كشفت مصادر دبلوماسية واسعة الإطلاع عن مبادرة إيرانية ـ تركية انطلقت قبل فترة تقود الى فتح ممرّات آمنة لمسلّحي القلمون الشمالي للانتقال الى مناطق سوريّة أخرى، وتواكبها صفقة تؤدي الى الإفراج عن العسكريين المخطوفين وتقفل ملف عرسال المشتعِل. وكل ذلك بات رهناً بموافقة النظام السوري على السيناريوهات المرسومة. فهل تكتمل فصولاً؟ وما هي حصة لبنان؟

تقول المعلومات التي تسرّبت في تقارير ديبلوماسية سرية تمّ تبادلها في بيروت على نطاق ضيّق انّ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان فاتحَ المسؤولين الإيرانيين في زيارته الأخيرة الى طهران بسيناريو يهدف الى نقل مسلّحي القلمون عبر معابر آمنة الى مناطق سورية أخرى.

وقالت المصادر انّ الرئيس التركي أوحَى للقيادة الإيرانية انّ مثل هذا السيناريو لا تعارضه السعودية وحلفاؤها، متسلّحاً بنتائج الزيارة التي قام بها وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن نايف لأنقرة قبل ساعات قليلة من زيارته طهران، وانّ ما ينقص التفاهم التركي - الإيراني هو ان تنضَمّ إليه القيادة السورية لتحديد المناطق التي ينتقل اليها المسلحون.

ومَردّ طلب الموافقة السورية ما يمكن ان يقود اليه هذا التفاهم من هواجس، كأن يعتبر مثلاً أنها خطة لتعزيز مواقع المعارضين وقدراتهم في جبهات أساسية يخوض فيها النظام معارك شرسة للحفاظ على خطوط الإمداد بين دمشق والساحل السوري الى مناطق أكثر حيوية بالنسبة إليه، كما هي حال حماه وحلب وحمص وأريافها وبعض أحيائها التي فقد السيطرة فيها.

وما يعزّز مخاوف النظام انها مبادرة جاءت بعد سقوط محافظة إدلب بكاملها في أيدي المعارضن الذين باتوا على أبواب الساحل السوري وعلى مرمى أقلّ من 50 كلم من مدينة اللاذقية بعد سقوط منطقة حيوية بما فيها من ثكن ومواقع استراتيجية من بينها قاعدة جوية وأخرى للتصنيع العسكري.

وتفيد المعلومات انّ المبادرة توفّر ضمانات للنظام تقوده الى الموافقة. فمِثل هذا السيناريو يُنهي مخاوفه من التهديد المباشر الذي كان وما يزال قائماً حول طريق دمشق ـ حمص ـ اللاذقية الدولية التي استعاد السيطرة عليها مع وحدات من «حزب الله» منذ أن سقط ريف حمص الشرقي والغربي وصولاً الى القصير والقرى الواقعة شرق الطريق الدولية وغربها بعمق يمتدّ ما بين 6 و8 كيلومترات في العام الماضي.

وانّ مثل هذا السيناريو سيؤدي الى استقرار الوضع على الحدود اللبنانية ـ السورية ليس الشمالية فحسب إنما تلك المهددة في الريف الغربي لدمشق من الزبداني الى محيط طريق المصنع في مرحلة لم يبق فيها للنظام أيّ منفذ حدودي سوى في اتجاه لبنان، وباتَ نشاط المعارضين يهددها بقوة طالما انّ النظام لم ينجح في فك الطوق المضروب على دمشق من غربها وجنوبها، وانّ القذائف تهدد مختلف أحيائها الداخلية.

يعترف العارفون انّ المبادرة باقية وما زالت تخضع للمشاورات والمفاوضات بعيداً من الإعلام، خصوصاً انها أحيَت مشاريع سابقة رافقت البحث عن نقل مسلّحي القلمون الى الشمال السوري عبر معابر آمنة ولم يكن النظام السوري بعيداً من الموافقة عليها بعدما تبيّن انّ قادة لبنانيين شاركوا في تسويقها في أكثر من عاصمة تزامناً مع المواجهات الدائرة في عرسال وتلالها نزولاً الى بريتال.

ويضيف هؤلاء انّ بعض ما يجري من معارك في القلمون وإدلب وجسر الشغور وريف حماه مرتبطة بتحسين شروط الطرفين لإتمام هذه الصفقة التركية ـ الإيرانية، وان تجدّد المعارك في إدلب تحديداً والضغط الذي تحاول تركيا الإفادة منه في تلك المنطقة قد يؤدي الى تزخيم الإتصالات حولها ولا يستبعد ان يكون ردّ فِعل «حزب الله» في تلال القلمون واجتياح بعض التلال لتحسين الشروط ايضاً.

وتأسيساً على هذه المعطيات يدعو المراقبون الى ترقّب تطورات معركتي القلمون وجسر الشغور، في اعتبار انّ ما ستَرسو عليه العمليات العسكرية يؤشّر الى احتمال التفاهم النهائي على الصفقة.

فإذا استعاد النظام السيطرة على جسر الشغور ليحتفظ بمواقعه المتقدمة على أبواب الساحل يمكن للصفقة ان تتمّ، وهو أمر ليس مستبعداً طالما انّ هذا الأمر على لائحة الضمانات التي طالب بها، على أن يواكب ذلك تفاهم على إطلاق العسكريين اللبنانيين وإنهاء الوَضع الشاذ في عرسال. فهل من مفاجأة إذا أعلن المعارضون انسحابهم من جسر الشغور بعد سقوط جزء من القلمون؟

 

بقلم: جورج شاهين