بعد "القنبلة النووية" التي فجّرها وزير المال علي حسن خليل مع إعلانه ضبط معدات صناعية وأدوات منزلية مُشبعة بإشعاعات نووية خطرة، لم تتخذ الحكومة أي إجراء طارئ وفعلي حتى الساعة لاحتواء هذه الكارثة، علماً أن الأمر يفوق بخطورته أي فضيحة صحية تمّ إعلانها حتى اليوم. فالأمر ليس مشكلة صحية، بل إبادة لشعب كامل، لأن المواد الخطرة لا يقف في وجهها شيء حتى لو تم إعادة تصديرها، ستبقى آثارها الكارثية في المرفأ وستطاول من يعمل به وكل بضاعة تدخل وتخرج منه.

الأدوات التي ضبطت في المرفأ ومطار رفيق الحريري الدولي تحتوي على إشعاعات خطرة جداً من مادة Cobalt 60 المشع مصدرها الاساسي الهند. وبحسب الباحث النووي البروفيسور جاسم عجاقة، تلوث الإشعاعات الهواء عبر ظاهرة الـIonization، ما يجعل انتقالها في الهواء سهل وبالتالي تؤدي الى تلوث مساحات على بعد كيلومترات من مكان وجودها استنادا الى الكمية المُشعة التي تُقاس بوحدة قياس تُعرف بـ"سيفرت" (Sievert).

والمعلوم أن جسم الإنسان يتعرض يومياً لإشعاعات ناتجة عن الطبيعة، لكنها أيضاً ناجمة عن إشعاعات اصطناعية في معظمها، نتيجة المعدات الطبية. ويضيف عجاقة: "إن الإشعاعات النووية موجودة في مواد يوجد منها أصلاً في الطبيعة كالـ"كوبالت 60" والمُستخدم في الأجهزة الطبية، والأورانيوم المُستخدم في معامل الطاقة النووية، وهي إشعاعات قاتلة وتلوث الجو وتضر الإنسان بقتلها الخلايا البشرية، علما ان كل شخص أو مادة تتعرض للإشعاع تُصبح هي بذاتها مُشعّة".

وبحسب طبيبة الأعصاب في مستشفى القديس جاورجيوس الدكتورة ألين مراد، فإن التداعيات على الأعضاء البشرية التي تُصاب من جراء الإشعاعات هي كارثية وفي معظمها سرطانية تتمركز في عدد من الأعضاء: الغدة، النخاع الشوكي، الرئتان، الجلد، المعدة والأعضاء التناسلية، كما يُمكن أن تؤدي الى تشوهات خلقية عند الاطفال. وتُضيف: "كمية الإشعاعات تحدد التداعيات على الصحة، فتَحتَ 20 مل Sievert لا خطر على الإنسان، وبدءا من 100 مل Sievert يزيد احتمال الأمراض السرطانية، وأعلى من 500 مل Sievert يزيد احتمال الأمراض السرطانية بشكل كبير، أما عندما تتخطى الكمية 5 Sievert فإن موت الإنسان المعرض لها يكون مُحتّما".

وعن الخطوات التي تنوي السلطات المعنية اتخاذها لمواجهة هذه الازمة، يقول وزير المال علي حسن خليل لـ"النهار": "ستتابع الوزارة الملف بأعلى درجات الجدية، وما جرى هو نتيجة للمتابعة اليومية، ويتم العمل مع كل الجهات الوزارية والادارية المعنية".

لكن هذه الخطوة يعتبرها عجاقة غير كافية، فالأمر يحتاج إلى إعلان حالة طوارئ، والاسراع في عزل المرفأ والمطار والأشخاص الذين تعرضوا للإشعاعات، لمعرفة الكمية التي تلقوها ولتفادي انتقالها الى بقية المواطنين". وحث الحكومة على تقديم طلب للحصول على مساعدة عاجلة من المجتمع الدولي أو الطلب من شركات غربية (مثلا: EDF أو Framatom) لتتكفل بتنظيف المكان الذي وجدت فيه البضائع المشعة، لكون العملية تحتاج الى تقنيات متطورة لا يمتلكها لبنان".

وفي ما يخص كيفية وصول هذه البضائع إلى لبنان، وفي ظل نظام التتبع العالمي الذي يهدف إلى ملاحقة المواد المُشعّة وعملاً بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT أو NNPT، والتي تم توقيعها في 1 تموز 1968)، ثمة احتمالان: الأول تعرض الأدوات المُكتشفة إلى الإشعاعات النووية في بلد المنشأ، أو وجود نفايات نووية، أو بضائع مشعة أخرى على متن الباخرة التي نقلت البضائع".

وهنا يؤكد الوزير علي حسن خليل لـ"النهار" أنه "طلب اجراء التحقيقات اللازمة مع الشركات المعنية للتأكد من المواد الاخرى الموجودة على الباخرة وما اذا كان هناك بضائع قد ادخلت سابقا من المصدر نفسه لإجراء اللازم. كما بدأ العمل على تكوين ملف متكامل، بالتعاون مع المجلس الوطني للبحوث العلمية، عن المعطيات المتعلقة بإمكان ادخال مواد مشكوك فيها في فترات سابقة واتخاذ الاجراءات المناسبة".

باختصار، لا يمكن حتى هذه الساعة نفي أو تأكيد دخول أي من هذه المواد المشعة الى لبنان على رغم وصولها الى المرفأ والمطار، بانتظار نتائج التحقيقات. كما وجه خليل كتاباً الى مديرية الجمارك طلب فيها التحرك بسرعة لاجراء التحقيقات المتعلقة باستيراد هذه البضائع، بالاضافة الى التدقيق في كشوفات الشركات المعنية في ما اذا كانت قد أدخلت بضائع من المصدر نفسه في وقت سابق، علما انه وجه كتابا الى النيابة العامة التمييزية طلب فيها التحقيق بالملف.

وكان النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود كرم قد باشر أمس تحقيقاته في قضية المواد المشعة التي ضبطت في مطار "رفيق الحريري الدولي"، فانتقل الى مبنى المطار وأجرى كشفاً ميدانياً، واستمع الى افادات عدد من الموظفين واصحاب العلاقة، واطلع على نتائج الفحوص التي أُجريت.

وعلمت "النهار" من مصادر قضائية أن كرم وبعد الاستماع الى إفادة عدد من المسؤولين في المطار، طلب الحصول على جميع المستندات المتعلقة بالبضائع المضبوطة وبالشركات التي استوردتها. كذلك علمت "النهار" ان نتائج الفحوص المخبرية التي أجريت على هذه البضائع وهي كناية عن أجهزة منزلية، بدأت تصدر تباعا، وكشفت بالفعل عن احتوائها إشعاعات بنسب متفاوتة.

إن التعاطي مع المواد الإشعاعية هي عملية دقيقة وخاضعة لمعايير دولية دقيقة لا يُمكن تجاهلها أو التهاون بها، ويبرز دور الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية التي أنشأها المركز الوطني للبحوث العلمية عام 1996 بدعم من الوكالة الدولية للطاقة، والخطة التي يجب أن تكون قد بدأت العمل عليها لاحتواء هذا التلوث. وتبقى الأنظار نحو مقررات مجلس الوزراء اليوم، فيما علمت "النهار" ان وزير الاقتصاد سيطلب طرح الملف من خارج جدول الاعمال لخطورته، ولمطالبة هيئة الطاقة الذرية بوضع خطة طارئة لمعالجة الازمة.
ويبقى المطلوب من السلطات المعنية التعجيل في تحديد الكمية الصادرة عن المواد المُشعة الموجودة في المرفأ لمعرفة مدى تداعياتها على صحة الانسان، وتوضيح ما إذا كانت أدخلت مواد مشعة أخرى الى لبنان، وهل كان على متن الباخرة نفايات كيميائية، وفي حال حصول هذا الامر كيف سيتم التعامل معها، في الوقت الذي لم ينس فيه اللبنانيون حتى اليوم ملف النفايات الكيميائية العراقية التي تم طمرها في لبنان خلال الحرب الاهلية، بلا حسيب ولا رقيب.