إذا كانت الإتفاقية التي تمّ التوقيع عليها في 17 أيلول عام 1978 ، بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحيم بيغن بعد 12 يوماً من المفاوضات في المنتجع الرئاسي الأميركي كامب دايفيد في ولاية ميريلاند القريب من عاصمة الولايات المتحدة الأميركية واشنطن بإشراف الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر ، وأطلق عليها اتفاقية كامب دايفيد المشهورة قد أنهت حالة الحرب بين مصر واسرائيل وأدت إلى تحييد مصر عن معادلة الصراع العربي الإسرائيلي وإلغاء دورها في هذا الصراع بحيث خسر العرب أكبر داعم للقضية العربيه المركزية وهي القضية الفلسطينية وللقضايا العربية .

فإنّ الإتفاق النووي الذي تمّ التوقيع عليه في فيينا في الرابع عشر من الشهر الجاري بين إيران من جهة والدول الغربية الست وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية من جهة ثانية قد قضى على أي أمل للعرب بإمكانية إستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وأنهى مسيرة الصراع العربي الإسرائيلي وحوّل أنظار العرب عن حرب إسرائيل إلى حروب داخلية وحروب فيما بينهم.

وإسرائيل التي تطلب دائماً المزيد من المكاسب في أعقاب أيّ اتفاق له علاقة بأي قضية من قضايا الشرق الأوسط  حماية لمصالحها الاستراتيجية ( وهذا ديدنها  ) فإنها تظهر بموقف المتباكي من الاتفاق لتخفي حقيقة موقفها منه.

وفي هذا الصدد يرى متابعون لمسار التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني أن إسرائيل لا تجد نفسها متضررة منه بل على العكس فإنها حققت إنجازاً كبيراً لأنّها تخلصت لمدة 15 سنة من سلاح نووي كانت ستنتجه إيران بعد أن كانت قد تخلصت من السلاح الكيميائي السوري .

وفي سياق متصل فإنّ المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي يؤكد أنّه لن يتخلى عن أصدقائه في المنطقة وهو يعني بذلك حزب الله في لبنان والحشد الشعبي الشيعي في العراق والحوثيين في اليمن ونظام الأسد في سوريا والجهاديين في فلسطين وسيستمر في تمويلهم وتسليحهم خصوصاً بعد رفع الحظر عن الأرصدة الإيرانية المجمدة والذي يوفر المال الكافي لهذه الغاية.

ومعنى ذلك أنّه لن تقوم دولة عربية قوية في المنطقة تستطيع مواجهة إسرائيل ومواجهة تنظيم داعش ومتفرقاته بحيث تستمر الحروب الأهلية مستعرة على الساحات العربية ، فيما إسرائيل تبقى في أحسن حالاتها تتفرج على العرب يقاتل بعضهم بعضاً بالوكالة عنها وتبقى الطريق إلى القدس تمر في القلمون والزبداني والقصير كما كان مطلوبا في الماضي أن تمر في جونيه .

وإيران من خلال دعمها لميليشياتها المتواجدة على أراضي أكثر من دولة عربية بالمال والسلاح ، فإنّها بذلك تمنع قيام دولة عربية قوية في المنطقة تستطيع التصدي لأيّ عدوان إسرائيلي ومكافحة الجماعات الإرهابية بحيث تتحول الأسلحة الفتاكة والطائرات الحربية والصواريخ الموجهة عن إسرائيل إلى داخل كل دولة عربية ، إذ أن السلاح الامضى الذي يحتفظ به العرب نتيجة السياسة الإيرانية التوسعية في الإقليم العربي ضد إسرائيل لا يتجاوز حدود الخطب النارية والتهديد بأقسى العبارات والكلمات التدميرية والشعارات الفتاكة.

فالإتفاق النووي الإيراني ، سواء أدى إلى نشوء دويلات متناحرة في المنطقة أم أدى إلى صنع سلام شامل فإنّ إسرائيل هي المستفيد الأكبر منه وبإمكانها أن تعيش داخل حدود آمنة ، فلا دولة عربية قوية تهددها ولا تنظيمات أو ميليشيات مسلحة تزعزع الأمن والإستقرار فيها .

وإذا كانت اتفاقية كامب دايفيد قد فتحت باب التطبيع بين الشعب المصري وإسرائيل فإنّ الإتفاق النووي الإيراني سيفتح باب التطبيع بين الشعب العربي والشعب الإسرائيلي .

فالرئيس المؤمن محمد أنور السادات ألغى دور مصر في الصراع العربي الإسرائيلي والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي ألغى الصراع كله لمصلحة إسرائيل وعلى حساب العرب .