الوضع المالي كما هو اليوم، وقبل قراءة المؤشرات لتوقُّع ما سيكون عليه في الغد، يستند الى القطاع المصرفي لكي يصمد في وجه العواصف الاقليمية، والتي ترتد تداعياتها على الداخل. وبالتالي، أضعف الايمان أن يحرص المسؤولون على حماية هذا القطاع، لكنهم لا يفعلون دائما.

ما أثاره رئيس جمعية المصارف فرانسوا باسيل في شأن القوانين المالية المطلوبة لكي يتمكن القطاع المصرفي اللبناني من مواصلة التعامل مع الخارج، يُعيد الى الواجهة هذا الملف الحسّاس. وبالتزامن، جاءت قضية فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على ثلاثة لبنانيين وشركاتهم لاتهامهم بأنهم "عناصر رئيسية في شبكة دعم حزب الله" اللبناني، لتزيد الأزمة تعقيداً.

من المعروف أن قانون التصريح عن نقل الاموال عبر البر، وهو واحد من القوانين الاساسية المطلوبة أميركياً، توقف في الفترة السابقة بقرار من حزب الله. وقد تمّ تعطيل مناقشات المشروع في المجلس النيابي، واودع الأدراج، بانتظار تطور ما يمكن أن يدفع الحزب الى تغيير موقفه، والسماح بتمرير القانون.

ومن المعروف ان الحزب يعتمد كثيرا في قضاياه المالية على النقدي cash. وظهر ذلك بوضوح، عام 2006، عندما فتح الحزب خزائنه لتمويل التعويضات على المتضررين بعد الحرب.

هذا المشهد فتح سجالات حول طريقة وصول كل تلك الاموال النقدية الى الحزب من دون مرورها في القطاع المصرفي. لكن النقاشات لم تذهب بعيدا في الاتهامات، على اعتبار ان مآسي الحرب كانت فظيعة على المستوى الانساني، ولم يكن متاحاً الاعتراض كثيرا على حالة تساهم في مساعدة الناس المنكوبين. ومن هنا يمكن استيعاب إصرار الحزب على عدم وضع قيود على نقل الاموال النقدية عبر البر.

في السنوات اللاحقة، وبعدما زادت الضغوطات الأميركية في موضوع قانون النقل البري، وتبيّن ان حزب الله لن يسمح بإقرار القانون، لجأ مصرف لبنان الى اتخاذ اجراءات رديفة لتخفيف مخاطر نقل الاموال الوسخة عبر البر، من خلال قرارات تنظيمية جديدة تناولت قطاع الصيرفة، على اعتبار انه القطاع المخوّل نقل كميات كبيرة من النقد من دون اثارة الشبهات.

لكن هذه الاجراءات، وان كانت مطلوبة الا انها لا تكفي، والأميركيون يريدون قانون نقل الاموال عبر البر. بالاضافة الى تعديلين آخرين، في قانون مكافحة تبييض الاموال.

اليوم، عاد الجدل الى هذا الملف من النقطة التي أثارها رئيس جمعية المصارف اللبنانية الذي تحدث عن انتهاء المهلة الدولية الممنوحة الى السلطات اللبنانية في ايلول المقبل، أي بعد حوالي ثلاثة اشهر. هذه المهلة لا تبدو كافية لتذليل العقبات القائمة اليوم، والجزء الاساسي منها يتعلق بعودة التشريع الى المجلس النيابي، في حين ان ما يجري حاليا أدّى الى وقف العمل في مجلس الوزراء ايضا. واذا كان الرهان على انتخاب رئيس للجمهورية قبل ايلول، لاعادة التشريع الى المجلس، فان هذا الرهان قد لا يصيب.

لكن البعض يعتقد، ان أزمة من نوع وقف التعامل الخارجي مع المصارف اللبنانية، ومع السلطات اللبنانية على المستوى المالي يعتبر كارثة وطنية، وقد يحثّ الفرقاء على تجاوز المواقف المبدئية والنزول الى المجلس لإقرار القوانين المطلوبة.

في المقابل، تبقى هناك مشكلة اخرى تتعلق بموقف حزب الله من قانون نقل الاموال تحديدا. اذ اشارت المعلومات، وفي خلال المفاوضات النووية الاميركية الايرانية، الى ان الحزب لطّف موقفه من القانون، خصوصا ان الامر طاول عدوه تنظيم داعش، اذ بات قانون نقل الاموال عبر البر وسيلة لمنع تمويل الحركات الاصولية السنية التابعة لداعش في لبنان. وبالتالي، صار حزب الله صاحب مصلحة في إقرار القانون، خصوصا انه اعتبر ان العلاقات الجيدة بين واشنطن وطهران سوف تخفف الضغط الاميركي على موضوع تمويل الحزب.

اليوم، جاءت قضية وضع ثلاثة أشخاص على اللائحة السوداء الاميركية لتعقّد الامور، وتُثبت ان العين الأميركية لم تغفل عن متابعة ملف تمويل حزب الله، وبالتالي، هناك تساؤلات اذا ما كان الحزب سيتعاطى بايجابية مع قانون نقل الاموال، في حال تقرر إقراره في المجلس النيابي، ام ان الامور عادت الى نقطة الصفر، ولن يسمح الحزب باقرار قانون قد يُستخدم ضده في القضايا التمويلية؟

(انطوان فرح - الجمهورية)