لم تنجح بعد حكومة "فك الإشتباك" في تنفيذ المهمة التي أوكلت إليها، أو شكلت وفقها. ملف الأمن وإن نجحت في مقاربته بطريقة أفضل من الحكومة السابقة إلا أنه لا يزال يعتريه أكثر من علامة إستفهام خصوصاً بشأن تطبيق الخطة الأمنية.

عودة الحديث عن البقاع وخطته، الذي يكرره "المستقبل" دوماً، عاد إلى السطح مع دعوة الرئيس سعد الحريري إلى رفع الحصار عن عرسال، مستحوذاً على إهتمام الصالونات السياسية، خصوصاً أن الدعوة فهمت في بادىء الأمر أنها إنتقاد لإجراءات الجيش بين عرسال وجرودها، قبل أن يتبين أنها موجهة إلى "حزب الله" وإلى الفلتان الأمني الذي نتج مؤخراً بعد قتل جبهة "النصرة" علي البزال، وما رافقه من إنتشار مسلح وتهديدات واعتداءات طالت العرساليين.

ليس حديث الحريري، الأول من نوعه لـ"المستقبل". قبل أسابيع كان لوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق موقف مشابه، تحديداً في ذكرى اغتيال اللواء وسام الحسن، عندما إنتقد عدم تعاون "حزب الله" وتغطيته وتأمينه حصانة "حزبية" للبعض.

ثمة، في الواقع الأمني، حلقة مفقودة. إلى اليوم لم يؤد التنسيق الحكومي الدور المطلوب منه في ضبط الوضع الأمني، ولا حتى التنسيق المباشر بين "حزب الله" وتيار "المستقبل" عبر المشنوق ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا. اذ تجزم مصادر الداخلية أنه منذ خطاب المشنوق لم يتغير شيء في الواقع الأمني ولا يزال "حزب الله" ينتهج المنهج نفسه الذي انتقده المشنوق.

في خطاب الحريري الذي بدا مبطناً، وضوح تقول مصادر رفيعة في التيار، أنه لا يمكن تجاوزه أو القفز عنه، خصوصاً ان الحريري، قال ما حرفيته إن "حصار عرسال والانتقام منها خدمة تُقَدَم للخاطفين". وتسأل: "هل هذه الجملة بحاجة إلى شرح، وتحديد من يقصد الرئيس الحريري؟ وتجزم أن هذا الكلام لا يقصد به الجيش اللبناني والإجراءات التي يقوم بها بين عرسال وجرودها لأن كل الناس تقف خلف أي إجراء للجيش وتدعمه.

ثمة شعرة، قسمت ظهر البعير، كما يقال. ما حصل بعد مقتل البزال، استفز "المستقبل". تقول المصادر إن "المشكلة الأساس هي الحصار الذي فرض على الأهالي من قبل مدنيين مسلحين، بغض النظر ان كانوا تابعين لحزب الله او غيره، خصوصاً أن المظاهر المسلحة عموماً في المناطق التي يسيطر عليها حزب الله جزء منها مقصود وبإيعاز مباشر منه، ورأينا ذلك في بعض الممارسات حتى السياسية، فيما جزء آخر لا يأتمر بإمرة الحزب لكنه هو من سلح ورعى وأمن الغطاء لها، وفي كلتا الحالتين يتحمل المسؤولية".

أكثر ما يستفز المستقبل، والذي يدفع وفق مصادرها إلى طرح أكثر من علامة استفهام هو التأخر عن ضبط الشارع، والسماح له بالفلتان لأيام أو ساعات، وهو ما ترى فيه تهديدا ورسالة واضحة مفادها: "انا من يضبط الوضع متى أريد وإلا فالخراب"، خصوصاً أنه "معلوم للجميع أنه مسيطر على الوضع بقوة السلاح بنسبة 95 % وعلى كل المستويات".

تجاوزات أهالي البزالية وفق المصادر، لم تطل أهالي عرسال فحسب. مشهد تفتيش دويلة ضمن الدولة أو حتى دويلة ضمن الدويلة، لسيارة تابعة لقوى الأمن الداخلي "لا يجوز بكل المقاييس، وعار على الدولة والدويلة، ومطلوب أن تحزم الدولة وأجهزتها أمرها، وتتحمل مسؤوليتها، وتضرب بيد من حديد ضد أي مخل بالأمن، وتمنع المظاهر المسلحة التي رأيناها، وحصار أهالي عرسال وفك الحصار عنهم ومنع أي تعديات".

رغم ذلك، ترفض مصادر "المستقبل" وضع تصعيد الحريري في خانة استباق الحوار أو رفع السقوف. تشير إلى أن "الحوار بالشق الأمني يتم في الحكومة التي أقرت خطة أمنية، وهي مسوؤلة عن تنفيذها كما عن مجمل الوضع الأمني في البلد"، وأي حوار سيكون لتهدئة الشارع وليس للحديث عن إجراءات أمنية، إضافة إلى شق سياسي من دون شروط أو استثناء، لكنها لا تخفي أن هذه الممارسات من قبل "حزب الله" تؤكد أنه لا يولي "المصلحة الوطنية" أولويته على أقل تقدير، وهو ما يثير في المقابل شكوكاً في جدوى الحوار.

كل هذا، و"حزب الله" لا يزال ملتزماً الصمت، وسط تسريب مصادر "8 آذار" لمعلومات تنفي تقصيره في ضبط الوضع وشارعه، وتؤكد أنه منذ لحظة اعلان خبر مقتل البزال قام بتوجيهات مباشرة من القيادة بكل الإجراءات والإتصالات واللقاءات اللازمة لإحتواء اي تصعيد ومنع المظاهر المسلحة، وإحتواء "حمام الدم" ومنع ردات الفعل، رغم أن البعض كان استبق هذه المساعي قبل أن يتدخل الحزب ويعيد الوضع إلى ما كان عليه سابقاً.

لا يزال الملف الأمني أولوية الجميع، حكومة شكلت من أجل الأمن، وحوار مرتقب لتهدئة الشارع، ومساع دولية وتسليح للجيش للحفاظ على الإستقرار، في بلد عاجز عن ضبط البقاع، وعن تطبيق خطة أمنية أقرت منذ أشهر