قطار الحوار بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" انطلقت صافرته بلقاء اولي في احدى قاعات مقر الرئاسة الثانية في عين التينة. إنه ولا ريب حدث مفصلي في الايام الأخيرة من العام الذي أوصد أبوابه.

 

لم يعد جديدا القول انه منذ ان كان الحوار احتمالاً ورسائل متبادلة بين طرفيه لاحقته تساؤلات كبيرة ونبتت على حفافيه هواجس شتى وكلها تتمحور على: هل يمكن ان يشكل قيمة مضافة وازنة في دورة الحياة السياسية اللبنانية التي اصابها الجمود واستقرت على نمطية معينة، واستطراداً: هل من شأن هذا الحوار ان ينتقل من اطار الصورة الى جوهر المضمون ليساهم في حلحلة الملفات العالقة والقضايا المتشرنقة؟

 

وسواء كان الحوار ربط نزاع ما بين الطرفين وفق ايحاءات التيار الازرق، ام كان نقلة نوعية يعتد بها ويبنى عليها حسب تصريحات رموز حزب الراية الصفراء، فان انطلاق قاطرة الحوار الذي طال انتظاره اعاد طرح سؤال استطرادي هو: هل بامكان هذا الحوار ان يصمد وينعقد ثماراً ايجابية لاحقاً؟ وبمعنى آخر هل بمقدور هذا الحوار الذي ستكون محطته في الاسبوع الاول من الشهر الاول من السنة الوليدة ان يتجاوز عقبات وألغاماً عدة كما تجاوز طرفاه اختبارات شتى فرضت نفسها قبيل انعقاده بأكثر من شهرين؟

 

أثارة هذه التساؤلات على هذا النحو لا تأتي من فراغ، اذ ثمة الغام ومطبات بدأت تطل برأسها، وثمة اختبارات تترصد الحدث وتضعه في الميزان. فبعد ايام قليلة من انعقاد جلسة الحوار الاولى برعاية مباشرة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ارتقى رئيس "كتلة المستقبل" النيابية فؤاد السنيورة منبر الاحتفال بالذكرى السنوية الاولى للوزير السابق محمد شطح ليقول كلاماً وصف في بعض اوساط "حزب الله" بأنه فعل اطلاق نار على الحوار.

 

الدوائر المعنية بالأمر في الحزب ما لبثت ان مضت في رحلة بحث وتحر عن الأسباب والابعاد فخلصت الى جملة استنتاجات ابرزها شخصية السنيورة الذي ما برح يحافظ على "صقرية" متأصلة حيال الحزب وكل اشكال الحوار والتلاقي معه، الى درجة انه بات اختصاصيا في التصويب على الحزب ونهجه وادائه خصوصاً في بيانات الكتلة الاسبوعية. أمر آخر مستجد ربما يكون يدفع السنيورة الى هذه الوتيرة العالية من الخصومة مع الحزب في لحظة انطلاق الحوار والتفاهم على موجباته الاولى كمثل ايقاف الحملات الاعلامية والسياسية المتبادلة بين الطرفين، وهو ان الرجل ينطق بلسان حال فريق ما زال يحبذ ديمومة القطيعة مع الحزب، او على الأقل خوض الحوار معه في اطار استمرار الحرب الاعلامية والسياسية عليه وليس في نطاق المناخات الايجابية المرنة. اضافة الى ذلك تضع الدوائر عينها احتمال ان يكون في طيات كلام السنيورة احتجاج مكتوم على إبعاد مَنْ كان يفترض ان يكون ممثلا له على طاولة الحوار. مع الاشارة الى ان السنيورة قال في مؤتمر في الرباط أخيراً كلاماً اقسى بحق الحزب ومرجعيته في معرض حديثه عن عما سمّاه خطورة ترك راية القضية الفلسطينية تسقط بيد ايران وميليشياتها.

 

وعلى مسافة ايام معدودة من جلسة الحوار الاولى كان بعض وسائل الاعلام يكشف عن احتمال دعوة المحكمة الخاصة بلبنان احد نواب "حزب الله" (علي عمار) للمثول أمامها كمتهم سادس يضاف الى الرموز العسكرية الخمسة في الحزب، او كشاهد ادعاء خصوصاً بعدما اظهرت التحقيقات ان احد المتهمين الخمسة تواصل عبر الهاتف الخليوي مع النائب اياه في فترة وقوع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

 

وعلى رغم ان الموضوع برمته ما برح قيد التداول الاعلامي، وعلى رغم ان الحزب آثر ألا يقارب الأمر شأنه في كل تطور يتصل بالمحكمة الدولية، الا ان ثمة من سارع الى التساؤل عن أمرين: الاول يتصل بمدى تجاوب النائب اياه في الحضور الى لاهاي، والثاني يتعلق بتداعيات مثل هذا التطور المنطوي على مخاطر على مسار الحوار ونتائجه وامكان صموده أمام جسامة هذا الأمر، خصوصاً ان في الحزب من بدأ يتحدث عن امكان انتقال اصابع الاتهام من الجهاز العسكري التابع له الى صف القيادة السياسية ليكون للأمر مضاعفاته.

 

ولم يعد خافياً ان في الحزب من يعتبر خطوة استدعاء المحكمة للنائب انها توازي خطوة مسارعة المحكمة إياها الى اصدار قرارها الظني الاول بالقادة الاربعة عشية وصول المفاوضات بين الحزب والرئيس سعد الحريري برعاية سورية - سعودية الى عتبة التفاهم، فأتى اصدار المحكمة قرارها ليطيح بكل الانجازات ولتأخذ القضية بعداً تصادمياً أدى لاحقاً الى اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وتداعي الاحداث السلبية وصولاً الى المواجهات المستمرة منذ اربعة اعوام بين الطرفين.

 

استنتاج ثالث توصلت اليه الدوائر عينها وهو تحميل الحوار في خطواته الاولى اكثر مما يحتمل، او بمعنى آخر تضخيم متعمد للرهانات عليه. فالحزب يستشعر أن الفريق الآخر يسعى الى نشر مناخات فحواها انه ما ارتضى الجلوس الى الحزب على طاولة واحدة الا لكي يحل مسألة الشغور الرئاسي كمهمة ثانية تضاف الى مهمة تبديد الاحتقان المذهبي.

 

هذا اللون من الكلام يرمي في رأي الدوائر اياها الى أمرين: الاول وضع مشكلة الفراغ الرئاسي في خانة الحزب حصرياً، والثاني التأسيس لاشكالية في علاقة الحزب بمرشحه الرئاسي الأوحد وهو العماد ميشال عون، خصوصاً ان الأمر تواكب مع اجواء مصدرها قوى 14 آذار وفحواها ان الحزب قد انتقل الى طور البحث في موضوع الرئيس التوافقي، او على الأقل ارتضى تنازلات بمجرد ان ارتضى الانخراط في الحوار، لا بل أن ثمة من شرع في الحديث عن امكان نشوء تحالف رباعي آخر في تكرار لتجربة مريرة شهدتها البلاد عشية اتخابات عام 2005 واعتبرت انها كانت على حساب المسيحيين.

 

اما الامر الاقليمي الذي من شأنه ان يحمل انعكاسات سلبية على الحوار ويشكل امتحاناً له فهو التصعيد السياسي الخطير في ساحة البحرين بعد اعتقال السلطات هناك أبرز رموز المعارضة وهو الشيخ على السلمان، فضلاً عن التصعيد العسكري في ساحتي العراق وسوريا، وهو ما من شأنه اثارة السؤال مجدداً عن امكان ان يكون مسار التطورات في الساحة اللبنانية مغايراً لمسارها في الساحات الملتهبة، او القدرة على المضي قدماً في تطبيق نظرية العزل عن التأثيرات الاقليمية والتي حضرت منذ بداية الحديث عن احتمال الحوار واعتبر انطلاقه مصداقاً لهذه النظرية، او بمعنى آخر اختباراً عملياً لقدرة الطرفين على رسم قدر حواري مستقل عن حسابات مرجعيتيهما الاقليميتين.

 

"حزب الله" و"تيار المستقبل" قررا خوض غمار تحد كبير عندما شرعا في حوارهما الصعب. فهل سيكملان ما بدآه بديمومة هذا الحوار وصموده امام العواصف التي بدأت تهب عليه او تلك التي ما زالت في ظهر الغيب؟

 

هذا ما ستظهره الأيام المقبلة وهي ليست ببعيدة.