لا مفر من الإقرار بأن طرابلس هي الأم الحاضنة للنازحين إذ نالت وبتقرير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين النصيب الأكبر!!!

الأسباب... سياسة الشمال الداعمة علنياً للثورة!!! منذ قامت الثورة السورية أعلنت طرابلس تأييدها لها ولحرية الشعب إن لماضٍ قاسته هذه المدينة من سطوة سابقة للنظام أو لدعم الدم السني في بلاد الشام.... ولكن لم يخطر على بال الطرابلسي وسياسيه أن هذه الأزمة ستطول لسنوات عديدة يدفع ثمنها لبنان بأكلمه وشماله بوجه خاص... ببساطة ( أكلنا الضرب) ...

البطالة!!! الإغاثة وحدها لم تعد تكفي السوري في ظل المعيشة الباهظة في لبنان فواقع العمل اللبناني والشمالي الذي كان يعاني من العمالة السورية أثناء حكم النظام على أراضيه... شاءت الثورة أن تعيده بأضعاف مضاعفة لتقابلها أزمة بطالة حادة بين صفوف الشباب... فمحمد (29 عاماً) شيف من الشمال لديه خبرة عمل لمدة تزيد عن خمس سنوات في الخليج وحين سؤاله عن سوق العمل ، أجاب ساخراً : " ما في سوق عمل في عاطل عن العمل " واصفاً المشقة التي تكبدها لإيجاد عمل يعيل نفسه وأسرته به.

وفي استفسار عن هذا الواقع وبالأخص كون مهنة " الشيف " تعتبر الأكثر ازدهاراً تأتي إجابته : " بدل ما يجيبوني و يعطوني ألف دولار بيجيبوا 3 سوريين بدالي" .

وفي سؤاله عن الكفاءة قال أن صاحب العمل لا يهتم سوى بصندوق نقوده مشيراً إلى أن العامل السوري يعمل 16 ساعة دون اعتراض بينما هو لن يقبل العمل اكثر من 8 أو 10 ساعات كحد أقصى. هذا إضافة إلى حقه في ضمان صحي وهذا أمر لن يطالب به العامل السوري.

البطالة تتعدى على أفقر المهن ؟؟؟ الحمالون أو (العتالة) كما تعرف ، فحتى هذه المهنة التي لا يقوم بها إلا " المعتر" لم تسلم من تأثير النزوح السوري... فجمال وهو الفقير ( الدرويش) من القبة نراه يتجول بين الأحياء باحثاً عن مستأجر ينقل له المفروشات أو مجدد لأثاث منزله يحمل له الأثاث... وفي سؤاله (اديش بتاخد عالنقلة ) أجاب : "بـ 25 الف وصارت بـ 15 ألف اذا مش أقل" وفي استفسار عن السبب أجاب : " يا بقبل يا بيجيبوا سوري وبيرضى بـ 5 الاف" أما نارمين وهي الطالبة الجامعية فقد وصفت الوضع بالمأساوي وقالت أنها منذ عام تبحث عن فرصة عمل كسكرتيرة في مكتبة او عيادة ، غير أنّ السوريات كن أحق منها بنيل هذه الوظيفة.

أمراض ... وأوبئة!!!! واقع النزوح السوري لم يقتصر على سرقة فرص العمل من الشباب بل تعداه إلى انتشار الأمراض والأوبئة نظراً للظروف المعيشية السيئة وقلة النظافة والعناية... وفي حديث مع " محمود الأعسر " وهو صيدلي من طرابلس أخبرنا أن أكثر الأمراض المنتشرة جراء النزوح السوري هي : (الجرب) و (القمل) فكلاهما انتشرا وتفشّا في البيئة الشمالية بشكل واسع... وفي سؤاله عن دور وزارة الصحة كان إجابته أنها في حال غياب تام عن تفاقم هذه الأزمات الصحية في طرابلس وضواحيها...

أما عكار فكان نصيبها من النزوح هو " اللوشيميا " أو الحبة الحلبية التي انتشرت مع بداية الأزمة ثم عاودت انتشارها في الآونة الأخيرة.

أزمة سكن... وشجع!!!! وكأن اللبناني لا ينقصه من الهموم سوى أن يجد نفسه بلا مأوى وها قد وجد... فلا سبيل للإنكار أن الارتفاع الهائل في قيمة ايجارات الأبنية والمحال قد ترافق وأزمة النزوح... فكل ما زاد الطلب ازداد صاحب العرض طمعاً وشجعاً!!!! فإيجار المنزل البسيط يزيد عن 400$ يتناسب والنازحين السوريين ففي البيت الواحد تسكن أربع عائلات سورية على الأقل ، عائلات تتكفل بها الإغاثة ويعمل كل أفرادها بمقابل مادي لا يكفي لقوت اللبناني... فالشاب اللبناني الذي لم يعد يؤمن من عمله غير 700 ألف ليرة في أحسن الأحوال وبعد أعوامٍ من خدمة!!! أصبح من المستحيل عليه أن يؤمن مسكناً ويبني عائلة ؟؟ (ببساطة أصبح من المستحيل على هذا الشاب أن يتزوج) والأمر يقاس على المحال التجارية التي تحولت لمأوى عقب الأزمة السورية !! فسعد الزعبي المستأجر الذي كان لمدة 23 عاما يدير مطعماُ في مفرق كوشا (حلبا) ، أثرت الأزمة عليه حيث أن المالك ونظراً لزيادة الطلب سوري قام برفع الايجارعليه عدة مرات حتى ما عاد يملك القدرة على تحمل تزايد الأعباء المالية فترك مطعمه ليؤَجر للسوريين فيحول لمطعم شاورما بينما هو تحول لمجرد عامل في مطعم آخر!!! هوية وحضارة ؟!!! في السوق الطرابلسية لا لهجة لبنانية فالشامية والحلبية هي التي تتصاعد نظراً لكثافة العمالة السورية فتحسب نفسك في لبنان دمشق وليس لبنان طرابلس.... في كل حي وشارع تسمع الأصوات السورية تجد محال مختصة بالحلويات الشامية هذا وإضافة إلى ظاهرة التزواج والتي تخطت الحدود الطبيعية!!! فنحن لا ننكر الزواج من خارج الوطن ولكن أن تصبح هذه الظاهرة مبالغة يجب علينا دق ناقوس الخطر وأن نخاف على هوية الوطن ؟؟ فعندما تسأل الشاب عن سبب زواجه بسورية ؟؟؟ تصعقك الإجابة : " ما كلفتني شي وبتعيش بغرفتي عند أهلي" وكأن الزواج صفقة رابحة والإرتباط مزاد علني ، فكم من أب سوري في الشمال عرض بناته للزواج لقاء لا شيء فقط ليطمئن عليها... وإن لم يك من عدد واضح لهذه الزيجات ولكن مما لا شك به أنه عدد كبير ويتزايد يومياً مما يهدد بتفاقم واقع العنوسة في لبنان!!! كما أنه يخاطر بتزييف الجنسية ا للبنانية وبنشوء جيل لا ينتمي لهذه الأرض وإنما لأرض الشام.... أو ليست الأم هي المدرسة ؟؟؟ فكيف بجيل أو بعض من جيل يتتلمذ في أحضان لا يربطها بلبنان إلا التشرد والنزوح....

دور الدولة!!! بإختصار لا دولة في هذا المجال.... فالحدود غير مضبوطة وقانون العمل لم يحمِ لا اللبناني ولا الشمالي... وقانون الإيجارات لم ينصف الشاب في هذا الوطن!!!! فهل في فوضى القوانين سنجد قانوناً يحمي الوطن وهويته وأجياله.... السؤال برسم المعنيين إن كان من معنيين ؟؟

 

 

 بقلم نسرين مرعب