يجزم علي، وهو عامل سوري مقيم في لبنان منذ 7 سنوات، بأنه سيحرم لقاء عائلته في سوريا كل 4 أشهر، كما اعتاد في السابق، بعد بدء الحكومة اللبنانية فرض إجراءات جديدة على السوريين للدخول إلى لبنان، تتمثل في الحصول على سمة دخول عبر المعابر الحدودية، بعد تقديم الوثائق التي تؤكد أسباب دخوله. فقد كان يزور عائلته بشكل دوري، قبل تخطيه مدة الإقامة الشرعية البالغة 6 أشهر، ويعود إلى عمله.. لكن «الإجراءات الجديدة ستضعني أمام خيارين، إما الإحجام عن زيارة أهلي، والإقامة بطريقة غير شرعية هنا، أو مغادرة البلاد، من غير العودة مرة ثانية».

ودخل قرار فرض سمة دخول على السوريين القادمين إلى لبنان حيز التنفيذ اعتبارا من الاثنين الماضي، في إجراء هو الأول من نوعه في تاريخ البلدين، ويهدف إلى الحد من أعداد اللاجئين في البلد الصغير المثقل بعبء أكثر من مليون سوري فروا من بلادهم منذ بدء الأزمة المستمرة منذ 4 سنوات، وبدأ السوريون يملئون الأوراق المطلوبة منهم لدى وصولهم إلى المعابر الحدودية أو المطار. وأوضح متحدث باسم الأمن العام أن الإجراءات الجديدة تهدف بشكل خاص إلى «متابعة إقامة السوريين في لبنان، حتى نعرف مكان وجوده».

وتعد فئة العمال السوريين المياومين الذين لا يمتلكون وظيفة ثابتة في لبنان، أبرز الفئات السورية المتضررة من قرار الحكومة اللبنانية القاضي بفرض سمة دخول على السوريين القادمين إلى لبنان، ودخل حيز التنفيذ أول من أمس الاثنين، إلى جانب النازحين السوريين. فقد اعتاد العمال السوريون على الدخول بموجب وثيقة إقامة لمدة 6 أشهر، تمنح لهم على النقاط الحدودية، قابلة للتجديد 6 أشهر إضافية في مراكز الأمن العام الإقليمية. غير أن هذه السمة، ألغيت بموجب القانون الجديد، مما يضع العمال أمام تحديات جديدة، تتمثل في البحث عن كفيل لبناني يضمن دخوله وإقامته وسكنه نشاطه بموجب «تعهد بالمسؤولية».

ويقول علي لـ«الشرق الأوسط» إنه «عامل مياوم، يعمل في قطاع البناء في ورش غير محصورة بشخص لبناني واحد، إذ قد يستغرق العمل ساعات، أو ربما أسبوعا كاملا، لكنني غير ملتزم بالعمل مع أحد». وبحكم طبيعة عمله، «سأحرم من الدخول مرة ثانية إلى غادرت البلاد، لأنني لن أجد من يكفلني نظرا لأنني لا ألتزم بالعمل مع أحد».

ويقيم علي، كما المئات من العمال السوريين المياومين، في منطقة بئر حسن في ضاحية بيروت الجنوبية. استأجر من 6 سنوات منزلا يتقاسمه مع شقيقه واثنين من زملائه، يعملون في قطاع البناء أيضا، على شكل عمل يومي. ويستبعد أن تداهمني قوة أمنية في هذا المنزل، لكنهم سيمنعونني من الدخول مجددا بعد مغادرة البلاد بقصد زيارة عائلتي، مثلي مثل آلاف العمال الآخرين.

ويعتمد لبنان بشكل أساسي على العمال المياومين السوريين في قطاعي البناء والزراعة، منذ الخمسينات في القرن الماضي. ويقيم هؤلاء في ضواحي بيروت الشرقية والجنوبية والغربية بشكل أساس على شكل مجموعات صغيرة في منازل مستأجرة، ويتنقلون بين المناطق اللبنانية بقصد العمل اليومي.

وتعد هذه الفئة الآن، من أكثر الفئات السورية المتضررة من القرار، نظرا لصعوبة إيجاد كفيل لبناني لها. فقد حدد القرار الجديد الصادر عن الحكومة اللبنانية أن السمات تمنح للزائرين، بقصد السياحة أو الإقامة المؤقتة أو الدراسة أو السفر عبر المطارات والموانئ البحرية اللبنانية أو العلاج أو مراجعة سفارة أجنبية، بعد تقديم أوراق تثبت ذلك.

وستلزم هذه الإجراءات العمال على الإقامة بطريقة مخالفة للقانون، والإحجام عن زيارة عائلاتهم في سوريا، كيلا يمنعوا من الدخول مجددا. ويقول السوري عبد الهادي الذي يعمل في زراعة الخيم البلاستيكية في منطقة صور في جنوب لبنان، إن القرار الجديد يعني الاستغناء عن خدماتنا، في حال عدم توفر الكفيل، مشيرا إلى «صعوبة إيجاد كفيل واستصدار إقامة عمل، في ظل عدم التزامي مع أحد». وقال: «عندما يشح العمل في بلدة ما، أبحث عن عمل آخر في مناطق مجاورة وعند أشخاص آخرين، مما يمنع أي شخص من تقديم كفالة بأنني عامل عنده». وفي المقابل، في حال توفر الكفيل، «سيتيح لكفيلي احتكاري، وهو غير منطقي بالنسبة لسوري اعتاد العمل حرا في لبنان، ولا يؤمن ما احتاجه للإنفاق على نفسي وعائلتي».

ودرج العمال السوريون على الدخول إلى لبنان حاملين بطاقة هوية فقط، من غير أوراق ثبوتية، بحكم الاتفاقات المشتركة بين لبنان وسوريا منذ مطلع التسعينات. ويعد اتخاذ القرار من جهة واحدة، خرق للاتفاقات بين البلدين، بحسب ما أوحى به السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، الذي قال لجريدة «الأخبار» المقربة من دمشق، إن «القرار غير مقبول إطلاقا، وإنه يناقض الاتفاقات الموقعة بين البلدين»، مشددا على أنه «أي تغيير بالاتفاقيات يتطلب حوارا بين الدولتين».

وكان مدير عام الأمن العام الأسبق اللواء جميل السيد، المقرب من دمشق، اعتبر أن القرار «يكسر قاعدة التعامل بالمثل»، معتبرا في حديث إذاعي أنه «قرار سياسي»، معربا عن اعتقاده بأنه «غير قابل للتطبيق عمليا ويرتب أعباء كبيرة على الأمن العام في المراكز الحدودية، نظرا لصعوبة الفرز بين نوعية الداخلين إلى لبنان وتمييز النازح عن غير النازح».

ومع دخول القرار حيز التنفيذ، قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جنيفر بساكي الاثنين «نشجع الحكومة اللبنانية على التعاون الوثيق مع الأمم المتحدة في تطبيق معايير تتيح لمن يفرون من العنف والاضطهاد التوجه إلى لبنان».

وأوضحت السلطات اللبنانية أنه لن تكون هناك سمة دخول بمعنى ورقة رسمية اسمها «فيزا» أو «سمة» كما بالنسبة إلى مواطني دول أخرى، إلا أن السوري القادم إلى لبنان سيملأ ورقة على الحدود يقول فيها تحت أي خانة يزور البلد (من أجل السياحة، أو العمل، أو زيارة أقارب، إلخ...). ويوضح مكان إقامته ومدتها.

وبدأ تشديد الإجراءات على السوريين خلال الأشهر الماضية، بعد أن تصاعدت شكاوى اللبنانيين إزاء الضغط على الموارد المائية والكهربائية واليد العاملة، وكذلك بسبب التوترات الأمنية التي تورط فيها سوريون، وبينها المعارك التي وقعت في أغسطس (آب) في بلدة عرسال الحدودية مع سوريا بين الجيش اللبناني ومسلحين قدموا من سوريا ومن داخل مخيمات للاجئين في البلدة.