سارعت واشنطن إلى إدراج ثلاثة مسؤولين في "حزب الله" على لائحة عقوباتها بسبب مشاركتهم في الحرب في سوريا، وذلك بالتزامن مع توقيعها اتفاقاً تاريخياً مع إيران.

 

الخطوة غريبة في توقيتها، ذاك أن مسؤولي الحزب الثلاثة يشاركون في القتال منذ سنوات، وأحدهم مدرج أصلاً على معظم لوائح الإرهاب في العالم، وهو مصطفى بدر الدين! إذاً توقيت إعلان إدراجهم على لوائح العقوبات الأميركية يقول شيئاً.

 

والحال أن الخطوة الأميركية هذه ترافقت مع تساؤلات في لبنان عن شكل انعكاس الاتفاق الأميركي - الإيراني على لبنان وعلى نفوذ "حزب الله" فيه. ثمّة متغير يملي الكثير من الحسابات، بعضها في بيدر الحزب وبعضها في بيدر خصومه. أن يكون "حزب الله" مدرجاً على لوائح الإرهاب ولوائح العقوبات الأميركية، في حين تباشر طهران التخفف من عقوبات موازية، فهذا يطرح أسئلة لم يُجب عنها الإتفاق، لا في متنه ولا في ملحقاته.

 

تريد طهران أن تكون دولة "طبيعية" في الإقليم وفي العالم. هذا ما تعتقده واشنطن على الأقل. هذا الأمر يُملي عليها وجوداً ونفوذاً طبيعياً في المناطق التي يُتاح لها نفوذ فيها، وهذا الأمر لا ينسجم مع شكل نفوذها الراهن في هذه الدول. إذ للجمهورية الإسلامية نفوذ في أربع حروب أهلية على الأقل، هي اليمن والعراق وسوريا ولبنان، والإنتقال من النفوذ في حروب أهلية إلى النفوذ في دول طبيعية أو مستقرة يُملي علاقة مختلفة مع الحكومات ومع المجتمعات المستهدفة.

 

لا ينطوي هذا الاعتقاد على وهم أن طهران ستتخلى عن علاقاتها بجماعاتها في هذه الدول، لكن على اعتقاد بأن هذه الجماعات من المفترض أن تجري انتقالاً في وظائفها. أن يتحول "حزب الله" مثلاً من أداة إيران الأمنية في لبنان وفي سوريا، إلى وسيط تجاري يتولى، مثلاً، العلاقة بين المصارف اللبنانية وبين الأسواق الإيرانية التي من المفترض أن الاتفاق مع واشنطن سيفتح أبوابها أمام الطموحات الاستثمارية.

 

تجب المسارعة هنا إلى القول إن ما سبق ذكره يبقى مستحيلاً ما لم يكف "حزب الله" عن الوظيفة الموكلة إليه في سوريا وفي لبنان، وقبل أن ينجلي المشهد في المحكمة الدولية، وفي عدد من القضايا العالقة في أوروبا وأميركا اللاتينية وأفريقيا والخليج. ما يعني أن المهمة مستحيلة، أو تكاد تكون كذلك.

 

القرار الأميركي بإدراج أشخاص مُدرجين أصلاً على لوائح العقوبات يقول ذلك، ولا يمكن تفسيره إلا بصفته التذكيرية هذه. ويقول القرار أيضاً أن ايران قدمت التزامات أفضت إلى قبول المجتمع الدولي بها كدولة طبيعية في المنطقة، لكن "حزب الله" خارج هذا الاتفاق.

 

وربما أراد القرار أن يخاطب تل أبيب أيضاً، لكن ذلك يبقى شكلياً، فواشنطن على قناعة بأن تل أبيب مدركة أن "حزب الله" صار في مكان آخر، وأن مسألة حدودها لم تعد أولوية له في ظل النزاع المذهبي الذي يشطر المنطقة.

 

المفاوضات بين واشنطن وطهران أجريت على ملفات مرتبطة بانتقال طهران من دولة "مارقة" بحسب التعريف الدولي، إلى دولة ملتزمة بشروط الاندراج بالمنظومة الدولية.

 

هذا الأمر سيعني من جهة أن "حزب الله" ستكون له أمٌ طبيعية وقوية اقتصادياً، لكنها من جهة أخرى أمٌ أكثر التزاماً بشروط العلاقات البينية بين الدول. ولاحقاً سيتحول ما يجنيه الاقتصاد الإيراني من انفتاح العالم عليه، إلى وسيلة ضغط فعالة لضبط أي مهمة لا تنسجم مع مهمة ازدهار بازار طهران.

 

المصدر: ناو