تنتهي المرحلة الأولى من الحوار «العوني» - «القواتي» بلقاءٍ سيجمع العماد ميشال عون بالدكتور سمير جعجع في الرابية، حيث سيُتلى «إعلان النوايا» الذي شارفَ الطرفان على الانتهاء من صوغِه، ويُنتظَر أن يضع جعجع ملاحظاته وتعديلاته على بعض الفقرات التي سيتضمّنها.

سيكون اللقاء الأوّل في الرابية التي تعهّد جعجع زيارتَها، لكنّ هذا اللقاء سيستتبعه عون بـ«ردّ الزيارة» إلى معراب. هكذا تسير افتراضيّاً آليّة الحوار بين الطرفين، والتي انطلقت منذ أشهر، وستتوَّج بهدنة لا يعرَف إلى أيّ حدٍّ ستكون ثابتة أو موَقّتة، وذلك تِبعاً لحسابات عون الذي يمسِك دائماً بمبادرة فتحِ النار كلّما شعرَ أنّ مصلحته تقتضي التصويب على «القوات»، مثلما حصلَ بعد «القانون الأرثوذكسي».

تتضمّن وثيقة «إعلان النوايا»، مقدّمة و17 بنداً، وخاتمة، فيها ما هو واضح وغير ملتبس، وفيها ما أُدخِل عمداً في مجاهل التسويات اللغوية، لكنّ الأبرز أنّها تحاول التأسيس لهدنة طويلة، وطيّ صفحة الماضي، وإدارة الاختلاف، بعيداً عن لغة الهجوم ونبشِ قبور الحرب.

تتضمّن الوثيقة ايضاً فقرات واضحة عن التوافق على مسائل، كاللامركزية الإدارية، ومفهوم الرئيس القوي، وطيّ صفحة الماضي، وضبط لغة التخاطب، وقانون الانتخاب لجهة التمسّك بالمناصفة كما وردَت في الدستور. كذلك تتضمّن بنوداً عن السيادة والسلاح، وهي بنود خضعَت لتسويات لغوية تجنّباً لعدم الإحراج، خصوصاً أنّ وثيقة التفاهم بين عون و»حزب الله» لم ينفَّذ منها أيّ شيء.

يسير حوار عون ـ جعجع في صعوبة، وينجح في تخَطّي المسائل الاساسية، ويملأ الفراغ بالاستدارة، حول موضوع الرئاسة، والقضايا الجوهرية كقتال «حزب الله» في سوريا، وغيرها من العناوين، لكنّ ما يعطيه دفعاً لا بأسَ به، هو حاجة كلّ طرف الى الحوار لتحسين شروطه في معارك مقبلة.

في هذا الإطار، لوحِظ أنّه وللمرّة الأولى، بدأ تسريب أجواء «قواتية»، عن إمكان النقاش في القبول بعون رئيساً، في حال استطاع التفَلّت من أجندة «حزب الله».

هذه الأجواء لم تصبح جدّية، ولم تخرج عن كونها مجرّد تسريبات إعلامية، لكنّها تؤشّر الى أنّ الحوار بين جعجع وعون دخل في مرحلة اختبار، قد تدفع ببقية الأطراف الى الدخول على الخط، وأوّلهم «حزب الله»، الذي يمسك بعون من الزاويتين الأمنية والمالية الى درجة يصعب فيها تصوّر أن يستطيع التفلت أو أن يبتعد لمسافة قصيرة عن الحزب.

في موازاة هذه المرونة التي تسجَّل للمرة الأولى في الحوار «القواتي»ـ «العوني»، سيبقى موعد البحث الجدّي في انتخابات الرئاسة مطروحاً، فالاتّفاق في «إعلان النوايا» على مفهوم الرئيس القوي، لا يكفي لرسم خريطة طريق تؤدّي الى اتفاق على الرئاسة، لذلك من المتوقّع بعد اللقاء بين عون وجعجع، وتدشين المرحلة الثانية من الحوار، أن يبدأ عون «دقّ الحديد وهو حامي»، أي بإحراج جعجع بإعلان موقفَه من ترشيح عون سلباً أو إيجاباً. في هذه الحال سيدخل الحوار «العوني» ـ «القواتي» في اختبار الاستمرار من عدمِه، ويوضع «إعلان النوايا» في أدراج النسيان.

لا يبدو إلى الآن أنّ «إعلان النوايا» هو مقدّمة لاتفاق حقيقي بين الطرفين. فالمواقف في المواضيع الأساسية متباعدة الى درجة كبيرة، والدافع الى هذا الحوار لا يبدو أبعد من مجرّد التوافق على صفقة رئاسية، على الأقلّ بالنسبة إلى عون الذي أعلنَ في أوّل لقاء أنّه متمسّك بترشيحه للرئاسة حتى النهاية، والذي يراهن على قبول جعجع سلّة تبادل منافع، لا باتّفاق سياسي طويل الأمد، يعيد تصحيحَ ما خلّفته «النتائج الكارثية» لورقة التفاهم مع «حزب الله».   بقلم: اسعد بشارة