كالعادة في كل حدث إقليمي أو دولي كبير، ينقسم الأفرقاء في لبنان حيال تقييم ذلك الحدث، تبعاً لمصالحهم المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأحد اللاعبين الخارجيين. حدث هذا الأمر في الماضي، وما زال يحدث اليوم، وكان آخر الاختلافات في التقييم يتعلق بمقاربة الاتفاق النووي الأخير بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، وإيران، خاصة حيال مدى انعكاس الاتفاق على لبنان.
من الطبيعي ان يشكل الاتفاق مادة لانقسام وجهة النظر بين الفريقين الأساسيين على المسرح اللبناني، أي «8 و14» آذار. من هنا، يصنّف قيادي في «8 آذار» ما حصل في دائرة «انتصار الموقف الإيراني الذي واجه معركة ديبلوماسية مع محور كامل، تمكن على اثره من الخروج فائزاً ومحققاً إنجازاً قلَّ نظيره».
يشيد القيادي بالموقف الإيراني الصلب، «المتمسك بحقوقه المكفولة بموجب القانون الدولي». بالنسبة اليه، كان الغرب محشورا في الزاوية، فهو كان عاجزاً عن شن الحرب لفرض ارادته، مثلما ان قدرته كانت معدومة على فرض إرادته تفاوضياً. يشير القيادي الى رمزية الصورة التي جمعت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، من جهة، مع قادة دول الـ5+1، من جهة ثانية، «أي إيران في مقابل قادة العالم».
في المقابل، يضع قيادي، يصنّف من صقور قوى «14 آذار»، الاتفاق الأميركي - الإيراني في اطار «تسوية وتقاطع مصالح» مؤداها ضوء أخضر من قبل الدول الكبرى لزيادة نفوذ طهران في المنطقة وتوسعها لمجابهة قوى «التطرف السني».
ويشير الى وجهتي نظر لدى المقرّبين من دوائر القرار في الولايات المتحدة: أولهما «يقبل بالتوسع الشيعي» في المنطقة كون من الممكن الدخول في حوار مع «الإسلام الشيعي»، بينما يفتقد «الإسلام السني السلفي التكفيري الى رأس يديره.. وهو تحليل قديم لمثقفين أميركيين ذوي نفوذ في البلاد». أما ثانيهما، فيلحظ أهمية إفساح المجال أمام «الإسلامين الشيعي والسني للتقاتل بعيدا عن الاميركيين». ويلاحظ ان واقع الحال «يحيّد» إسرائيل «التي يغيب الكل عنها للمرة الأولى منذ ولادتها».
ولكن ماذا عن تأثير الاتفاق على لبنان؟
يلفت القيادي في «8 آذار»، النظر، الى «انفراجات» ستشهدها المنطقة جرّاء الاتفاق، والذي سيشمل مختلف الملفات، من دون ان يعني ذلك ان هذا الامر سيتمظهر قريبا. «وسيكون لبنان في صلب تلك الانفراجات، نتيجة الثقة التي بدأت تبنى بين الطرفين الأميركي والإيراني حيال مقاربة ملفات المنطقة، وهو الأمر الذي يعني، بالتالي، ان لبنان مقبل على فترة استقرار سياسي وأمني تريح اللبنانيين».
أما على صعيد ملف رئاسة الجمهورية، فإن الأمر، حسب القيادي في «8 آذار»، من غير المرجّح ان يحل قريباً، وهو ملف ذا «حيثيات محلية أكثر منه اقليمية، ويعود أساسا الى اتفاق اللبنانيين بين بعضهم البعض».
من ناحيته، يعتبر القيادي في «14 آذار» ان لا مكان للبنان في الاتفاق الذي حصل. ويستعرض مختلف مراحل «التدخل الإيراني» في لبنان منذ العام 1982، ليخلص الى ان الملف اللبناني وغيره من البلدان العربية «مرتبط بالطموحات الإيرانية القومية، وخاصة المذهبية التي تعتبر المحرك الأهم، في إقامة الإمبراطورية المأمولة في المنطقة».
بالنسبة الى هذا القيادي، فإن مشكلة «14 آذار» المستمرة تتمثل في «السلاح الذي تموله إيران في لبنان والذي يأتمر حزب الله به»، وهو يلاحظ ان الرفع التدريجي للعقوبات عن طهران، سيكون له مفعول مساعد في زيادة الدعم الى «حزب الله» في لبنان، والى نظرائه في المنطقة «إلا إذا كان الاتفاق يلحظ في ملحقاته، أمرا ما يتعلق بانفلاش الحركات المدعومة من إيران في هذه المنطقة».
وبينما يقلل القيادي في «14 آذار» من حجم إنجاز الإيرانيين «الذين باتوا يشبهون العرب في الترويج لانتصاراتهم الوهمية»، يتهكم القيادي في «8 آذار» على الخصوم من «14 آذار» المصابين برأيه بـ «العُصاب»، و «الذين يهددوننا بعاصفة اليمن التي اعتقدوا بوصولها الى طريق المطار.. بينما القوى نفسها هي التي تتلقى اليوم العزاء جراء الاتفاق الذي حصل والذي تريد التقليل من آثاره الانتصارية». ويسأل: «ماذا ينتظر هؤلاء أكثر من احتفاظ إيران لنفسها بالحق في الاستمرار في برنامجها السلمي المتكامل وإلغاء العقوبات السياسية الدولية عليها والمستمرة منذ أكثر من 30 عاماً.. مع ما يصحبه ذلك من تحول في مكانة إيران في المنطقة التي ستتعاظم وستكبر، وهي التي حافظت على قوتها حتى في ظل العقوبات..».

    بقلم :عمار نعمة