شكّل وداع الرئيس الراحل عمر كرامي صورة جامعة على المستويين الطرابلسي واللبناني، اذ شاركت كل القوى السياسية المحلية في تشييع الراحل وتقديم واجب العزاء بعدما نعته كل منها على طريقتها، ان عبر لافتات النعي التي غزت شوارع طرابلس مشيدة بعروبة كرامي، أو عبر البيانات التي كان لكل منها مضمونها، بالاضافة الى مشاركة كل القوى السياسية اللبنانية في التشييع والعزاء، باستثناء "القوات اللبنانية"، التي يبدو لاعتبارات خاصة، أنها آثرت الا "تستثمر" موت كرامي كما فعل غيرها لأغراض سياسية واضحة.

هذه الصورة الجامعة للقوى السياسية الطرابلسية، خلال التشييع وطيلة ايام العزاء، تركت تساؤلات عدة عن هدف القوى السياسية الرئيسية في المدينة، ولا سيما "تيار المستقبل" والرئيس نجيب ميقاتي من الاهتمام غير المعتاد بالعزاء.
فقد برزت الاحاطة الكبرى للرئيس ميقاتي بالوزير السابق فيصل كرامي (الوارث السياسي للعائلة) والاهتمام به شخصيا واقامة مأدبة غداء عن روح والده، وتقبل العزاء معه منذ اليوم الاول حتى الاخير، وإصدار بيان نعي صاغه ميقاتي بطريقة توحي انه كان على علاقة صداقة قوية بالرئيس عمر كرامي، ولم يعرف الخلاف اليهما طريقا.
أما نعي الرئيس سعد الحريري الذي كان، بوصف المتابعين، "موضوعيا"، فهو أقرّ فيه خلافه السياسي معه، ولكنه ذكر بأن الخلاف كان يحكمه الاحترام المتبادل، الذي تطور مع الوقت في العلاقة مع فيصل، فأصبح أقرب الى الصداقة بين فيصل كرامي ونادر الحريري بحكم وجود الاخير في لبنان أكثر من الرئيس سعد الحريري وتواصله الدائم مع فيصل. وأتبع الحريري النعي بتنظيم فريقه البيروتي الخاص قاعة العزاء في معرض رشيد كرامي الدولي، واقامة غداء في اليوم الثالث عن روح الرئيس كرامي شارك فيه نادر الحريري، وسبقه وفد كبير قدم واجب العزاء برئاسة الامين العام لـ"تيار المستقبل" احمد الحريري.
هذا ما دعا المراقبين الى القول ان هناك "تسابقا وتزاحما ميقاتيا – مستقبليا على فيصل كرامي باعتباره الوارث السياسي للعائلة، بهدف ضمه الى جبهة سياسية معينة تساهم في ظل الاصطفاف القائم في تمييل الدفة الى احد التيارات السياسية في المدينة". وكانت مواقع التواصل الاجتماعي شهدت نقاشات حادة بين انصار الطرفين حول هذه النقطة بالذات، بين متهم لميقاتي بالمبالغة في اظهار حبه للرئيس عمر كرامي، وهو امر كان غير موجود قبل وفاته، وآخر متهم لـ"تيار المستقبل" بالسعي الى تكبيل كرامي سياسيا وجعله مقربا من الحريري بهدف محاربة ميقاتي في طرابلس.
فهل كانت اهداف هذه القوى فعلا على هذه الصورة؟ ام انها مجرد "اجتهادات مراقبين" لا ترقى الى هذا المستوى؟
الدكتور خلدون الشريف نفى في اتصال لـ"النهار" وجود اي "اهداف خفية" لميقاتي جراء مشاركته في العزاء، قائلا: "لا يجوز تسييس عزاء رجل بقامة عمر كرامي، لانه كان زعيما وطنيا ورئيسا للحكومة وابن بيت خرّج رؤساء حكومات وله تاريخه. ولا انظر الى المشاركة الا من زاوية ما علمنا اياه الدين وما علمتنا اياه التقاليد اللبنانية، فالخلافات السياسية تجمد عند الموت وكل التجارب السابقة تؤكد ذلك، فمن الطبيعي ان تشارك كل القوى السياسية في التشييع والعزاء".
في موازاة ذلك، أكد مصدر مستقبلي لـ"النهار" ان "كرامي ابن عائلة كريمة لها جذورها وتاريخها في طرابلس ولبنان، والخلاف السياسي معه لا يعني التعامل مع خبر وفاته كخبر عابر، وما قام به "تيار المستقبل" هو من باب الوفاء للرئيس كرامي وتاريخ عائلته، ومن باب التزام التيار آداب الاختلاف السياسي، وهو ما عبّر عنه الرئيس سعد الحريري في بيان نعيه للمغفور له، وبالتالي لا خلفيات سياسية اطلاقا للموضوع".
إذاً لا خلفيات سياسية حول "الاهتمام" غير المسبوق بعائلة كرامي، ولا تسابق بين الاطراف السياسية لتشكيل ثنائية طرابلسية مع الوزير السابق فيصل كرامي تواجه الميقاتية أو "المستقبل".
لكن بعض المراقبين يؤكد وجود شيء ما من هذا التسابق وان لم يظهر بعد بصورة جلية وواضحة، مبرّرين ذلك بحاجة الاثنين (ميقاتي والمستقبل) الى طرف ثالث له حضوره القوي في المدينة، حتى يكتمل معه الانتصار السياسي.
فأيهما أقرب الى الواقعية: التسابق على كرامي أم نفي ذلك؟

 

مصطفى العويك

الكاتب: