شهدت بكركي مشاورات رئاسيّة في الأيام المنصرمة، على وَقع الخلاف على آلية عمل الحكومة، في وقت انها تطّلِع من «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ» على مسار الحوار الذي هندست له منذ مدّة بدعم من الفاتيكان، لترى توقيت حلول الفرج الرئاسي.
بين اتصال رئيس الحكومة تمام سلام بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي منذ يومين، ولقاء الراعي أمس وفداً من الحزب «التقدمي الإشتراكي» نَقَل إليه رسالة من النائب وليد جنبلاط تشدّد على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية، تطمئنّ بكركي الى مواقف القيادات الإسلاميّة التي تعاني أيضاً غياب الرئاسة الاولى، إذ لم يعد يُخفى على أحد أنّ المسلمين يخافون من بعضهم أكثر من خوفهم من المسيحيين، خصوصاً مع إعادة رَسم خريطة المنطقة وتقاسم النفوذ بين السنّة والشيعة، فيما يعيش المسيحيون اضطهاداً جديداً يذكّرهم بالحقبات السابقة.

«لا تنافس مارونياً - سنّياً على السلطة والصلاحيات»، بهذه العبارة تؤكّد مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ «العلاقة مع الرئيس سلام في أحسن أحوالها، فالاتصال بينه وبين البطريرك الراعي كان إيجابياً الى أقصى حدود، ونحن نُقدّر عالياً أداءه وحرصه على صلاحيات الرئاسة»، موضحةً أنّ «كلام الراعي عن النيّات في عظته الأخيرة لم يكن موجّهاً الى سلام، بل الى كلّ من يعطّل الإستحقاق الرئاسي، من القيادات الداخلية والخارج، ونحن ندفع الثمن».

وتشدّد المصادر على أنّ «التواصل بين بكركي والسراي مستمرّ بشكل شبه يوميّ، والرئيس سلام يتشاور معنا دائماً، وهو لم يرتكب حتّى الآن أيّ خطأ في إدارة الحكم، فثقتنا به كبيرة، لكنّ الراعي يقول لسلام ولجميع المرجعيات والقيادات إنّ الدستور وحدة متكاملة، فلا نستطيع تطبيقه في شقّ آلية عمل الحكومة وسط الفراغ الرئاسي، ونتناسى أنّ الفراغ هو أكبر نَسف للدستور ولعمل الحكومة والبرلمان».

وتنفي المصادر وقوف الراعي وراء اللقاء التشاوري الوزاري الأخير أو تبنّيه المواقف الصادرة عنه، «فالمعنيّون به أبلغوا إليه أنه سينعقد فقط لا غير، علماً أنّ كل اللقاءات المسيحية السابقة على مختلف المستويات كانت تحصل بعد التشاور مع البطريرك، أما هذا اللقاء فسارَ في طريق مغاير».

تُثني بكركي على موقف المرجعيات السنيّة والوطنية من قضية انتخاب الرئيس، وكان آخرها موقف مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان من مصر، ومواقف الرئيس سعد الحريري من وجوب انتخاب رئيس، خصوصاً أنّ الزمن اليوم مختلف عن العام 1920، عندما اختلف السنّة والموارنة على فكرة إنشاء لبنان الكبير، وهو مُغاير لمرحلة 1958 وسط التنافس بين المحورين الاميركي والسوفياتي آنذاك وصعود الوعي القومي العربي، ومختلِف أيضاً عن بداية الحرب الأهلية حيث تعاطف السنّة مع الفلسطينيين.

وفي السياق، تلفت مصادر بكركي لـ"الجمهورية"، الى أنّ «جميع اللبنانين مع انتخاب رئيس، لذلك على المسيحيين استعجال هذا الموضوع، والراعي حريص على ألّا نَقع في مرحلة التعايش مع الفراغ مثلما حصل أثناء التمديد لمجلس النواب، فالبحث عن آلية للتعايش مع هذا الواقع تدفع الراعي الى التوجّس من الوضع، خصوصاً مع ما نشهده من مجازر بحقّ مسيحيّي الشرق».

وتدعو المصادر الوزراء المسيحيين إلى «ممارسة دورهم وعدم السماح باستغياب الرئيس، بعدما اجتمعوا للمرّة الأولى وتوحّدوا في قضية الحوض الرابع، وبكركي تدخلت عندما طلب منها المتضررون، وهي استجابَت لنداء شعبها، وتؤدي دوراً إضافياً في غياب المرجعية الأولى التي يجب أن تضطلع بهذا الدور».

وتؤكد المصادر أنّ «بكركي مع الحوار بين «القوّات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، ومنها انطلقت الحوارات، وهي الأساس، ولا نستطيع سحب الثقة من الحوارات قبل معرفة النتيجة»، كاشفة أنّ «رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون سيزور بكركي قريباً لإطلاع الراعي على مجريات الحوار، علماً أنّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وَضعه في أجوائه خلال مشاركته في جنازة المطران فرنسيس البيسري».

وفي وقت ينتظر الجميع كلمة السرّ الخارجية، تشدد المصادر على أنّ «المباحثات الدولية مستمرّة، وفرنسا تتشاوَر مع أميركا وإيران والسعودية وعواصم القرار، لكن لا جديد حتى الساعة، فإذا لم نُرتّب بيتنا الداخلي، لن نستطيع فعل شيء».