حبذا لو أعلن القيمون على فيلم “أميرة الروم” أنه قصة من صنع الخيال وضعت إكراماً لذكرى ولادة الإمام المهدي (المخلّص المنتظر لدى المسلمين الشيعة). لكنّا استمتعنا بالعمل المتقن على صعيد الغرافيكس والانيميشن من دون اعتراض جوهري.

 

أما أن يُقال إنه فيلم مبني على حقائق “تاريخية ثابتة وموثّقة”، ويعرض في صالات السينما على الملأ أمام المجتمع اللبناني بتنوعاته الطائفية والمذهبية ليقدّم لهم كجزء من تاريخهم الإسلامي والمسيحي فهذا شأن آخر يتطلب مراجعة دقيقة للتأكد من صحّة هذا الادعاء. حتى لا نظن أنها تخيلات تحوّلت إلى وقائع وأوهام تحوّلت إلى حقائق. وحتى نتأكد أنه لا تتم مصادرة التاريخ بالإعلام الأيديولوجي كما يُصادر الحاضر بهمجية الإرهاب ورعونة التسلط وفرض الأمر الواقع.

كتب الدكتور حبيب فياض، شقيق النائب عن حزب الله الدكتور علي فياض، والمدافع الإعلامي عن سياسات إيران وحزب الله، كتب مقالاً بعنوان “الإعلام في زمن الأيديولوجيا” (السفير 4/7/2015)، اعتبر فيه أن “خطورة الأمر تكمن في تحويل أنماط المعرفة في ظل الإعلام المؤدلج إلى روافد أيديولوجية تتيح تحويل الوقائع المصطنعة إلى حقائق نهائية. تتأتى على شكل سرديات مغلفة بهالة من القداسة”.

 

استوقفتني هذه الجملة وتساءلت إذا كان الدكتور فياض يقصد بذلك الإعلام الأيديولوجي المناهض لإيران وحزب الله فقط أم أنه يغمز أيضاً من قناتهما؟ لا أدري!

في كل الحالات لنرَ أيّ نوع من الحقائق التاريخية تقدّمها لنا إيران وحزب الله عبر فيلم “أميرة الروم”. وهل هي وقائع مصطنعة يجري تحويلها إلى حقائق نهائية مغلفة بهالة من القداسة أم لا؟

أهداف الفيلم

نقلت المواقع الالكترونية التابعة لحزب الله، ومنها موقع " قناة المنار“، وموقع جريدة “العهد”، وموقع جمعية “كشافة الإمام المهدي” (الجهة المنتجة للفيلم بالتعاون مع مركز بيروت الدولي للإنتاج الفني وشركتين إيرانيتين هما “هفت سنك” و”سلوك أفلاكيان”) وبعض الصحف اللبنانية، تصريحات عن ألسنة عدد من المسؤولين القيمين على فيلم “أميرة الروم” يؤكدون خلالها أنّه يرتكز إلى “حقائق تاريخية دقيقة وموثقة”. وراحوا يحدّدون الأهداف النبيلة لهذا العمل.

 

فأكّد معاون مسؤول وحدة الأنشطة الثقافية في “حزب الله” الشيخ حسين زين الدين أنّ “ما يميّز هذا العمل هو الجمع بين الرسائل القيمة للدين الإسلامي والدين المسيحي”. وأشار مدير مجلة “مهدي” المنسّق العام للفيلم، عباس شرارة، إلى أنّ “الفيلم يركّز على مفهوم التعايش الإسلامي - المسيحي ، وعلى “مجابهة الحرب الناعمة والعبثية الفكرية” و”يعطي رسالة للأطفال لتقبّل الثقافات الأخرى ويغرس داخلهم مفاهيم التعايش والتلاقح بين الأديان في مواجهة لغة التكفير والانغلاق التي تسود اليوم”… كلام جميل جداً.

 

ويؤكّد موقع قناة “المنار” أنّ الفيلم يعتبر من روائع الأفلام الهادفة والمرتكزة على حقائق تاريخية موثقة كان لها الدور البارز في التقاء المسيحية مع الإسلام لحفظ القيم الإنسانية القائمة على الاعتراف بالآخر ورفض التسلط والهيمنة.

 

هكذا، في ظلّ هذه الشعارات، جرى إطلاق الفيلم باحتفالية في الضاحية الجنوبية لبيروت جمعت وزراء ونواباً ومدراء مدارس وتربويين وشخصيات مختلفة. كما تمّ إطلاق الفيلم في العراق وبعض العروض الخاصة في عدد من دول الخليج.

مناقشة الوقائع التاريخية

يروي فيلم “أميرة الروم” قصّة مقتبسة من روايات تاريخية شيعية يقول ملخّصها إنّ حفيدة قيصر الروم حاكم بيزنطيا اسمها مليكة (اسم عربي؟!) تنسب والدتها إلى شمعون الصفا الذي يسميه الشيعة “وصيّ المسيح”. وأنّه قد تمّ أسرها من قبل المسلمين في العام 842 ميلادي، بحسب الموقع الالكتروني للفيلم، فباعها من أسرها في سوق النخاسة داخل بغداد. لتصل عبر من اشتراها إلى منزل الإمام العاشر للشيعة علي الهادي الذي زوّجها لابنه الحسن العسكري. فتنجب له ولداً هو “المهدي” المخلّص، ليكون هذا الزواج – وفق الفيلم – جامعاً لامرأة من نسل شمعون وصيّ المسيح، إلى رجل من نسل فاطمة، ابنة النبي محمد (ص). وتكون ثمرته “المهدي”، وهو المخلّص. وبالتالي فإنّ “المخلّص” بات نتيجة التقاء الديانتين الإسلامية والمسيحية.

لا شكّ ان الحبكة جميلة وتستحق الثناء لو أمكن إثبات صحة وقائعها. ولو كان المسيحيون والمسلمون السنّة يقرّون بهذا الالتقاء وثمرته المفترضة كما يعتقد المسلمون الشيعة.

في التفاصيل

1 – هجوم المسلمين: في الفيلم نشاهد جيش المسلمين يهاجم بيزنطيا من دون أن نعرف السبب. ولم يعرف القيصر باقتراب جيش المسلمين من حدوده إلا في وقت متأخّر. مع أنّ الرواية الشيعية تقول إنّ قيصر الروم هو الذي سيّر جيشاً لمهاجمة المسلمين. وبذلك يبدو جيش المسلمين بإمرة السلطة العباسية آنذاك هو المعتدي الذي يقصف بالمجانيق المدينة البيزنطية عشوائياً فيدمرها ويدمّر كنائسها ويقتل أهلها ويأخذ الأحياء منهم رجالاً ونساء عبيداً وسبايا للبيع في أسواق النخاسة في بغداد.

فهل هكذا يتعلم الأطفال لغة التعايش الإسلامي المسيحي؟!

 

 

(محمد الحاج)