كلما أمل اللبنانيون بأيام أفضل، خرج من يذكرهم بالمسار الانحداري الذي يعيشون تحت وطأته.

على عتبة اكتمال الشهر الرابع عشر للفراغ الرئاسي غدا، وبالتزامن مع عيد الفطر، ينتهي التمديد السادس لمطمر الناعمة من دون إيجاد بديل له، في ظل فوضى إدارة الملف الذي عجزت الحكومات المتعاقبة عن إيجاد الحل الناجع له.

في الأساس، بدا ربط التمديد الأخير بالمناقصة المخصصة لتلزيم جمع وفرز ومعالجة وطمر النفايات بمثابة مسكّن لأهالي القرى المتضررة من مطمر الناعمة. إذ أنه من البديهي أن لا يكون إنجاز المناقصة وتحديد الفائزين بها كافياً لإنهاء «كابوس مطمر»، فالمتعهدون، بعد اختيارهم، سيكونون أمام مرحلة طويلة من التأسيس وبناء المعامل (حددت فترة بدء العمل في دفتر الشروط بستة أشهر تلي التلزيم، لكن أحدا من الخبراء لا يتوقع أن يبدأ المتعهدون أعمالهم قبل عام على أقل تقدير).

الجديد هذه المرة أن النائب وليد جنبلاط سحب يده تماماً من الموضوع، فلم يسع كما فعل سابقاً لإقناع أهالي البلدات المجاورة للمطمر بمزيد من الصبر. وهو أبلغ الجهات المعنية أنه أعطى وعداً للناس بإقفال المطمر في 17 تموز ولن يخلف بوعده، علماً أنه تردد أن موقف جنبلاط يعود إلى أمرين، الأول، إحراجه حيال من وعدهم بأن تمديد عمل المطمر سيكون الأخير، والثاني، يرتبط بالأزمة الحكومية المستجدة، بحيث يشكل التفاوض فوق أكوام النفايات أفضل وسيلة ضغط على «التيار الوطني الحر» الرافض لإقرار أي بند قبل بحث آلية عمل مجلس الوزراء.

باختصار، وقع المحظور. وإذا لم تلتزم البلديات بدعوة وزير البيئة محمد المشنوق لها، أمس، «لتحمل مسؤولياتها وتأمين مطمر لنفاياتها»، فإن أيام العيد وما يليها ستشهد مشهداً محزناً في شوارع العاصمة وعدد كبير من مدن وبلدات جبل لبنان، حيث ستتكدس النفايات تحت قيظ الصيف، ما ينذر بانتشار الحشرات والأوبئة، إذا لم يعالج الموضوع سريعاً.

وقد أوضح المشنوق لـ «السفير» أنه حان الوقت لتعتاد البلديات على إيجاد مطامر لنفاياتها، وقال إن الفترة الاستثنائية لا يفترض أن تتخطى الأسبوع أو الاثنين، أي ريثما يبدأ العمل في المطامر البديلة، وفقاً للاقتراح الذي تقدم به منذ أيام، ويقضي بتوزيع نفايات العاصمة وضواحيها على نحو عشرة مطامر موزعة على مختلف المناطق، مع الاستمرار في إرسال 600 طن من النفايات إلى مطمر الناعمة، بدلاً من نحو 3000 طن يستقبلها يومياً في الوقت الحالي.

هذا الاقتراح ووجه باعتراضات من البلديات التي يقترح المشنوق الطمر في مطامرها، عدا عن رفض القرى المتضررة من مطمر الناعمة والجمعيات البيئية لاستمرار طمر النفايات فيه، بغض النظر عن كميتها. كما أن الاقتراح الأخير (تحمّل البلديات مسؤولية طمر نفاياتها) لن يكون سهل التطبيق، خصوصاً في العاصمة والضواحي، التي تفتقد إلى القدرة على تخزين أو طمر نفاياتها.

واستكمالاً لتأكيد المشنوق فإن «سوكلين» ستستمر في تنفيذ عمليات الكنس والجمع والنقل في العاصمة وجبل لبنان، باستثناء الطمر، حيث ستعيد النفايات إلى البلديات بعد توضيبها ضمن بالات. وقال رئيس مجلس إدارة شركة «سوكلين» ميسرة سكّر لـ «السفير»، إن الشركة لن تتوقف عن عملها بالرغم من أن العقد الممدد معها ينتهي اليوم أيضاً. وأوضح أنه بالرغم من عدم طلب مجلس الإنماء والاعمار من الشركة الاستمرار في عملها، بسبب تعذر انعقاد مجلس إدارته قبل الاسبوع المقبل، فإن «سوكلين»، وانطلاقاً من مبدأ استمرارية المرفق العام، ستتحمل مسؤوليتها في جمع النفايات. لكنه، حذّر في المقابل، من أنه في حال تعذر الطمر، فإن مخازن الشركة لن تتمكن من استقبال النفايات لأكثر من يوم واحد، وهو ما يهدد بإبقاء النفايات في الشوارع.

وذكر مراسل «السفير» في عاليه أنور ضو أن التحضيرات بدأت لأوسع تحرك أهلي اليوم، بحيث سيشهد مدخل مطمر الناعمة ـ عين درافيل عند العاشرة اعتصاماً على خلفية عدم إقفال المطمر.

وتشهد منطقة الشحار خصوصا وعاليه الغرب عموما حالة «استنفار» وعمل لوجستي لتأمين الخيم تمهيدا لاعتصام مفتوح بمشاركة مختلف القوى السياسية والبلديات والجمعيات والاهالي يغلق طريق المطمر، على ان لا تفتح الطريق قبل صدور قرار عن مجلس الوزراء باغلاق المطمر والانتقال الى موقع آخر.

وقد شكل موقف النائب وليد جنبلاط خلال الفترة الماضية رافعة للتحرك والاعتصام، وتوج بإلغاء اجتماع كان مقرراً أمس مع وزير البيئة محمد المشنوق للبحث في المرحلة الانتقالية التي تقترحها وزارة البيئة، وتقضي بتمديد عقد الطمر في الناعمة لفترة ستة اشهر على ان يستقبل 600 طن يومياً، وتوزيع باقي الكمية على مكبات بعضها مغلق مثل برج حمود، والآخر مفتوح مثل حبالين وسرار وزحلة وغيرها.

وعشية الاعتصام، عقد لقاء مساء أمس في دارة عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب أكرم شهيب في مدينة عاليه شارك فيه، إلى نواب «اللقاء»، رؤساء بلديات عاليه الغرب والشحار، وخصص للبحث في إيجاد حلول مؤقتة لمعالجة النفايات في هذه المنطقة على خلفية التحرك لإقفال الطريق أمام الشاحنات المتجهة الى مطمر الناعمة ـ عين درافيل، وما سيترتب على هذا الامر من تراكم للنفايات في شوارع وأحياء هذه القرى والبلدات.

وأشار شهيب إلى أن «لقاءنا تركز حول ايجاد السبل لتأمين وتنفيذ مشروع أو عمل مشترك من أجل معالجة نفايات قضاء عاليه، كي لا تواجه كل بلدة مشكلة وتعم الفوضى».

وفي سياق متصل، كان لافتاً للانتباه أمس، تمديد وزير البيئة لفترة استقبال الطلبات المتعلقة ببيروت وضاحيتها لأسبوعين، بعدما لم تتقدم أي شركة في الموعدين السابقين. وفيما شكك خبراء بيئيون بهذ الخطوة انطلاقاً من أن فترة الأسبوعين لن تغير مجريات الأمور في ظل بقاء دفتر الشروط على حاله، فقد أبدوا قلقهم من أن يكون قد تقرر إنهاء الموضوع من خلال اتفاق من تحت الطاولة مع أحد المتعهدين يسمح له بالتقدم إلى المناقصة، مع وعود بالتغاضي عن بعض الشروط. لكن وزير البيئة كان واضحاً في قوله إنها الفرصة الأخيرة أمام المتعهدين، وإذا لم يتقدم أحد إلى المناقصة، سيضطر إلى إعادة موضوع بيروت إلى مجلس الوزراء ليتخذ القرار بشأنه.

وفي المقابل، سيسير المشنوق بفض العروض بالنسبة للمناطق الخمس الباقية، منعاً لمزيد من التأخير. أما ميسرة سكّر، فرأى أن لا حل لمشكلة نفايات بيروت إلا بغض النظر عن مسألة الطمر والتحول إلى تقنية الحرق المعتمدة في معظم المدن ذات الكثافة السكانية العالية.