يمكن للمرء أن يسمي هذا العصر بعصر تقارب الثقافات وتعايشها وتحاورها.

لقد أصبح ممكناً أكثر من ذي قبل نشر الأفكار على نحو طبيعي دون أن تقف من ورائه - في الغالب - الأحزاب والدول ، وإنما جماعات غير منظمة ولا ممولة بشكل جيد تعمل جهدها لنشر أفكارها بهدوء دون العوائق المعروفة تاريخياً، وهذا وضع أقرب إلى تحقيق التعايش الثقافي السلمي والتبادل الحضاري الذي يفتح الفرص أمام جميع الأطراف .

هذا الأمر يدعونا إلى كيفية الاستفادة من هذه الفرص المتاحة في الحوار وطرح الآراء بعيداً عن الإكراه والقسر . كما أنه يقودنا إلى مكانة الحوار مع الآخر في ديننا الإسلامي وتراثنا الطويل .

إن حوار المسلمين مع أصحاب الأديان الأخرى لم ينقطع قط ، لأنه مسجل في القرآن الكريم ويتلوه المسلمون صباح مساء في آيات كثيرة مثل:

قال تعالى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا).

وينعقد الحوار بمجرد التعرف على وجهات نظر الآخرين وتأملها وتقويمها والتعليق عليها.. ومن هذا الفهم يمكن أن يطلق الحوار على تلاقح الثقافات بين بعضها الآخر وما يحصل من جراء ذلك من تلاقي المتحاورين وتصويب بعضهم لبعض وتأثير بعضهم في بعض .

تعريف الدين يعرف الدين على أنه الطاعة والانقياد وتأسيس منهج الحياة على مثل عليا يلتزم بها الإنسان.

وهو اسم لجميع ما يعبد به الله، والملة ، ومثله الديانة . جمع الدين أديان وجمع الديانة ديانات.

وتعريف الثقافة هي مجموع العقائد والقيم والقواعد التي يقبلها ويمتثل لها أفراد المجتمع .

ذلك أن الثقافة هي قوة وسلطة موجهة لسلوك المجتمع، تحدد لأفراده تصوراتهم عن أنفسهم والعالم من حولهم وتحدد لهم ما يحبون ويكرهون ويرغبون فيه ويرغبون عنه كأنواع الطعام والملابس وغيرها.

وهكذا تميز ثقافة شعب ما نمط حياته عن أنماط الشعوب الأخرى ولكنها لا تعزله ولا تقوده بالضرورة إلى حالة خصام مع الثقافات الأخرى .

وقد يوجد في داخل كل ثقافة من يدعو إلى العزلة والانقطاع عن الآخرين أو أسوأ من ذلك إلى التعالي وتفخيم الذات واحتقار الآخرين . وقد يصل هذا إلى مرحلة العداء للآخرين وتشكيل خطر على وجودهم . ولذلك كان لا بد للحوار حتى يخفف من حدة هذا العداء ويجعل أصحاب الثقافات يتعايشون ويفهم كل منهم الآخر .

إن المقصود من الحوار ليس المجابهة والإفحام إذ إن ذلك هو من باب المناظرة ومحاولة الظهور على الخصم وتعجيزه عن الرد . وإنما المقصود أن يحصل كل ما يأتي أو بعضه:

1- معرفة أطروحات الطرف الآخر ووجهات نظره وحججه في القضايا التي هي موضوع الحوار .

2- تعريف الطرف الآخر بما يغيب عنه أو يلتبس عليه من المعلومات ووجهات النظر والبراهين في القضايا التي هي موضوع الحوار .

3- العمل على استكشاف ما لدى الطرف الآخر من حقائق وإيجابيات والاعتراف بها وقبولها والاستفادة منها طالما ( أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها)  .

4- تشييد جسر للتواصل السلمي البناء وسد الطريق أمام المواجهات والمصادمات مما يبدد الجهود .

5- قد يؤدي الحوار إلى إيضاح الحقيقة بالإضافة إليها ، فيعطي كل فرد ما يعرف من أجزاء الحقيقة حتى يمكن تركيبها كاملة وحتى صاحب الحق فإن أجزاء من الحق تبرز له بصورة أوضح أثناء توقده الذهني في لحظات الحوار .

أن تعدد الثقافات الإنسانية واختلاف الناس في الدين أمر من مقاصد الخلق.

قال تعالى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ).

فالاختلاف أمر قدري مثلما هو أمر مقصود لتقوم الحجة على المخالف لكن ليس للاقتتال والنزاع إذ ليس الكفر في ذاته مبيحاً لقتل الكافر ولإزهاق روحه .

والحمد لله رب العالمين

 

 

بقلم الشيخ عباس أمين حرب العاملي