية كبرى حول الهوية السياسية لهؤلاء «المندسّين» الذين حضر معظمهم من منطقة الخندق الغميق، وحول الغايات السياسية من وراء هذا الشغب الذي استهدف استقرار لبنان واللبنانيين، بمن فيهم منظّمو تحرّك «طلعت ريحتكم» الذين سارعوا الى تمييز أدائهم ومطالبهم عن أداء ومطالب «المندسّين».
انتخاب رئيس
وفيما غاب «حزب الله»، وحده، عن السّمع وعن اتخاذ أيّ موقف إزاء ما شهدته العاصمة على مدى يومين، أجمعت القوى الرسمية والسياسية على أن ملف النفايات هو «القشّة التي قصمت ظهر البعير»، على حدّ تعبير رئيس الحكومة تمام سلام، بعد انعكاس الشغور الرئاسي المستمرّ «منذ أكثر من عام» كما قال الرئيس سعد الحريري» سلباً على مسار الدولة ككلّ وعلى عمل الحكومة ومهمّاتها». وهذا ما دفع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى التأكيد أمس أن الفوضى العارمة هي «نتيجة الامتناع عن انتخاب رئيس»، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع وأعضاء كتلته النيابية الى الاتصال برؤساء الكتل النيابية، كما كشف مصدر رفيع في «القوات» لـ»المستقبل»، ودعوتهم الى الاعتصام في المجلس النيابي «الى حين انتخاب رئيس».
اتصالات
اليوم الماراتوني تخلّلته اتصالات سياسية متسارعة شملت الرؤساء برّي وسلام والحريري ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط وقائد الجيش العماد جان قهوجي انتهت حسب مصادر وزارية متابعة الى مجموعة من النتائج أبرزها:

1 انتشار الجيش ليلاً في مناطق الاضطراب في وسط بيروت لصدّ المشاغبين، بعد اتصالات بين الرئيس سلام والوزير المشنوق وقائد الجيش.

2 تقديم موعد فض عروض المناقصات بشأن النفايات من مساء غدٍ الثلثاء الى بعد ظهر اليوم.

3 تقديم موعد جلسة مجلس الوزراء من الخميس المقبل الى يوم غدٍ الثلثاء أو الأربعاء وفقاً لنتائج اجتماع فض العروض.

4 استعادة «التماسك» بين مكوّنات الحكومة المتوافقة على إقرار مجموعة من البنود الضرورية في جلسة مجلس الوزراء المقبلة، وفي مقدّمها بند النفايات، حتى ولو اضطرّت الى التصويت.
برّي
ونقل زوّار الرئيس برّي عنه تأكيده أمس أنه متمسك بتصويت وزرائه في الحكومة على أي قرار حتى «لو صوّتوا لوحدهم»، وأنه أبلغ الرئيس سلام أمس هذا الموقف، آملاً منه تقديم موعد الجلسة وكذلك اجتماع فض العروض، مستنكراً الدعوات الى إسقاط الحكومة.
ووصف برّي حسب الزوّار ما جرى في ساحة رياض الصلح بـ»الخطير»، داعياً الى استيعاب الوضع قبل انفلاته «في وجه الجميع». وإذ نفى انتماء «المندسين» الى حركة «أمل»، أكد أن خارطة الحلّ تنطلق من فتح أبواب المجلس النيابي وانتخاب رئيس للجمهورية من جهة، والسّعي من جهة ثانية الى إعادة فتح مطمر الناعمة لمدة ستة شهور فقط بانتظار ترجمة نتائج فض العروض.
سلام
وكان الرئيس سلام أعلن في مؤتمر صحافي أمس أن ما حدث «لا نستطيع إلا أن نتحمّل مسؤوليته خصوصاً في ما يتعلّق باستعمال القوة المفرطة مع هيئات المجتمع المدني»، جازماً أن ذلك لن يمرّ من دون محاسبة»، مؤكداً أن ما جرى «ليس ابن ساعته بل هو تراكم لقصور ولتعثّر ولغياب نعيشه ونتحمّله». ودعا الشعب «لمساعدتنا لأن هناك غياباً للقوى السياسية التي لا تقوم بواجباتها في السلطة التشريعية وفي العجز عن انتخاب رئيس وصولاً الى تعطيل مجلس الوزراء». وأكد سلام أن «أمامنا جلسة (للحكومة) الخميس، فإذا لم تكن منتجة لا لزوم لمجلس الوزراء من بعدها»، ملوّحاً بقرار «مناسب».

الديار :

حولت القوى الامنية ساحة رياض الصلح الى ساحة حرب حقيقية في مواجهة متظاهرين سلميين عزّل، عبر استخدامها كل اشكال القوة المفرطة من رصاص حي ومطاطي وقنابل مسيلة للدموع وخراطيم المياه وسيارات مجهزة باحدث الاساليب لمواجهة المتظاهرين العزل، مما ادى الى سقوط شهيد وعشرات الجرحى من المتظاهرين الذين ردوا على قمع السلطة باجسادهم العارية والمبللة وما توفر لهم من حجارة.
القرار الذي اتخذه الرئيس تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق مع بعض المسؤولين ادى الى حرق بيروت امس، وتسبب بكل المآسي التي حصلت نتيجة رفضهما لكل الحلول، حتى انهما ذهبا بتبرير قمعهما المفرط وسقوط شهيد وعشرات الجرحى بوجود «المندسين» واستخدام هذه العبارة لتبرير قرارهما القمعي، فيما جميع اللبنانيين شاهدوا وعبر النقل المباشر للوسائل الاعلامية، ان الاستخدام المفرط للقوة ادى الى فلتان الامور وتحول المشهد الحضاري الى مشهد عنفي نتيجة قمع القوى الامنية بقرار من الرئيس سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق وقد اجتاحت هذه القوى منطقة رياض الصلح دون اي اكتراث لارواح الناس ولاحقتهم حتى ساحة الشهداء.
المشهد الذي عاشه اللبنانيون امس كشف ان لبنان يعيش ازمة نظام حقيقية، مع وجود طبقة سياسية فاسدة، هي الاسوأ منذ قيام لبنان الكبير عام 1920، فهذه الطبقة وعبر سرقاتها ومحصصاتها وفسادها شلت البلاد واوصلت الديون الى 70 مليار دولار واكثر، دون اي تحسن في الخدمات، فلا طرقات ولا مياه ولا كهرباء بالاضافة الى عدم وجود فرص للعمل والوساطات السياسية التي قضت على الكفاءات الجامعية، ودفعت هؤلاء مع الكثير من اللبنانيين الى الهجرة، حتى ان الطبقة السياسية تتحكم بامور البلاد والعباد، وكل شيء من نصيبهم، والفتات للناس فقط، وصولا الى ازمة النفايات ورائحة الصفقات في هذا الملف. وتعطيل الحلول جراء «حفنة من الدولارات» فالطبقة السياسية استفادت باكثر من مليار دولار من اسعار طن النفايات ولا زالت تريد المزيد من «الجشع والنهم» ولا حلول لملف النفايات الا بعد تنظيم السرقة. ورغم مساوىء هذه الطبقة السياسة فانها ترفض الانتقاد والمحاسبة وكأنها من عالم اخر، وهي استكثرت على الناس العزل من المجتمع المدني، والفنانين والمثقفين والنخب والمعلمين والمواطنين القيام بتظاهرة استنكارا للواقع القائم فتعاملت الحكومة معهم عبر رئيسها ووزير داخليتها والعديد من المسؤولين كأنهم قطاع طرق ويجب قمعهم وازالتهم، لانهم تجرأوا على رفع الصوت في مواجهة الفاسدين واكثر ما «ضايق» الطبقة السياسية تزايد اعداد المتظاهرين من العشرات الى المئات وصولا الى الالوف مع تعاطف غير مسبوق من اللبنانيين مع المتظاهرين، حيث فشلت كل اجراءات السلطة في قمعهم وثنيهم عن التراجع عن مطالبهم، ابرزها استقالة الحكومة واجراء انتخابات نيابية ومحاسبة المسؤولين عن القمع وانتخاب رئيس للجمهورية، ودعوا لتظاهرة كبرى مساء اليوم عند الساعة السادسة مساء، وبالتالي فان ارهاب الحكومة والسلطة لم يجعلهم يتراجعون او ينكفئون.
الامور في البلاد الى الاسوأ طالما المسؤولون يعالجون الاوضاع بهذه السطحية وتجاهل الازمة الحقيقية، ولماذا تجاهل مطالب هؤلاء باستقالة الحكومة، حيث تلقى الرئيس سلام جرعات دعم من الرئيس نبيه بري والرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع ودعوه للصمود، حتى ان الرئيس نبيه بري دعا سلام الى تقريب اجتماع مجلس الوزراء، فيما طالبهم سلام بتحويل دعمهم الكلامي الى «دعم فاعل» في مجلس الوزراء عبر تسريع المناقصات في ملف النفايات وتسهيل عمل الحكومة في جلسة الخميس والا فانه على موقفه بالاستقالة، حيث لا يعود هناك من مبرر لمجلس الوزراء، رغم ان الرئيس سلام اشار في مؤتمره الصحافي الى ان الازمة اكبر من ازمة النفايات وانها ازمة النفايات السياسية في لبنان وحمّل التيار الوطني الحر دون ان يسميه مسؤولية عرقلة الحكومة. هذا ما دفع وزير الخارجية الى الرد وتأييد مطالب المتظاهرين والعودة الى الشارع لتحقيقها، وتحميل سلام مسؤولية عدم اتخاذ القرار وعدم التراجع عن الموقف من آلية عمل الحكومة في جلسة الخميس.
واللافت ان تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي طلبا من مناصريهما الانسحاب من تحركات «طلعت ريحتكم» والانتباه الى ما يخطط من قبل قوى تحاول استغلال ما جرى لاسقاط الحكومة ورئيسها.

الجمهورية :

فيما تنوَعّت التقديرات حولَ الجهات المنخرطة في التظاهُر وهوّياتها السياسيّة، وإنْ كانَ المعروف منها بدايةً حركة «طِلعت ريحتكُم»، فإنَّ أوساطاً سياسية، بعضُها رسميّ، قالت لـ«الجمهورية»، إنّ هذا التحرُّك، إنْ صَحَّ وجود جهة أو جهات سياسيّة، مَحلّية أو خارجيّة، منخرطة فيه، ربّما ينطوي على الاحتمالات الآتية:

- أوّلاً: وجود إرادةٍ خارجيةٍ ما فاعلة، تهدف إلى إسقاط حكومة الرئيس تمّام سلام، عبرَ الضغط والتصعيد في الشارع لإرغامه على الاستقالة وإيقاع البلاد في فراغ دستوري كامل، بُغية الضغط على فريقَي 8 و14 آذار، وإرغامهما على النزول إلى مجلس النوّاب وانتخاب رئيس جديد للجمهورية يشرع فورَ انتخابه بإجراء الاستشارات النيابيّة الملزمة، لتسمية شخصيّة سياسيّة يُكلّفها تأليف حكومة جديدة.

- ثانياً: تخوُّف فريق «14 آذار» مِن أن يكون هدف التحرُّك إسقاط الحكومة التي يرأسها سلام المنتمي إليه، وما يدلّ على هذا التخوُّف هو مسارعة الرئيس سعد الحريري إلى الدفاع عن سلام وحكومته، في وقتٍ تميَّز رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع عنه في الموقف بأنْ دعا المتظاهرين إلى البقاء في ساحة رياض الصلح وإلى أن تبقى حكومة سلام حتّى انتخاب رئيس جمهورية جديد.
لكنّ أوساطاً سياسية أُخرى قالت لـ«الجمهورية» إنَّ من المبكر جلاء المشهد النهائي واكتشاف القطَب المخفيّة في التحرُّك الجاري لمعرفة أهدافه الحقيقية، خصوصاً أنّ المتظاهرين نسوا موضوع النفايات الذي دفَعَهم الى التحرّك، وذهبوا إلى إطلاق شعار إسقاط النظام.
وأضافت هذه الأوساط أنّ «معرفة الأبعاد السياسيّة للتحرُّك تحتاج إلى تمَهُّل، على رغم وجود ديناميّات محلّية تُعبّر عن نفسها في ملفّات متفجّرة، منها ملفّ النفايات، لكنّ الأكيد أنّ حكومة سلام هي في مرمى التصويب».
بيدَ أنّ قطباً نيابيّاً بارزاً قالَ لـ«الجمهورية» إنّ «ما يجري في وسط بيروت هو مشاهد معيبة، لا يُمكن «تقريشها» في السياسة شيئاً، وبالتالي لا داعي لحديث البعض عن سيناريوهات دوليّة وإقليميّة لفرض انتخاب رئيس جمهوريّة، فالضغوط المُمارَسة من خلال هذا التحرُّك لا قيمة لها».
وإزاءَ البحث في هوّية الجهات السياسيّة التي ربّما تكون ركبَت موجة هذا التحرّك، كشفَ القطب إيّاه أنّ هناك اتّصالات على مستويات عدّة بهدف إعادة فتح مطمر الناعمة لنقل النفايات إليه، أوّلاً لأنّ فضّ العروض المتعلّقة بالنفايات الذي سيتّم اليوم لن يؤدّي إلى المباشرة بنقلها ومعالجتها في اليوم التالي وإنّما يحتاج 6 أشهر حتّى تتمكّن الشركات المشاركة في المناقصات من البدء بعملها، وثانياً لأنّ البدء برفع النفايات سيؤدّي إلى انكشاف ما إذا كانَ هدف المتظاهرين هوَ الوصول إلى هذا الأمر، أو أنّهم يتحرّكون لغايات وأهداف سياسيّة، قد يكون منها إسقاط الحكومة أو إسقاط النظام، خصوصاً أنّ البعض «لعِبَ تحتَ الطاولة».
وفي انتظار ما ستتمخّض عنه جلسة مجلس الوزراء التي دعا سلام الى انعقادها عند العاشرة صباح الخميس وأمامها رواتب الموظفين في القطاع العام والنفايات والقروض والهبات، ملوّحاً بالاستقالة مجدداً ما لم تكن الجلسة منتجة، انتقل الحدث الى ساحة رياض الصلح التي تقاطرَت الوفود الشعبية اليها امس تلبيةً لدعوة مجموعة «طِلعت ريحتكم» التي نظّمت تحرّكاً شعبياً قبل ان تنفضَ يدَها منه وتتحوّل الى حركة غير سلمية مع دخول مندسّين بين المتظاهرين حرَفوا التحرك عن مساره السلمي وحاولوا إزالة الأسلاك الشائكة للاقتراب من السراي الحكومي وحطّموا عدداً من السيارات وواجهات بعض المحال التجارية،
وأضرَموا النار بالعوائق والأسلاك الشائكة ورموا قنابل صوتية واعتدوا على القوى الامنية المولجة حماية السراي الحكومي والمؤسسات العامة وأملاك الناس، ما استدعى طرحَ سؤال كبير: مَن حلّ مكانَ النائب وليد جنبلاط الداعم الأكبر لحركة «طِلعت ريحتكن» بعدما أعلنَ انسحابَه من الاعتصام؟ ولماذا انحرفَت التظاهرة أمس عن مسارها السلمي؟ ومَن أحرقَ دراجة نارية لقوى الامن الداخلي، ومَن حطّمَ إشارات السير في وسط بيروت وأضرَم النار في خيَم المعتصمين؟ ومَن اعتدى على آليّات قوى الأمن؟