خفيفاً نام الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله ليلة الأربعاء. أتاه من أرخى عنه أثقاله. أربع سنوات من الإنخراط في الحرب السورية، والحزب عاجز عن صوغ التبريرات لإقناع بيئته وجمهوره وأهل قتلاه بجدواها. بالأمس حصل نصرالله على صك أحقية القتال إلى جانب نظام الأسد، من "العدو اللدود". ربما هي مصادفات التشابه بين الفرق والأحزاب الإسلامية، وربما أيضاً هو تقاطع المصالح، وفقاً لمفاهيم مؤدلجة على اختلافها. كانت ليلة الأمس، ليلة الدخلة، وإن أتت متأخرة لعرس بدأه الحزب قبل سنوات.
 

ظاهرياً، بدت المواقف التي أطلقها أمير جبهة "النصرة" في سوريا أبو محمد الجولاني، وكأنها مواقف مباعة للنظام السوري ومن خلفه إيران و"حزب الله". حديث الأقليات كان طاغياً، وإن بمفهوم مختلف، ونظرية تكفير الثورة وأسلمتها أيضاً كانت تاجاً رفعه الجولاني وضرب به رأس الشعب السوري في محاولة لهدم طموحاته. فحصل "حزب الله" على هدايا ثمينة لم يكن ليحلم بها، واحتاجت عشرات الخطابات والتسويقات من قبل قادة الحزب لمحاولة تبرير الإنتحار في سوريا، فيما لم يحتج التبرير سوى لبضع دقائق من وقت الجولاني.

 
قدّم قائد "النصرة" الطبق الأفضل لنظيره على الضفة المقابلة، لطالما خجل السيد نصرالله من الإعتراف بأن القتال في سوريا هو دفاع عن النفس، لأنه بسقوط نظام الأسد سيسقط الحزب، فجهد على إيجاد المبررات للدفاع عن النظام والتفاني موتاً، من نظرية الدفاع عن اللبنانيين الشيعة في المناطق الحدودية، إلى الدفاع عن المراقد المقدسة، وحماية ظهر المقاومة والدفاع عن المحور المتصدي للمؤامرة، وكل هذه الحجج لم تسكت المعترضين على سلوك الحزب، إن كان سراً أو علانية، من جمهور الحزب او من خصومه.

 
أكثر من مرّة كرر الجولاني أن مصير "حزب الله" مرتبط بمصير الأسد: "حين يسقط الأسد سيسقط الحزب"، وإن لم يعلن الملقّب بالفاتح عزمه عن دخول لبنان، لكنه شدد على أن معركته مع "حزب الله" في كل الأمكنة، معتبراً أنه بعد سقوط النظام سيتراجع نفوذه لينحصر في الجنوب فقط، داعياً القوى اللبنانية إلى القيام بسحب نفوذ الحزب في ما بعد.

 
ليست المرة الأولى التي يقدم فيها الجولاني نظرة غير مفهومة للداخل اللبناني، وعلى الرغم من إعلانه أنه ليس في طور الدخول في معركة لبنانية، إلّا أنه تناسى اختطاف عناصر الجيش اللبناني، واجتياحه قبل أشهر بلدة عرسال التي احتضنت عشرات آلاف اللاجئين السوريين، وما نجم عن ذلك الإعتداء من سلبيات على المدنيين السوريين قبل اللبنانيين، في خطوة لم تخدم وقتها وإلى اليوم سوى نظرة "حزب الله" للحراك السوري.

 
تقدم جبهة "النصرة" ومن يشبهها في سوريا خدمات مجانية إلى "حزب الله". مجرّد أن يعلن الجولاني وبخطاب مباشر للحزب أن مصيره سينتهي بإنتهاء الأسد، يرفع عن كاهل الحزب أثقالاً وأعباء، متناسياً أن للحزب بيئة شعبية حاضنة، هي التي ستطلب من قيادتها الذهاب للقتال بشراسة أكثر في سوريا لأن الجولاني هددها وهدد مصيرها بالزوال. كم أسرّ "حزب الله" بهذا الموقف؟ لم يعد يحتاج إلى عناء التبرير.

 
الأبرز، أن الجولاني لاقى نصرالله بأن معركة الحزب أو "الشيعة" في سوريا هي معركة وجودية، خصوصاً أن "جيش الفتح" الذي اعتبره نصرالله اسماً تجميلياً لـ"النصرة"، عززه الجولاني بقوله إنه القوة الأبرز فيه لأنه الأقرب إلى قلوب الناس وغير مرتهن لقوى خارجية. أما في موضوع الأقليات من علويين ودروز ومسيحيين، لم يتحدث أمير النصرة بلسانه فقط، بل بلسان النظام وإيران أيضاً.

 
كل محاولات شيطنة الثورة على مدى السنوات الماضية، كانت فاشلة. كان هناك أمل ما، ولم يزل، لكن الأكثر فتكاً بمسيرة الثورة السورية، كان الجولاني نفسه، وطبعاً قبله البغدادي. لاقى الجولاني في إطلالته نصر الله في منتصف الطريق، كما لاقت "داعش" النظام السوري و"حزب الله" في أكثر من منطقة، ليقضيا معاً على ما تبقّى من حراك مدني.

 
أوجه التشابه بين "النصرة" و"حزب الله" كثيرة، من البدايات إلى اليوم، فالمواقف التي عززّت ذرائع الحزب لا تنفصل عن الخطاب الأول الذي ظهر به الحزب وأمينه العام قبل أكثر من عشرين سنة. كلام الجولاني عن "النصيريين، والنصارى، والدروز" هو الوجه الآخر لكلام الحزب في مرحلة إنطلاقه.
 

لذلك كله، كان من الإستعجال ربما إنتظار موقف من الجولاني للإنفصال عن "القاعدة" وخطابها، قد يحتاج ذلك إلى سنوات، ليعاود الأمير الظهور بمظهر حداثي، يكفل فيه حماية المسيحيين والعلويين والدروز وجودياً وعقائدياً، فهي دوامة واحدة تدور فيها التنظيمات الشبيهة، وجود هذا يبرّر وجود ذاك، يطيل أمد حرب مذهبية عقائدية، تكون فيها حقوق الشعب المدنية هي الضحية.

 

 

(ربيع حداد)