لم يتطابق حقل معركة الزبداني التي كان قد بدأها «حزب الله» منذ شهر تقريباً مع حسابات بيدره، فالحزب الذي اراد الهروب من مآزق حرب طويلة تستنزف عناصره بشكل يومي في دمشق والقلمون، قرّر القفز إلى الامام عبر معركة لم يُعد لها بالشكل المطلوب ولم يختر التوقيت المناسب لخوضها، فسقط في شرّ التبعية من دون أن يُحقق «نصرا» أراد أن يُهديه لجمهور متعطش إلى زمن الإنتصارات.

يعجز «حزب الله» عن احداث خرق ملموس على جبهة «القلمون»، فلا الوعود بالنصر تحقّقت، ولا قضم المساحات آتت أكلها حتّى اصبح وضع عناصره أشبه بمركب تائه في عرض البحر تتقاذفه الأمواج العاتية من جهة إلى اخرى، وخطط نقل العناصر بين الجبهات لا تعني سوى مزيد من الخسارة، لكنها تبقى إجراءات ضرورية يهدف الحزب من ورائها، الى تخفيف حدة توتر عناصره وإن كان الموت يُحاصرهم في كل مكان يذهبون اليه.

قد يسأل البعض عن سر فتح معركة «الزبداني» في هذا التوقيت بالذات وخصوصاً أنها بلدة مُحاصرة منذ سنتين تقريباً. وقد يستغرب البعض فتح الحزب ممرات للعديد من العناصر المسلحة التي كان يُقاتلها في القلمون بإتجاه الزبداني، ثم إنقلابه على إتفاقات سابقة كان آخرها مع الفصائل المسلحة داخل البلدة والتي قضت بعدم تعرضه مع جيش النظام لها، مقابل عدم استهدافها طريق عام دمشق - بيروت وعدم قطع مجاري المياه عن العاصمة السورية.

إنقضاض «حزب الله» على الإتفاقية غير المُعلنة مع مُسلحي الزبداني جاء نتيجة تخبطه في «القلمون» و»الغوطة» الشرقية إضافة إلى سقوط المئات من عناصره في فترة قصيرة قياساً مع مدة تدخله في الحرب السورية من دون أن يُحرز أي تقدم لا في الميدان ولا في نفوس عناصره الذين ابتلعت بعضهم جبال المنطقة ووديانها. وكان أحد ضباط النظام فصّل عبر وسيلة اعلامية تابعة للحزب، كيف لجأ المسلحون إلى حيلة إشعال نيران كالتي أشعلتها عناصر النظام والحزب في بعض مناطق القلمون، كدليل للعناصر الذين تاهوا بعد هجوم مضاد نفذه المسلحون ضدهم، ما جعل من هؤلاء صيدا سهلا للقتل والأسر، بعد لجوئهم إلى أماكن تواجد المسلحين عن طريق الخطأ.

تأفف بيئة «حزب الله» الممتدة من الضاحية الجنوبية إلى الجنوب فالبقاع، ينعكس بطبيعة الحال عامل توتر على قيادة الحزب وعلى سير معاركها في سوريا، فجمهور الحزب يطالب بإنجازات فعليّة تمكّنه من غض الطرف الى حد ما عن النعوش التي يستقبلها على الدوام، وعن الجرحى الذين توصف حالاتهم بالحرجة لدرجة تجعل من بعضهم يتمنون لو أنهم «إسشتهدوا»، كما هو حال عنصر من عائلة فرحات، كان فقد نظره ورجليه ويده اليُمنى بلغم أرضي في الغوطة، في ظل عجز من الأهل عن فعل أي أمر يُمكن ان يُهدئ من حالة ولدهم.

يكتوي «حزب الله» بنار حروب يُلاحقها هو من مكان إلى آخر ويتبرّع بقتل عناصره بالمجان في سبيل قضايا لا تعود عليه بالنفع ولا بالفائدة ولا على أبناء طائفته. شبح الموت يخطف منه خيرة «الشباب» ويُحاصر بيئته من الجهات كافة. يُقابل هذا كله صرخات ألم ترتد إلى مطلقيها بصناديق خشبية تروي حكاية عائلات دفعت من عمرها ولحمها الحي، لتحافظ على أبناء أخذهم «الواجب الجهادي» وخلّف وراءه أيتاماً وأرامل، ودموع أمهات يتحرقن شوقاً لعودة أبنائهن وينتظرن عند عتبات المنازل، في وقت تقوم عائلات سورية كانت تدعم النظام، ببيع منازلها في مناطق الساحل خوفاً على حياة أبنائها.

الأمر المستغرب في الحرب التي يخوضها «حزب الله» اليوم في سوريا، أن «لا ملائكة تقاتل الى جانب عناصره على غرار الحرب التي خاضها ضد اسرائيل في تموز 2006«، بحسب إدعاءاته حينها، يومها كانت تُنسج الروايات وتُختلق القصص عن «ملائكة» ساهمت بـ»النصر» إلى جانب المقاتلين، وعن عنصر «انطلقت صليات صواريخ راجمته وحدها صوب المستعمرات بعدما عجز هو عن تنفيذ المُهمّة بعد تعرّضه لإصابة بالغة في يده«، وغيرها الكثير من الروايات التي كانت تدل على حجم الحرب وشرعيتها الدينية والسياسية والعسكرية بالنسبة إلى الحزب وجمهوره.

اليوم تغيب كل هذه القصص من البال لأسباب لم يُحدثنا عنها إعلام الحزب الحربي، أقلّه حتى اليوم.

عنصر من «سرايا المقاومة« كان قد اصيب في القلمون منذ سنة، سُمع يتحدث الى مجموعة من أصدقائه عن تلك الفترة، يقول من باب الدعابة: «الحرب في سوريا وتحديدا في القلمون هي عبارة عن صفقات بين جميع الاطراف من ضمنهم حزب الله، وفي حالة كهذه تقف الملائكة على الحياد وتكتفي بالمراقبة وبإحصاء عدد القتلى».

    علي الحسيني