عود على بدء، هو التباين في الرأي حيال القضايا العالقة في مدينة طرابلس يطل برأسه من خلال مشروع مرآب التل (ساحة جمال عبد الناصر)، وهو يكشف النقاب عن معضلة قلّة التنسيق بين المؤسسات الرسمية على اختلافها من جهة وعن قلّة التنسيق بين القوى المحلية من جهة أخرى.

 

 

في الواقع سبق أن دفعت المدينة ثمن هذه التباينات وشهدت المدينة مشروع الإرث الثقافي والذي أقل ما يقال فيه انه فاشل. فقد أحدث في التبانة مشكلة بدلا أن يقدّم للمنطقة مشروعا حضاريا تراثيا يعيد احياءها ويبرز محاسنها المطمورة والمحجوبة بالحرمان تارة وبالعشوائية المحلية أحياناً.

 

فهل تتجه ساحة التل الى معايشة مشروع فاقد للأهمية والنتائج الإيجابية على المدينة على غرار ما يحصل الآن مع الارث الثقافي؟ السؤال موضوعي كفاية في الوقت الذي ترتفع فيه نبرة معارضة المشروع دون أن يلتفت أي مسؤول الى ضرورة شرح القضية بشكل جيد فيما تحتاج الأمور فعلاً إلى شرح وتفصيل، خاصة أن المبلغ الذي يرصد له كبير جدا وقد تحتاجه طرابلس في مجال آخر أو حتى في مواقع مختلفة.

 

المعارضة للمشروع حتى الساعة تتفاقم، فالرئيس نجيب ميقاتي والجماعة الإسلامية والمجتمع المدني واللجان الأهلية وتيار الاعتدال الذي يرأسه النائب السابق مصباح الأحدب كلهم يرفض المشروع، أقلّه يرفض الاجراءات التي اتبعت وينتقد أداء المجلس البلدي.

 

وقبل الحديث في مضمون الأزمة ثمة أسئلة ينبغي طرحها على المعنيين لا سيما المطالبين بقصر ثقافي أو محال تجارية فوق المرآب. فهل يعلم هؤلاء ان الحكومة اللبنانية غير معنية ببناء أي حجر فوق الأرض وان أي وعد أعطي في هذ المجال قد يبقى مجرد آمال وأمنيات، وفي هذه الحالة هل يكون الإعلان البلدي عن إقامة القصر فوق المشروع المنتظر بمثابة أمنيات أيضا؟ وماذا عن الحقيقة الدامغة هنا؟

 

وهل يعلم المجلس البلدي انه وفي حال ذهب جدّياً إلى إقامة أي منشآت فوق الأرض في الساحة فانه سيلقى معارضة شديدة من قوى قادرة على تعطيل المشروع أو حتى تحطيمه ولو أنشيء فعلا؟

 

الواقع ان التباينات هي التي تضبط إيقاع المداولات حول المشروع، وإذا كان من توجه فعلي فانه وبحسب المراقبين ينبغي أن يبنى على أساس التفاهم فلا يمكن أن يمر هذا المشروع أو سواه وثمة غالبية كبيرة في طرابلس ترفضه أو تنادي باحتمالات أخرى.

 

الموضوعية السياسية والانمائية تقتضي إعادة الموضوع الى دائرة النقاش المحلي لا على أساس نقاش يلغي المشروع أو يحرم البلد من الاعتماد المخصص لها وهو جيد بل جيد جدا، ولا على أساس عناد حكومي يؤدي الى اقامته وتحويله بعد حين الى مساحات للخلوة..

 

الرئيس نجيب ميقاتي شدد أمس على ضرورة أن نتصارع لأجل طرابلس لا في طرابلس وفي العنوان هذا اتجاه مهم لإعادة طرح الأمور بما لا يوحي للبعض بمفهوم الوصاية مثلا وبما لا يسمح أصلا بالتداول بمثل هذا الاحتمال كواحد من احتمالات إثارة الفتن والخلافات المحلية.

 

المجتمع المدني

في هذا الوقت يتابع المجتمع المدني توجهه الرافض ويبني مواقف ومعطيات تتطالب بجملة مبادئ لعل أبرزها حسن الأعداد وحسن الاطلاع وهو ما لم يحصل أبداً.

 

تقول منسقة لجنة متابعة مشاريع طرابلس ناريمان الشمعة ان المجتمع المدني منذ علم بان هناك شركة لزمت لدراسة هذا المشروع قام بمتابعة الموضوع "وانتظرنا أن تنتهي الدراسة، ونحن من حيث المبدأ نرفض وجود المرآب في ساحة التل، وبعض المجموعات عملت على دراسة الآثار الإيجابية والسلبية وبالتالي كلفنا لجنة "متابعة مشاريع طرابلس" وما حدث اننا أعلنا الرفض وفنّدنا أسباب الرفض والبدائل لمشكلة أزمة السير وليس البدائل لاشغال الساحة وحيث قد يكون البعض خلط بين الأمرين".

 

تابعت الشمعة: نحن لا نسعى الى تعطيل المشاريع في المدينة إنما نحن نريد التصويب ولجنتنا وضعت بدائل عدة واقتراحات ولفتنا الى مشاريع وضعت من قبل مجلس الانماء والاعمار وتمسكنا بتنفيذها ومنها وصلات الاوتوسترادات التي من شأنها أن تخفف من ضغط السير على المدينة.

 

وردا على سؤال قالت الشمعة: نحن لم نطّلع على المشروع عندما كان مشروع قرار في مجلس الوزراء وقد وصلتنا المعلومات لدى دراسته في الانماء والاعمار ولزم الى مكتب هندسي في طرابلس . إلا اننا نتساءل عن أولويات المشاريع في المدينة؟! وما هي المعطيات لاعتبار المرآب مشروعا أوليا يدفن فيه 25 مليون دولار؟! كما تعلمون هناك حاجات مختلفة منها الفقر، في حين أن المرآب مشروع خدماتي وليس انمائيا  وبالتالي نسأل عن فرص العمل التي قد يؤمّنها والسلبيات التي قد تنتج عنه في وسط المدينة التاريخي، بالإضافة الى سؤالنا عن كيفية تغطية الوضع الأمني على عمق ثلاثة طوابق تحت الأرض؟!

 

برأينا أنّ هناك أموراً عدة لم تدرس ومنها طبيعة الطرقات في محيط منطقة التل وهي كلها ضيقة، وهناك مختصون يجمعون على أهمية عدم وجود المرآب في الوسط.

 

الشمعة ختمت مؤكدة المضي بالسبل المتوفرة رفضاً للمشروع ولو أبدى القيّمون تمسّكا بإقامته.

 

وهل من أزمة سياسية؟

طبعا، وبالإضافة الى ما ذكر يدخل على خط النقاش موضوع بناء قصر الثقافة حيث يريده فريق ويرفضه آخر، وحيث يقول بإمكانية توفير تغطية مالية تركية لبنائه، ويقول آخر بتعذّر ذلك، كلها مادة شائكة تفقد المشروع الإجماع الطرابسي.

 

أما السؤال فإلى أين؟ وما هو مصيره؟ وهل يؤدي الخلاف عليه الى خلاف آخر ربّما سياسي أم يدفع الخلاف عليه الى تفاهم لبناني - طرابلسي يعيد عقارب الساعة إلى موجة التفاهمات المنتجة أقلّه إنمائياً؟ حتى الساعة السعاة لم يحركوا ساكناً على الرغم من ان الخلاف أوحى بأزمة سياسية ولو بالتورية.

 

 

 

 

 

اللواء:محمد الحسن