خلط الأوراق والجبهات الجارية فصوله تباعاً في المشهدين السوري والعراقي، واستتباعاً في اليمن، لا يمكن أن يُقرَأ في معزل عن الملف النووي الإيراني الذي تقترب مواعيد استحقاقه حثيثاً.

جولة وزير الخارجية الاميركي جون كيري التي ستقوده الى جنيف للقاء نظيره الايراني محمد جواد ظريف بعد ايام، تشير الى أنّ جدول اعمال المفاوضات النووية لم يتأثر بأيّ من تلك التطوّرات، بعدما نجحت واشنطن في عزلها عن سياقات الأحداث الجارية في المنطقة.

وفي مقابل التشدّد الغربي من قضية تفتيش المنشآت النووية والمواقع العسكرية ومقابلة العلماء النوويين الايرانيين والتدرّج في رفع العقوبات، جاءت «مباركة» المرشد علي خامنئي وحمايته الحكومة الايرانية التي تدير هذا الملف، لتقطع شكوكاً كثيرة حاول إثارتها في البداية، حول إمكان الوصول الى اتفاق، وفق الشروط الدولية أعلاه.

تقول أوساط أميركية إنّ تشديد الخارجية الاميركية على أنّ محادثات كيري مع ظريف ستركز على إنهاء المفاوضات النووية نهاية شهر حزيران، وعلى مسألة الأميركيين المحتجَزين في ايران، تعكس نوعاً من الاطمئنان الى أنّ شيئاً لم ولن يُعكّر سير تلك المفاوضات وفق السياقات المرسومة لها.

فواشنطن تتعامل مع «الانتكاسات» الراهنة التي اصابت مشاريع ايران في المنطقة، مثلما تعاملت معها خلال «صعودها» السياسي السابق، حين أعلنت أنها باتت تسيطر على اربع عواصم عربية. فما يهمّها هو جرّ طهران الى تسليم برنامجها النووي، فيما الملفات الاقليمية الاخرى تسير وفق إرادات، لا تبدو واشنطن في عجلة من امرها لوضع حلول لها في ظلّ التعقيدات التي أُضيفت اليها.

هناك مَن يقول إنّ الادارة الاميركية تتهيّأ لإدارة مديدة للنزاعات في المنطقة، مع اندفاع الاطراف المتورطة فيها الى مستويات غير مسبوقة من العنف والتطرف وطغيان الانقسامات المذهبية وانفلاتها من عقالها.

طهران التي تسعى الى «قلب الطاولة» رداً على «انتكاساتها»، عبر إطلاق أدواتها المحلية وتقسيم المنطقة بين مشروعَين مذهبيَين، تقوم بذلك أيضاً وهي تطوي عملياً ملفها النووي. وكما كانت شبه مطمئنّة الى قدرتها على فرض أجندتها السياسية الاقليمية، مستغلّة حال «السماح» الممنوحة لها من واشنطن مقابل توقيعها هذا الاتفاق، تنظّم الآن حروبها المفتوحة في العراق وسوريا واليمن على قاعدة الاطمئنان نفسها.

تلك الاوساط أنّ خفوت حدة النقاش «الاميركي» الداخلي حول الاتفاق المزمع توقيعه مع ايران، يعكس تغييراً سياسياً في رؤية الطبقة السياسية الاميركية لمستقبل المنطقة، بعدما أدرك الجميع حقيقة الاتفاق المقبل وشروطه.

واذا كانت المنطقة تتجه نحو مزيد من التفكك والحروب، فلا ضير من إزاحة الخطر النووي، أو على الاقل تجميده، في ظلّ تقديرات تشير الى حروب قد تدوم لأكثر من عقد من الزمن، وهي المدة نفسها الموضوعة للاتفاق النووي مع طهران على أيّ حال.

وتشير تلك الأوساط الى تقرير نشره «معهد واشنطن» أعده خمسة اشخاص من الحزبين الديموقراطي والجمهوري بينهم مستشارون سابقون في الادارة الاميركية الحالية والسابقة على رأسهم دينيس روس وستيفن هادلي.

ويحذّر التقرير «من التعاون الأميركي - الإيراني في المعركة ضدّ المتطرفين السنّة الاصوليين»، ويؤكد انه «اذا كانت الولايات المتحدة تأمل في تعبئة السكان العرب السنّة في العراق وسوريا لمعارضة «داعش»- علماً أنّ هذه التعبئة تشكل عنصراً أساساً لتهميش التنظيم - لا يمكن إيران أن تكون حليفاً مفترضاً».

تضيف تلك الاوساط أنه في معزل عن دعوة التقرير «الى ضرورة عدم استعداء الشعوب والدول العربية إذا رغبت واشنطن في ربح الحرب ضدّ الأصوليين»، إلّا أنه يكشف في المقابل أنّ الرهان على تحالفات غير «طبيعية» واستعداء الاكثرية لمصلحة الاقلية، ليس سياسة حكيمة، ما يفرض على واشنطن اتخاذ إجراءات لمنع انهيار «نظام الدولة» في المنطقة ومواجهة ما سمّاه التقرير «النفوذ المتزايد للمتطرفين السنّة والشيعة على السواء».

وفي حين تُشكّك تلك الاوساط في القدرة على ضبط الصراعات المذهبية، تقول إنّ الانحياز الى طرف ضدّ آخر لن يكون خياراً أميركياً ملائماً، بعدما كشف سقوط الرمادي وتدمر عن استهدافات لا تمت بصلة الى المعركة ضدّ «داعش».

فالحسابات الايرانية والتركية والعربية الاخرى تلزم واشنطن اعتمادَ سياسة «حيادية»، لن تتجاوز في المرحلة المقبلة تلبية طلبات التسلّح!