حن في العام 2015، وقد تجاوزنا نصفه الأول منذ أسابيع. نحن في القرن الواحد والعشرين، الذي لم نعد نسمع فيه عن أناسٍ يموتون بالطاعون، ولا عمّن يموت بسبب صداعٍ في الرأس أو التهابٍ طفيف. نحن في حالٍ أفضل بكثير ممّا كنّا عليه قبل عقود. نحن في عصر الإنترنت، يحملنا المصعد الى الطابق الخمسين بثوانٍ، ونتّصل بقريبنا الذي هاجر الى اوستراليا عبر الهاتف، ومن دون كلفة، ونشاهده عبر "سكايب" وهو يشرب قهوته الصباحيّة بينما نحن على وشك أن نُسقط ورقة إضافيّة من روزنامة أيّامنا.

نحن في عالمٍ أفضل. باتت بطاقة صغيرة في محفظتنا تغني عن أوراق نقديّة كثيرة. الطبّ تقدّم والعلم، بمختلف أشكاله، أيضاً. السفر أصبح سهلاً، ومعدّل الأعمار ارتفع بشكلٍ ملحوظ.

في هذا العالم تحديداً، قتل طارق يتيم بسكّينه جورج الريف، الذي لا يعرفه ولم يلتقِ به سابقاً، على طريقٍ عام في وضح النهار وأمام العشرات، ومنهم زوجة الضحيّة.

 

 

بينما تقرأون هذه السطور، ستكون رولا الريف نائمة فوق جثّة زوجها جورج، تغسل جروحه بدموعها بعد أن عجز الأطبّاء عن إنقاذه من آثار الاعتداء الحيواني الذي تعرّض له. مهلاً، لا تطلبوا منّا أن نكون مهنّيين ومهذّبين وحريصين على اختيار المفردات اللائقة. نحن هنا أمام جريمة حيوانيّة لا ينتمي من ارتكبها الى جنس البشر. نحن هنا أمام كارثة مروّعة أصابت عائلة سيُحرم أطفالها الأربعة من والدهم الى الأبد.

 

 

سيخرج جورج الريف، ابتداءً من اليوم، من منزله العائلي ليُسجن فيه، بعده، صورةً في إطار. ستزرع ذكراه ألماً في قلوب من عرفه وأحبّه، وحتى في قلوب من تابع يوم أمس أخبار الاعتداء عليه حتى تلقّى نبأ موته المؤلم. لكنّ طارق تميم لم يزرع سوى الدم ولن يحصد سوى العذاب لنفسه والخجل لعائلته.

من أين أتى طارق يتيم بهذا الحقد الذي في داخله؟ من أين أتى بهذا الإجرام؟ هل يُعقل أنّ هذا المجرم هو إنسانٌ مثلنا، يملك قلباً ومشاعر وضميراً؟ هل هو يفكّر، يتألّم وتدمع عيناه حزناً أو فرحاً؟ هل ينتمي الى عائلة ويعيش في منزلٍ ويتنشّق الهواء نفسه الذي نتنشّقه؟

لست أدري، بل لا أهتمّ بذلك. ما أهتمّ به هو كلام زوجة جورج، قبل ساعات على رحيله، وهي تصرخ وتتضرّع راويةً ما حدث لزوجها. لعلّ صوتها يسكن في آذان جميع من سمعها. ما أهتمّ به هو دموع أطفالها الذين سيعيشون بلا أبٍ لم يسقط شهيداً في معركة ولا في حادثٍ قدريّ، بل صودف مروره الى جانب حيوانٍ يحمل سكّيناً ولا يتورّع عن استخدامه للقتل بسبب أفضليّة المرور!

 

 

ومن المؤكّد أنّ طارق، الذي وصفه ضابطٌ أمني لموقعنا بـ "الأزعر ومن أصحاب السوابق في الضرب وتعاطي المخدرات"، لن يشعر على الأرجح بالذنب. فهو، كما يدلّ الفيديو المرفق، وكما يروي الشهود العيّان، ومنهم زوجة جورج، كان واثقاً ممّا يفعل. استدرج ضحيّته عن سابق تصوّر وتصميم. ضربه وطعنه وقتل ربّ عائلة من أجل سببٍ تافهٍ.

 

 

ولعلّ الأسوأ في جريمة قتل جورج الريف، بعد خسارته المفجعة، أنّها تُفقد الإنسان بعضاً من إنسانيّته أمام هول ما يشاهد. يكفي أنّنا نتمنّى لو يُساق المجرم الى مكان الحادث من جديد، ليُشبَع، هو هذه المرّة، لطماً وضرباً وطعناً...

لعلّ تحقيق ما هو أقلّ من ذلك، وليسامحنا الربّ، يُبقي العدالة منقوصة...