يملك جسم الإنسان منظومة دفاعية تعرف بالجهاز المناعي مهمته محاربة الأعداء، سواء جاء هؤلاء من الخارج، مثل الفيروسات أم الجراثيم أم الطفيليات، أم أتوا من داخل الجسم، مثل الخلايا السرطانية.

وكي يقوم الجهاز المناعي بهذه المهمة النبيلة فإنه يحدّد هدفه بدّقة، بحيث يميّز بين العدو والصديق، لكنه قد يخطئ في التمييز بين العدو والصديق فيهاجم خلايا الجسم أو أنسجته مسبّباً أمراض المناعة الذاتية.

ويعاني ملايين الأشخاص من أمراض المناعة الذاتية، وهي أمراض غير معدية، أي لا تنتقل من شخص إلى آخر، كما الحال مع الأمراض الميكروبية، بل هي تنجم عن تضافر عوامل وراثية وهرمونية وبنيوية ودوائية وبيئية، إلا أن العامل الوراثي يأتي في المقدمة، إذ في غالبية الحالات يوجد تاريخ عائلي للإصابة، فالجينات تساهم في توفير الأرضية المناسبة لنشوء هذه الأمراض.

ويمكن لبعض الأمراض المناعية الذاتية أن يظهر إلى العلن بعد تعرض الشخص إلى عدد من المحرضات، كالعدوى الفيروسية، وأشعة الشمس، والحمل، والتوتر المزمن، والهرمونات.

وهناك عدد كبير من أمراض المناعة الذاتية يصل إلى ١٢٠ مرضاً، وهي تصيب الملايين من الأشخاص، خصوصاً النساء اللواتي في سن الإنجاب والعمل.

وإذا هاجم الجهاز المناعي الجهاز العصبي فإنّ بعض الأمراض تحدث فيه، مثل داء التصلب المتعدّد، والوهن العضلي الوخيم، ومتلازمة غيلان - باريه، والتهاب القزحية المناعي الذاتي.

وإذا اعتدى جهاز المناعة على الغدد الصماء، فإن الأمراض الآتية قد تندلع، مثل الداء السكري النوع الأول(أي المعتمد على هرمون الأنسولين)، وداء غريفز ومرض هاشيموتو في الغدة الدرقية، والتهاب غدة الكظر فوق الكلية، والتهاب الخصية، والتهاب المبيض.

وإذا صوّب جهاز المناعة سهامه إلى الدم والأوعية الدموية، فإنّ الشخص المعني قد يتعرّض إلى انحلال الدم المــناعي الـــذاتي، وفقر الدم الوخيم، ومرض نقص الصفيحات الدموية المناعي الذاتي، والتهاب الشريان الصدغي، والتهاب الأوعية الدموية الدقيقة.

وقد لا يسلم الجهاز الهضمي من نيران الجهاز المناعي الخاطئة فتنشأ بعض الأمراض، مثل داء كرون، والتهاب القولون التقرحي، وتشمع الكبد البدئي، والتهاب الكبد المناعي الذاتي.

وحتى الجلد قد يكون هدفاً لجهاز المناعة مطلقاً العنان لبعض الأمراض، مثل داء الصدفية، وداء البهاق، وداء الفقاع الشائع، والتهاب الجلد العقبولي الشكل.

وقد يستهدف الجهاز المناعي مجموعة أعضاء، بما فيها الجهاز الحركي، ما يشعل فتيل أمراض عدة، مثل داء الروماتويد، وداء الذئبة الحمامية، وتصلب الجلد، والتهاب العضلات، والتهاب الجلد والعضلات، والتهاب الفقرات اللاصق.

ويعتمد تشخيص أمراض المناعة الذاتية على العوارض التي يشكو منها المصاب، وعلى نتائج الفحص السريري، وعلى المعطيات التي تحملها الفحوص المخبرية.

ويتم اللجوء عادة إلى استعمال علاجات تقليدية من أجل السيطرة على عوارض المرض المناعي الذاتي، وربما إلى استعمال الأدوية المثبطة للجهاز المناعي من أجل وضع حد للأهداف التي يقصفها، لكنْ لهذه الأدوية آثار جانبية مزعجة للغاية بل قد تكون قاتلة أحياناً.

ويتم العمل حالياً على وضع علاج يساعد جهاز المناعة على تصويب عمله بحيث يعمل على تمييز الخلايا غير الطبيعية حصراً من دون المساس بالخلايا الطبيعية، وقد تحققت خطوات ملموسة على هذا الصعيد قد تفضي إلى وضع استراتيجية جديدة لمواجهة أمراض المناعة الذاتية وذلك من خلال التركيز على الخلايا المناعية نفسها لمعرفة الجينات أو البروتينات التي يتم تفعيلها وتلك التي يجب إلغاء تفعيلها خلال عملية العلاج، وقد وجد الباحثون العديد من التغييرات التي تحدث على المستوى الجيني التي تساعد على معرفة كيفية تحويل الخلايا العدائية إلى خلايا صديقة تحمي الجـــسم من الأمراض، والـــهدف من كل ذلــك هو إعادة تأهيل الجهاز المناعي كي يتمكن من التعرف على خلايا الجسم الطبـــيعية وتجـــنّب مهاجمتها، مع الحفاظ على قدرته على مهاجمة الأجسام الغريبة.

وأياً كان العلاج المستعمل فإن للمريض دوراً بارزاً في تطويق المرض المناعي الذاتي من خلال قيامه بسلسلة من الخطوات الآتية:

١- فهم طبيعة المرض وكل ما يتعلق به، خصوصاً العوارض التي تشهد تقلبات من وقت إلى آخر.

٢- وضع الطبيب في صورة التغيرات الطارئة التي تحصل في عوارض المرض، وكذلك العوارض الجديدة التي تظهر على الساحة من أجل تدبيرها بالطريقة المناسبة.

٣- معرفة الخطة العلاجية والمشاركة الفعالة في تطبيقها جنباً إلى جنب مع الطبيب من أجل الوصول إلى أفضل النتائج.

4- الاستفسار على التأثيرات الجانبية للعلاج وإعلام الطبيب بها لمواجهتها بالوسائل المتاحة.

٥- عدم الاستسلام للإعياء المزمن الذي يحل عادة ضيفاً ثقيلاً خلال مسيرة المرض أو علاجه، بل يجب التسلح بالصبر والأمل للسيطرة على المرض.

٦- مناقشة العوامل المثيرة للمرض أو المؤثرة عليه.

٧- اتباع نظام غذائي متوازن ومناسب إلى جانب المثابرة على النشاط الرياضي بهدف الحفاظ على مستوى مقبول من النشاط والحيوية.