هي أبعد من صرخة واقل بقليل من جرس إنذار. قالها نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل بالفم الملآن: "أبعدوا خلافاتكم وتجاذباتكم السياسية عن المؤسسة العسكرية ، وحذار اقحامها في بازار المصالح الفئوية وسياسة النكايات ". 

في زمن الخواء السياسي الغالب على المشهد الداخلي، لم يتوان الوزير الذي يحمل على منكبيه همّ المؤسسة الدفاعية الاولى عن البلاد والعباد في مواجهة حلقات مسلسل الارهاب المتتالية فصولا عن التحذير من الدرك الذي بلغه مستوى تعاطي بعض الطبقة السياسية مع أكثر المؤسسات دقة وحساسية منبها الى ان استمرار واقع الحال الحكومي على ما هو عليه من شلل وتعطيل قد يصيب ابناء المؤسسة الذين يقدمون ارواحهم دفاعا عن الوطن والمواطن ، من زاوية تأمين المؤونة الغذائية وصولا الى قبض رواتبهم.

في جلسة تقويم شاملة سياسيا وامنيا واجتماعيا، فند الوزير مقبل تفاصيل دقيقة حول الوضع العام في البلاد التي تواجه تحديات أساسية واستحقاقات مصيرية ناتجة عن سوء ادارة سياسية وخطر امني ارهابي. فتناول بداية انعكاس واقع الشلل الحكومي على المؤسسة العسكرية، مستغربا كيف ان أهل السياسة يطلبون من الجيش الاضطلاع بالمهام الامنية كافة من حماية الحدود وتأمين الاستقرار في الداخل والذود عن الوطن ولا يفوتون مناسبة للتعبير عن الدعم في حين يتسببون مباشرة في تقويض ركائز المؤسسة عبر بعض المواقف ويحولون بممارساتهم دون تأمين الاعتمادات اللازمة لتأمين الغذاء للعسكريين ، كاشفا انه يحتاج راهنا الى مبلغ 19 مليار ليرة لتأمين المأكل والى 234 مليارا لرواتب الموظفين نهاية الجاري.

واضاف الوزير مقبل انه وازاء ضرورة تأمين حاجيات الجيش في ظل تعذر فتح اعتمادات عبر مجلس الوزراء ، يعمد الى نقل أموال من بند الى آخر من ضمن موازنة وزارة الدفاع، لكن من الضرورة بمكان فتح اعتمادات في شهر ايلول المقبل وإلا، فإننا سنكون امام مشهد لم يألفه تاريخ لبنان حتى في زمن الحرب: جيش بلا غذاء وبلا رواتب. وسأل: أيعقل ان يعتمد البعض سياسة النكايات ردا على تأجيل تسريح بعض القادة العسكريين، وهي خطوة لا بد منها لاستمرار المؤسسة، فيعمد الى عرقلة القرارات الحكومية الضرورية لدعمها؟

وأكد مقبل لـ"المركزية" ضرورة اصدار القرارات والتشريعات اللازمة خلال الشهر المقبل للحصول على هبات تقدّر بمئات ملايين الدولارات في اطار هبات وقروض ومشاريع تمويلية من الخارج والا فانها ستحول الى دول اخرى ، محذراً من ان سياسة التقاعس ستؤدي في ما لو استمرت الى وضع لن يكون بعيدا عما آلت اليه الاوضاع في اليونان اذا لم تدفع الديون وتصدر سندات الخزينة ، سائلا: هل هذا ما يصبون اليه؟

ماذا عن هبة الثلاثة مليارات السعودية وما دقة المعلومات عن وقفها او تجميدها؟ يقول وزير الدفاع: اقولها مرة لكل المرات ان الهبة مستمرة ومقسمة على دفعات، نحن اليوم ما زلنا نتسلم السلاح من ضمن الدفعة الاولى البالغة قيمتها 600 مليون دولار وقد سددتها المملكة بموجب العقد الثلاثي الى فرنسا. ومتى انتهت هذه الدفعة ، واذا تبين لا سمح الله ان السعودية تلكأت عن سائر الدفعات فلكل حادث حديث ، لكن المعلومات الافتراضية والتحليلات اليومية في شأن توقفها لا تمت الى الواقع بصلة، واتمنى على الاعلام التعاطي بمزيد من الدقة مع هذا الموضوع ووقف التكهنات. وكشف مقبل انه تمنى على نظيره الفرنسي جان ايف لودريان مد الجيش بدفعة من المروحيات وبعض الاسلحة المتطورة المفترض وصولها من ضمن الهبة ولو من خارج الدفعة الأولى نظراً إلى حاجة الجيش الماسة اليها في حربه على الارهاب الذي لا يقتصر على لبنان وبعض دول المنطقة فحسب بل تمدد الى دول اوروبا وسدد اكثر من ضربة فيها ومن بينها فرنسا، اذ انه يضطر راهنا الى تزويد طائرات السيسنا بالصواريخ لاستخدامها في المواجهات، مشددا على ان التطورات الميدانية قلبت اولويات الإحتياجات العسكرية وبات تزويدنا بالسلاح المتطوراليوم اكثر ضرورة من امدادنا به بعد عامين، خصوصا ان لا محظورات دولية على تزويد الجيش اللبناني باي نوع من السلاح ، استنادا الى ان لبنان لم يكن يوما دولة معتدية ، وهو يتسلم من السلاح ما يمكنه استخدامه وفق المقتضيات الميدانية لمكافحة الارهاب والدفاع عن الوطن والمواطن.

وفي معرض سؤاله عن الانتقادات التي تطاوله على خلفية قرار تأجيل تسريح المسؤولين العسكريين يكتفي وزير الدفاع بالقول لـ"المركزية":" من يعمل اكثر مني فليحاسبني". انا ارثوذكسي مستقيم الرأي اقوم بما يمليه علي ضميري ومسؤوليتي تجاه الوطن وأقدم المصلحة الوطنية في كل خياراتي على اي شيء آخر. لن ارد على الحملات، آثرت الصمت وعدم الدخول في جدال رحمة بالبلاد والعباد وصونا للسلم الاهلي لان الظرف لا يسمح بالتلهي بالمهاترات بل يجب ان ينصب جهدنا على الاهتمام بشؤون المواطنين الذين قساوة الظروف الراهنة في شتى المجالات. واكد انه قام بكل ما يلزم قبل الاقدام على خطوة تأجيل التسريح فتشاور مع القيادات السياسية وقدم اسماء للتعيين في جلسة مجلس الوزراء لكنها لم تحظ بالتوافق ومنعاً لانسحاب الفراغ على المؤسسة العسكرية، اتخذت قراري من ضمن صلاحياتي واستناداً الى القانون، مذكراً بانه زار رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون من ضمن جولة مشاوراته ومستعد لزيارته ثانية إذا دعت الحاجة.

ماذا عن موقع مدير المخابرات؟ يشدد مقبل على انه سيستخدم ثانية صلاحياته كوزير دفاع وفقا للقانون الذي يسمح باستدعاء مدير المخابرات من الاحتياط لمدة ستة اشهر قابلة للتجديد، اذا دعت الحاجة، على ان ادرس الاجراء من النواحي القانونية كافة. وشرح ان "المجلس العسكري مؤلف من ستة قادة عسكريين ما زال ثلاثة من بينهم يشغلون مراكزهم بعدما تم التمديد لهم من الحكومة السابقة هم قائد الجيش وامين عام المجلس الاعلى للدفاع ورئيس الاركان، وحينما تسلمت مهماتي الوزارية أبقيت الوضع على حاله، ثم عمدت إلى تأجيل تسريحهم مرة اخرى حرصا على عدم انفراط عقد المجلس العسكري الركن الاساس في المؤسسة في وقت نحن في أمسّ الحاجة الى بقائها وتماسكها. اما في ما يتصل بالمواقع الثلاثة الاخرى الشاغرة فان ملءها يحتاج الى قرار من مجلس الوزراء.

وبالعودة الى محادثاته مع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف إبان زيارته لبيروت اخيرا كشف وزير الدفاع لـ"المركزية" انه تمنى ان تسهم إيران في تذليل العقبات التي تعوق العديد من ملفات الداخل وفي مقدمها الاستحقاق الرئاسي ، ذلك ان من تمكن من التفاوض مع الدول الكبرى في شأن الملف النووي لن يعجز عن تقديم المساعدة للبنان بما لديه من علاقات مع الاطراف المؤثرة في المعادلة السياسية الداخلية. وشبه مقبل دور ايران بعد "النووي" بالملكة في لعبة الشطرنج التي يمكن ان تتحرك في الاتجاهات كافة من دون قيود، وقال اذا أردتم مساعدتنا فأنتم قادرون ونحن مؤمنون بالحوار سبيلا للتسويات السياسية. اما ظريف فوعد ببذل المستحيل مع المعنيين لحل هذه الازمات .

وعن المساعدات العسكرية الايرانية للبنان، اكد مقبل ان الرغبة ما زالت متوافرة لدى الجانب الايراني بيد ان الامر يحتاج الى قرار من مجلس الوزراء غير متاح في ظل الوضع الراهن ولا يمكن ان يشق طريقه الا بعد دخول "رفع العقوبات الدولية عن ايران حيز التنفيذ العملي" وانخراطها في المجتمع الدولي. واعدا بزيارة ايران في مرحلة ما بعد رفع العقوبات لاطلاق المساعدات.

في المقلب السياسي الداخلي، استهجن مقبل تغليب المصالح الخاصة على الشأن الوطني وتجميد كل الملفات حتى الاكثر الحاحا على المستوى الحياتي والاجتماعي وصولا الى تطييف ومذهبة ازمة النفايات التي اكد ان حلها اسهل من السهل لكن المصالح السياسية تحول دون ذلك، موضحا انه قدم اقتراحات حل عدة من بينها اعادة تشغيل محرقة الكرنتينا بعد اعادة تأهيلها والافادة من الطاقة الممكن ان تنتجها النفايات بما يوفر دخلا للدولة ، غير ان المصالح السياسية تمنع اي حل. وشدد على انه اعتكف عن المشاركة في اجتماعات اللجنة الوزارية للنفايات لكونه لمس عدم التعاطي الجدي واللارغبة في الوصول الى حل، مشيرا الى ان في وسط مونتي كارلو اكثر المدن رقيا وتطورا محرقة للنفايات لا يعلم كثيرون بوجودها لكونها تعمل من دون انبعاثات ولا روائح.

وختم مقبل حديثه بمناشدة السياسيين، رأفة بالوطن والمواطن، إبعاد تجاذباتهم السياسية عن المؤسسة العسكرية لتبقى في منأى عن الخلافات وتداعياتها لتتمكن من القيام بدورها الوطني الذي يعلق عليه اللبنانيون امالهم كخشبة خلاص وحيدة.

وماذا عن توقيف احمد الاسير؟ "لا اتدخل قطعا في الملفات القضائية، انا مع تطبيق القانون على الجميع من دون استثناء وسوق كل المطلوبين الى العدالة.