رأى نائب الأمين العام ل”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أن “الصراع الموجود اليوم في العالم، هو صراع سياسي بين مشروعين كبيرين، الأول هو مشروع الاستكبار، والثاني هو مشروع المقاومة. وتحت مشروع الاستكبار هناك تفاصيل كثيرة تبدأ بإسرائيل، وتمر بالتكفيريين ولا تنتهي بكل المنحرفين، سواء أكانوا جهات أو أفرادا. أما مشروع المقاومة فيضم تحته كل أولئك، الذين يؤمنون بالعقيدة الحقيقية والحرية والكرامة والاستقلال، والصراع بين هذين المشروعين ليس صراعا مذهبيا”، معتبرا أن “حرب تموز أوجدت تحولا كبيرا، وهذا التحول أنهى الجيش الذي لا يقهر، ولبنان لم يعد ممرا للتوطين وسوريا ليست حديقة خلفية لإسرائيل والفلسطينيون ليسوا مدجلين في دائرة التسوية الظالمة”، مؤكدا أن “المقاومة كسرت المشروع الاسرائيلي من بوابة لبنان، والمشروع التكفيري من بوابة سوريا، ومشروع العبور من سوريا إلى شرق أوسط جديد”.

 

واعتبر أن “الاتفاق النووي بين إيران والدول الست العالمية الكبرى، هو إنجاز عظيم لإيران، وهو مصلحة للاستقرار في المنطقة، لأن البديل عنه هو الحرب، والحرب في أحسن نتائجها ضرر على الجميع”، لافتا إلى أن “الحروب الداخلية في المنطقة بلا أفق، والمعادلات الميدانية في سوريا واليمن تثبت أن لا امكانية لترجيح كافة المعتدين، واستمرار الجريمة السعودية الاميركية في اليمن، لا تعطي إلا المزيد من الدماء، ولا تقدم حلا على الإطلاق، لا يوجد أي أفق للحلول العسكرية في المنطقة، ولا يمكن استمرار العدوان على سوريا، أن ينتج حلا على شاكلتهم، أو على أي شاكلة أخرى، الحلول السياسية فقط هي التي تنهي مرحلة، وتفتح مرحلة جديدة. ومع الحلول السياسية، من الطبيعي أن لا يأخذ كل طرف ما يريد، ولكن في نهاية المطاف يتوقف العدوان وتتوقف الحروب”.

 

جاء ذلك في كلمة ألقاها قاسم خلال افتتاح المؤتمر السنوي الثامن لاتحاد “الاذاعات والتلفزيونات الاسلامية” في العاصمة الإيرانية طهران، وتحدث في مستهلها عن الاعلام قائلا: “نحن نعلم أن الاعلام يحمل وظيفة أساسية في إبراز الخبر، ولكنهم حولوا الإعلام إلى دعاية مشبوهة وإلى تلفيقات تبدأ بأدنى المراتب وهي الكذب، لتصل إلى أعلى المراتب وهو البهتان بأشكاله المختلفة، نحن عندما نعمل من خلال وسائلنا لا بد أن تحضر لدينا تلك الأخلاقية الإسلامية العظيمة، في أن نكون صادقين مع شعبنا ومع الناس، لأن ما لم نحصل عليه بالصدق لا يمكن أن نحصل عليه بالكذب، وإذا سلكنا مسلك التشويه والكذب والدجل والمواربة، فإننا بذلك نستخدم آليات المنحرفين، وفي هذا لا يمكن أن ننافسهم، فنقع أسرى التلمذة على أيديهم فنخسر الأخرة والدنيا معا”.

 

أضاف “قال تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا. وبالتالي نحن نقدم الإعلام بصورته الحقيقية الناصعة، وعلينا من خلال وسائلنا أن نثقف شعوبنا المختلفة، ليعرفوا من أين يأخذون المصدر الإعلامي الصحيح، أي أن يكون لاعلامنا دور كبير في التثقيف، للتمييز بين الاعلام الصادق والاعلام الكاذب ليصبح الناس قادرين على أن يميزوا على القاعدة القرآنية: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”.

 

وتابع “وأنا أعتقد أن المعاناة من خلال إعلامنا الإسلامي، هي معاناة مرحلية، وستظهر النتائج لاحقا بالصبر ومقاومة التحديات، وأرجح للأخوة الأعزاء أن لا يسلكوا مسلك الشكوى من قلة الإمكانات وضعف القدرات، لأن علينا أن نستفيد من إمكاناتنا وقدراتنا وأن نطورها قدر المستطاع، إذا بذلنا المزيد من الجهود فإن الإمكانات المتاحة يمكن أن تقدم الكثير مع الأخلاص والجهد”، موجها التحية إلى “الإتحاد وإلى كل العاملين، وإن شاء الله تبرز هذه الصورة المشرقة، صورة الحقيقة أمام الناس، على الرغم من حجم الإعلام الآخر الذي يكاد لا يقاس بحجم إعلامنا الإسلامي، مع ذلك صورتنا موجودة وخبرنا حاضر وروايتنا تطرح نفسها في الساحة ولو حاولوا التشويه لكن لا توجد رواية واحدة، إنما توجد روايتان: رواية الصدق وروايتهم رواية الكذب، ويبقى أن نعمل من أجل أن يعي الناس كيف يتعرفون على الحقيقة”.

 

وأردف “في هذا اللقاء المبارك، وجدت من المناسب أن لا أدخل في وضع التخصصي، وهو تخصصكم أنتم، ولعلكم أبرع في هذه التفاصيل، ولكن لو قدمت عرضا لبعض الرؤى السياسية التي تنفع كمنهج لخطاب يمكن أن نعكسه في وسائلنا من خلال توحيد مواقفنا، فإن هذا الأمر قد يشكل إضافة مناسبة من قبل في هذا المؤتمر الكريم:

 

أولا: الصراع الموجود اليوم في العالم، هو صراع سياسي بين مشروعين كبيرين، الأول نطلق عليه مشروع الاستكبار، والثاني نطلق عليه مشروع المقاومة. وتحت مشروع الاستكبار هناك تفاصيل كثيرة تبدأ بإسرائيل، وتمر بالتكفيريين ولا تنتهي بكل المنحرفين، الذين يسلكون هذا الاتجاه، سواء أكانوا جهات أو أفرادا، وأما مشروع المقاومة فيضم تحته كل أؤلئك، الذين يؤمنون بالعقيدة الحقيقية والحرية والكرامة والاستقلال وتربية الأجيال ورعاية الأصول، التي تختص بها منطقتنا من تاريخنا إلى زماننا وإلى مستقبلنا، الصراع موجود بين هذين المشروعين بكل وضوح، وهو ليس صراعا مذهبيا، ونحن نقع أحيانا في خطأ تسليط الضوء على العنوان المذهبي من البوابة السياسية، في الوقت الذي يستخدم أصحاب المشروع المعادي العنوان المذهبي ليضلل الشعب، فيأخذوهم إلى مشروعهم الاستكباري المرفوض أصلا، لكنه يصبه محببا تحت إطار العنوان المذهبي. هذا العنوان المذهبي يستخدمه الاستكبار والحكام المستبدون من أجل التعمية على الجمهور من ناحية، وصد النقص لضعفهم في تبيان حجتهم من ناحية أخرى، بالله عليكم، هل الصراع الموجود في فلسطين صراع مذهبي؟ وهل المشاكل التي تطورت كثيرا في مصر هي صراع مذهبي؟ وهل السلطة التي تريدها السعودية في المنطقة لتهيمن على أقسامها المختلفة ينطلق من صراع مذهبي؟ بل أقول أكثر من ذلك، حتى داعش تنطلق من مفردة السلطة والظلم والتحكم ولا تعبر عن عنوان مذهبي في الصراع، لأنها ترفض كل من عداها حتى من مذهبها، على قاعدة أنا أو لا أحد، هم يريدون السلطة والتحكم بالناس والسيطرة على الموارد في المنطقة، إذا هذا جزء من مشروع سياسي، ولا علاقة له بالمشروع المذهبي. مع ذلك علينا أن نحطاط من الفتنة المذهبية لأن الفتنة المذهبية هي صناعة، وليست حقيقة، هي محاولة من أجل ارباكنا وليس الصراع، إذا نحن ننتبه إلى الفتنة المذهبية كأسلوب من أساليب التعمية على الناس ولا نعتبر الصراع في منطقتنا هو صراع مذهبي.

 

ثانيا: حصل تحول كبير بعد عدوان تموز 2006 على لبنان، وهذا التحول أنهى أربعة أمور مهمة جدا كانت تثقل كاهلنا. أولا انتهى الجيش الذي لا يقهر، وأصبحنا أمام كيان إسرائيلي يمكن قهره وقد قهر جزئيا، ونحن بانتظار أن يتم هذا الأمر على يد المقاومين المجاهدين من أبناء فلسطين وأبناء الأمة، وإن شاء الله نصل إلى هذا الوقت العزيز لتطرد إسرائيل بالكامل، لأن بامكاننا أن نقهرها بإذن الله تعالى. ثانيا، انتهى التسليم بالحلول المطروحة في المنطقة على قياس إسرائيل، فلم تعد المنطقة في خريطة التوزيع الذي يلائم إسرائيل. فلبنان لم يعد ممرا للتوطين وهذا انتهى. وسوريا ليست حديقة خلفية لإسرائيل، والفلسطنيون ليسوا مدجلين في دائرة الرغبة بتسوية ظالمة، وهكذا إسرائيل اليوم، ولأول مرة تتحدث عن خطر وجود عليها، لإنها لاحظت كيف أن المنطقة تتحول تحولات كثيرة تؤدي في نهاية المطاف إلى أن يتراجع مشروعهم بشكل كبير. ثالثا، انتهى الاحباط واليأس من المواجهة والتغيير ولم يعد في وطننا العربي وأمتنا الإسلامية مفردة العجز والتسليم للواقع القائم، بل هناك حركة مقاومة نشطة تنمو في أماكن مختلفة وبأشكال مختلفة، رافضة للاستكبار ومندرجاته المختلفة وهذا إنجاز عظيم. رابعا، انتهى زمن الصراخ والشكوى وبدأنا نسمع صراخاتهم وشكواهم، كنا نصرخ من الألم ولا نعلم ماذا نفعل، ولكن الآن نعمل ونشق الطريق، وبإمكاننا أن نصل وهم يصرخون، هم يصرخون ونحن نعمل، كنا نصرخ وهم يعملون، وإن شاء الله يكون النتاج لمصلحة هذا التوجه”.

 

ورأى أن “المقاومة الإسلامية كسرت ثلاثة مشاريع كبرى خلال أقل من عقد من الزمن:

أولا: كسرت المشروع الإسرائيلي من بوابة لبنان في حرب تموز سنة 2006، والذي كان يريد سحق المقاومة لإنهاء أصل مشروعها، ولكنها بقيت وانتصرت. ومع كسر هذا المشروع سقط العبور من بوابة لبنان إلى الشرق الأوسط الجديد، الذي نظمت له وزيرة الخارجية الأميركية سابقا ريس.

ثانيا: كسرت المقاومة المشروع التكفيري من بوابة سوريا، وخاصة من بوابة القصير والقلمون وباقي البلدات السورية العزيزة المجاورة للبنان والموجودة في العمق، بالتعاون مع الشرفاء في الجيش السوري مع كل الأحرار، الذين واجهوا هذا المشروع التكفيري، وعندما أقول أننا كسرنا هذا المشروع التكفيري لأن إندفاعته التي كانت كبيرة عندما إبتدء من البوابة السورية بشكل كبير ومن ثم إنتقل إلى لبنان وإلى العراق، وجدنا أن مقاومة هذا المشروع في سوريا ولبنان والعراق، قد كسر بشكل كبير وبدء يتراجع وعلى الأقل وقف عند حد لا يستطيع بعده أن ينمو، وعلينا أن نتابع لمزيد من كسره.

ثالثا: كسرت المقاومة العبور من سوريا إلى شرق أوسط جديد مرة ثانية لأنهم كانوا يريدون من خلال تدمير سوريا وتغير نظام سوريا أن يوجدوا نظاما يديلا هو نظام إسرائيلي ثم يقسمون المنطقة بطريقة جديدة تنسجم مع المشروع الأميركي الإسرائيلي هذا المشروع كسر من البوابة السورية. علينا أن لا نفاجئ أنهم يعادون المقاومة إلى هذه الدرجة فقد ألمتهم وأزعجتهم وعطلة مشريعهم بل نفاجئ إذا قبلوا بالمقاومة لأنهم عندما يقبلونها يعني أنها أداة طيعة في أيديهم لتحقيق مكاسب سياسية يريدونها، نحن مع المقاومة التي لا تخضع لأنظمة ولسنا مع المقاومة التي تخضع لاعتبارات سياسية مختلفة.

هذه المقاومة الفعالة، هي التي تختار أهدافها ومكان وتوقيت عملياتها وتضع معادلاتها، وعندما يعارضون كيف تقاومون في هذا المكان، وكيف تذهبون إلى سوريا وكيف تقوون قدرتكم في لبنان بالتسلح وزيادة العديد، نقول المقاومة هي التي تختار ما تفعله إذا خضعنا لقواعدهم، هذا يعني أن تتوقف المقاومة، وفي كل الأحوال أن لا فوز لحق إلا مع القوة، ولذا لا بد أن تكون المقاومة دائما حاضرة إلى جانب حقنا ونحن نؤمن أنها قابلة للتحقق.

وسأبين مسألة هامة هي التي شكلت المنعطف في تاريخ المقاومة. نحن أدركنا سر قوتهم، قوتهم بالسلاح والإمكانات وأدركنا سر قوتنا، قوتنا بالعقيدة والإلتزام وسلامة المنهج والصدق، فلم نتماه معهم، ولم نخضع لسر قوتهم، أي لم نجارهم في الإمكانات على قاعدة لا يمكن أن ننتصر إلا إذا كانت إمكانتنا بقدر إمكانتهم أو أكثر، بل ذهبنا إلى سر قوتنا، وهي الإلتزام والعقيدة والإيمان والتوكل على الله تعالى، فكان سر قوتنا مع بعض الإمكانات، أكبر من سر قوتهم بالإمكانات بلا عقيدة ولا قيمة، وهذا هو سبب وسر النجاح، ليس النجاح بالإمكانات، وإنما بوضح المبدأ والهدف، وهذا قوله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. ألم يلفت نظركم أن الله تعالى لم يطلب عدة كعدتهم، وقال لنا وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، عندها ترهبون به عدو الله وعدوكم وهذا ما فعلته المقاومة.

 

ثالثا: الإتفاق النووي بين إيران والدول الست العالمية الكبرى، هو إنجاز عظيم لإيران، وهو مصلحة للاستقرار في المنطقة، لأن البديل عن الإتفاق هو الحرب، والحرب في أحسن نتائجها ضرر على الجميع. من هنا عندما عقدت إيران هذا الاتفاق أخذت إلتزاما ببقاء برنامجها النووي السلمي بكامل دورته بضوابط معينة، ولكن البرنامج النووي بقي حاضرا، وفي آن معا اعترف العالم بدور إيران ومكانة إيران يمكن من خلال هذا التفاهم العبور إلى التفاهم بين دول المنطقة وإيران، وليس هناك أي مبرر لامتناع هذه الدول لتفاهم مع إيران، نعم المخاوف التي لديهم ليست من عدم التزام إيران، بل مما تتفق عليه، ولكنهم يريدون ما لا يستحقون، وما لم ينجحوا به بأساليبهم المختلفة”، سائلا “لماذا تفقد بعض الدول في المنطقة كالسعودية وغيرها، تأثيرها على جماعات وجماعات مختلفة في منطقتنا؟ هل تعلمون؟ وهل تريدون الوضوح تماما؟ السعودية وأميركا وإسرائيل وجميع هذا المحور يتعاملون مع أتباع مأمورين في منطقتنا، وهؤلاء لا يستحقون الحياة أصلا، بينما محور المقاومة عندما يتعامل مع قواه المختلفة، انما يتعامل مع قضاياهم وقناعاتهم، ولذا محور المقاومة أرسخ من محورهم، لأننا متعاونون وحلفاءنا ولسنا أتباعا وعملاء كما هم يفعلون.

 

رابعا: الحروب الداخلية في المنطقة بلا أفق، والمعادلات الميدانية في سوريا واليمن تثبت أن لا امكانية لترجيح كافة المعتدين، واستمرار الجريمة السعودية الاميركية في اليمن، لا تعطي إلا المزيد من الدماء، ولا تقدم حلا على الإطلاق، لا يوجد أي أفق للحلول العسكرية في المنطقة، ولا يمكن استمرار العدوان على سوريا، أن ينتج حلا على شاكلتهم، أو على أي شاكلة أخرى، الحلول السياسية فقط، هي التي تنهي مرحلة، وتفتح مرحلة جديدة. ومع الحلول السياسية، من الطبيعي أن لا يأخذ كل طرف ما يريد، ولكن في نهاية المطاف يتوقف العدوان وتتوقف الحروب”.

(NNA)